» رأي
التحريض ضد كراهية الدكتاتورية
أحمد البوسطة - 2011-11-30 - 11:39 ص
أحمد البوسطة*
سألوا الشهيد الشفيع أحمد الشيخ، القائد العمالي السوداني أثناء محاكمته: لماذا تعارضون الحكم؟! فرد في مذكرة دفاعه: ببساطة، أنتم "كمن يرمي شخصاً في الماء ويمنعه أن يبتل ويعاقبه إذا ابتل!!".
تخيلوا الموقف، شخص يُكبِّلك ويَضعك على حافةِ بركةٍ ثم يدفعك بقوة نحو الماء ويصرخ بأعلى صوته محذراً إياك بشتائم مثل: يا بن الكلب إن أصابك بلل سأجعلك تتذكر حليب أمك، أو مثيلتها، سأرجعك ثانية إلى بطن أمك يا بن الزانية..
تخيل، ماذا بمقدورك أن تفعل؟! بالطبع، لا شيء، إذاً أنت معارض وتستحق ما يفعلونه بك، مع إنهم لا يسألونك تعارض ماذا ولماذا وما الذي دفعك لتدفع ضريبة معارضتك لتصحيح اعوجاج أو مطالبة بممارسة حقوق آدمية؟؟ أم إن الأمر لا يعدو جينات وراثية خلقت من حيوان منوي غريب التكوين لكي تعارض بلا سبب؟
إذا كانت المعارضة تعني في أرقى تجلياتها: "الاختلاف في الرأي"، فإننا خلقنا فعلاً لكي نعارض، كما قال الروائي الروسي الشهير مكسيم غوركي..
آسئلة افتراضية: هل الاختلاف في الرأي دائما يؤدي إلى الإصابة بمرض الذبحة الصدرية أو القلبية أو الدماغية؟.. وهل يستدعي الاختلاف بين البشر، وهم مثل الدود يركب الواحد منهم الآخر، أن يقوم طرف في الحكم، يملك المال والقوة باغتصاب معارضيه وتعذيبهم وقتلهم في الشوارع خارج نطاق القضاء، أو تصفيتهم تحت التعذيب في غياهب سجونه، وفصلهم من أعمالهم وتجويعهم وعوائلهم، والأنكى، استخدام ماكينة إعلامية رسمية لزرع الكراهية المجتمعية ضدهم؟؟!!.
ماذا لو تجري الأمور بشكلها الطبيعي أثناء ممارسة الحقوق؟.. النتيجة حتماً ستكون على الأكثر كالتالي: "كلنا مختلفون.. جميعنا متساوون!!".
شيء آخر، هناك من يردد كالببغاء القول: "قتل المسلم على المسلم حرام!!"، فلماذا لم يُأنسن هذا القول بقول آخر: "قتل الإنسان للإنسان جريمة لا تغتفر" بغض النظر عن أصله أو جنسه أو معتقده السياسي والديني، حتى لا يخرج علينا من يشرعن قتل المسلم للمسيحي واعتباره حلالا، أو اعتبار قتل المسلم للشيوعي من أعدل أحكام الإسلام!! (….).
ولكن، ما هو الطبيعي وما هو غير الطبيعي في حياتنا؟
غير الطبيعي: أن لا يتعارك اثنان من الصلعان على مشط، ومن غير الطبيعي أيضاً، أن يخرج أحدهما سيفه من غمده ليقتل ألفاً من أنصار الطرف الثاني ليقوم الطرف الآخر بقتل عدد مماثل، أقل أو أكثر من الطرف الأول.
الطبيعي: أن يجلس الاثنان معاً للبحث عن آخر المبتكرات لزرع خصلات الشعر، أو شراء باروكة ذات جودة عالية بدل حربهما على مشط لا يستفيد منه الاثنان.
حين يجري الحديث عن البحرين، ووضع هذه الإسقاطات على حرارة الأوضاع وأنماط التفكير، لا مجال للسخرية على أرواح الناس، أو إهانتهم في كل شاردة وواردة، أو المّس بكرامتهم ومعتقداتهم.. الصحيح هو القبول بالآخر، ومن يلغي الآخر لا يمكن أن يكون حراً أو ديمقراطياً مهما كانت رطانته الثقافية والسياسية والمالية - الاقتصادية، وصدق القائل: " إن أمة تضطهد أخرى لا يمكن أن تكون حرة"، تماماً كما تنطبق هذه العبارة الأخيرة على الدول الاستعمارية التي تتشدق بعبارات "المبادئ والحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان"، بينما هي في الجانب الآخر تقمع هذه المبادئ عن طريق مساندتها دكتاتوريات في مكان آخر بصياغات مختلفة وفق مصالح شركات الموت لبيع أسلحتها.
نعم، في البحرين توجد معارضة، ومعارضة قوية أيضاً قدمت التضحيات على مذبح النضال الوطني بتراكم تاريخ من عقود الكفاح السلمي لتحقيق العدالة المفقودة والتقدم الاجتماعي، حيث وصلت ذروتها في الرابع عشر من فبراير 2011 وما تلاه في أضخم وثبة جماهيرية عرفناها للانعتاق من نير الدكتاتورية والتقرب صوب الديمقواطية الحقيقية لبناء مجتمع المواطنة المتساوية، وبالتأكيد إن الناس الذين ملأوا الشوارع وقدموا قرابينهم لم يكن لأسباب الترف السياسي والاقتصادي وبحبوحة الحريات التي يتمتعون بها، بل لانتراع هذه الحقوق من مغتصبيها ومن ثم ممارستها في حياتهم الطبيعية المفترضة.
على الذين دفعوا الناس في البحر بالإكراه ثم منعوهم أن يبتلوا، وعاقبوهم عندما ابتلوا أن يتحملوا مسؤولية نتائج هذه السياسات المجنونة، كل ما نفهمه الآن: إن "أوضاعنا لا تطاق" على جميع المستويات، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحقوقية، وباتت المعارضة والحكم متساويين بانتظار الحسم في عملية كسر العظم، لا الحكم بمقدوره أن يقنع الناس بسياساته لترميم زرع الثقة معهم وإن كانت رشوتته في الدواء تقرير لجنة بسيوني التي وصف الدكتور منصور الجمري ما يدور حولها: ب"السيرك"، ولا المعارضة السياسية، مع كثرة الأوراق الحقوقية التي تمتلكها تستطيع الحسم على المدى القصير في أقل تقدير. لكنه على الناس أن تختار بين اثنين للخروج من الأزمة الطااحنة: القبول بالسائد الدكتاتوري أو التوجه صوب الديمقراطية الحقيقية.، وفي كلا الحالتين فقد كتب على البحرينيين كما كتب على الذين من قبلهم، إنهم خلقوا لكي يعارضوا.
المناضلون والمقاتلون ضد الدكتاتورية ومن أجل بناء المجتمع الديمقراطي صوتهم مرتفع، أما مؤيدو الدكتاتورية، فهم خجولون ولا يجرؤون على الكلام والدفاع عنها… ربما هؤلاء على باطل.. قلت ربما باطل دون تأكيد وجزم، وربما تفيد الاحتمال، لا تفهموا غلط حتى لا أتهم بالتحريض ضد كراهية الدكتاتورية.. ولا ضير لعشاقها أن يعلنوها صراحة…. مو غلط!!.
*كاتب بحريني.