» تقارير
لجنتا "الميثاق" ولجنتا "بسيوني": تكرار شبحي على السيناريو نفسه.. لا تصالح!
2011-11-27 - 3:48 م
اللجنة العليا لإعداد الميثاق في أحد اجتماعاتها 2000م
لنعد إلى الوراء قليلاً، إلى التاريخ الذي "علينا النظر إليه قبل التحدث في السياسة"، كما عبر ديغول، وهو تاريخ معاصر على أية حال، لما يزل يلقي بظلاله بعد، ويتدخل في صوغ اللحظة الراهنة، أو قل المأزق الراهن الذي نعيش فيه. وتحديداً إلى لحظة الإعلان عن فوز ميثاق العمل الوطني، في تصويت شعبي، بنسبة بلغت 98.3 ٪.
فيومذاك، تفتق وعي الحكم في البحرين - بصورة تحاكي طبقاً تفتقه الحالي في التعاطي مع تقرير بسيوني - عن تشكيل لجنتين: إحداهما كانت "لجنة تعديل بعض أحكام الدستور"، والأخرى: "لجنة تقعيل ميثاق العمل الوطني". كانت صلاحيات اللجنتين، هي ذاتها: تختص الأولى التي اختير لها 9 أعضاء من دهاة السياسة والقانون و...الولاء ب"تعديل الدستور (1973) بما يتفق مع التوجهات الدستورية التي تضمنها ميثاق العمل الوطني". فيما تختص الثانية التي ضمت 12 عضواً اختيروا من توجهات مختلفة، ولا بأس أن يكون من بينهم معارض سابق ومحامون وسيدتان ب"اقتراح التشريعات الجديدة (...) دراسة القوانين والأنظمة واللوائح (...) إبداء الاقتراحات والتوصيات اللازمة (...) واقتراح البرامج والخطط اللازمة".
عودة على بدء
في الموازاة، وفيما راحت القوى السياسية التي تظهر للمرة الأولى على الأرض "تنظم أوضاعها الداخلية الجديدة بشكل علني، وكانت البلاد تحتفل بخروج أبنائها وعودتهم من الخارج"، كانت اللجنتان تعملان بسلوكين مختلفين. أحيط عمل اللجنة الأولى (تعديل الدستور) بالكتمان الشديد، وتواصلت اجتماعاتها السرية بعيدة عن الأنظار والإعلام. فيما جاء سلوك اللجنة الأخرى (تفعيل الميثاق) على العكس، فقد امتاز بالشفافية الكاملة، فوافقت "على عقد مؤتمرات صحافية مع رجال الإعلام في البلاد ومن خارجها، لمناقشة ما تتفق عليه من توصيات مرفوعة لرئيس الوزراء"، كما كان لأعضائها "حق التحدث للصحافة والإعلام من دون الرجوع للجنة".
ضجت الصحافة ووسائل الإعلام بتصريحات اللجنة الثانية، التي ترأسها ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة، وحملت إلى الناس مقترحات وبرامج وتوصيات تنوء عن حملها "المدن الأفلاطونية" الفاضلة. انشغل الناس بها، وببشائر العهد الجديد، وخيالاته. ثم فجأة توقف كل شيء. تبين أن الجهة، صاحبة السلطة العليا على كل شيء، والصلاحيات الكاسحة، هي هناك، بيد اللجنة الأولى، التي لم تكن تعشق الأضواء كثيراً، واستعانت على عملها "بالصمت والكتمان".
وعلى يدها الطولى، ولد دستور 2002 الذي أبكى أمين عام "الوفاق" في صالة النادي الأهلي، فيما راح رافعاً ملحقاً لصحيفة محلية حوت مواد الدستور الجديد، الذي جاء ضداً من كل الوعود التي أطلقها الحكم، فصوّت لأجلها الناس، فألهب ببكائه الأجواء وقتئذ. وهو نفسه الدستور الذي صرخ نقمة عليه عضو الهيئة المركزية بجمعية التجمع الوطني حالياً المحامي عبدالله هاشم: "تحية إلى طفل حمل السلندر ومشى بين المقابر"، ليحرز على كلمته تصفيق الحاضرين، وبكاءهم. وهو أخيراً نفسه الدستور الذي أتى ببرلمان 2002م الذي قال فيه شيخ حراك التسعينات الراحل عبدالأمير الجمري: "ليس هذا هو البرلمان الذي ناضلنا من أجله". فكانت الخديعة!
تكرار شبحي على سيناريو واحد
تبدو اللحظة الحالية، تكرار "شبحي"، مع سبق الإصرار، لخديعة التسعينات التي أخرجتنا من عنق الزجاجة، لتدخلنا في المجهول. وهو مجهول لم يستمر طويلاً، عشرة أعوام، ما لبثنا أن وجدنا أنفسنا مرة أخرى، أمام عنق الزجاجة نفسه، والقسوة نفسها، إن لم تكن أضعافها، ونريف الدم والدمع والضحايا. فكانت لحظة 14 فبراير/ شباط 2011.
لم يتغير الحكم، فها هو يلجأ إلى السلوك نفسه. ومرة أخرى، لجنتان لتنفيذ توصيات مشروع أتى به هو. واحدة حكومية شكلت على الفور "لجنة تنفيذ التوصيات". وحتى من دون أن نسمع بأعضائها حتى الساعة، غير أنها وكما أفادت الصحف المحلية "أن رئيس الحكومة الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة قد اجتمع مع اللجنة المكلفة بمتابعة توصيات بسيوني". ومثل لجنة "تعديل الدستور" لما تزل تغلف بالصمت كما لو أنها ختمٌ غفلٌ، وسر من الأسرار.
والأخرى، لجنة حكومية أيضاً، شكلت لاحقاً (أمس)، وهي "اللجنة الوطنية" لكن لا بأس بتطعيمها ببعض وجوه المعارضة، كما لا بأس أن يُعلن عن أعضائها، فيراها الناس ويرونهم، ويصرّحون للإعلام ويسرحون ويمرحون. ومثل "لجنة تفعيل الميثاق" سيكون عليها أيضاً أن تكتفي ب""دراسة توصيات تقرير اللجنة الملكية لتقصي الحقائق (...) وضع المقترحات (...) والتعليق على تنفيذ الحكومة لتوصيات لجنة التقصي".
فيما أُوكلت المهمة الأصل، والأصعب، مع كامل الصلاحيات، واليد الطولى والسلطة الكاسحة، إلى "لجنة تنفيذ التوصيات"، وهي لجنة تقع في عهدة حكومة متهمة، وعلى رأسها المسئول الأول عن كل الانتهاكات التي حصلت منذ 14 فبراير/ شباط.
إنه السيناريو نفسه. وعلى ذلك، يراد إلى البحرينيين، وإلى المعارضة، تماماً كما حصل في دستور 2002 أن يعبروا من عنق الزجاجة، مرة ثانية، لكن إلى مجهول آخر. لا همّ أن يكون هناك حل، المهم أن يخرج النظام من ورطته. نسي النظام أن المعارضة تقرأ تاريخ ديغول الذي يقرأه أحد مستشاريه، ويلقّنه إياه في شكل كرّاسات تعليمية في فن الخداع وإدامة السلطة المطلقة. وأن التاريخ، حين يعيد نفسه، فالأرجح أن يكون ذلك على هيئة مهزلة!