الشيخ عبداللطيف المحمود: أنا غبي جدّاً
2015-05-13 - 1:55 م
مرآة البحرين (خاص): على الأرجح فإنه ليست هناك علاقة بين تجمع الوحدة الوطنية، كتنظيم سياسي، وفن الرواية، كلون من الإبداع الأدبي. لكنّ هناك استثناء: كلاهما انتهى إلى إحلال الاعتراف المُعبّر والأمين عن النفس بما يرافق ذلك أحياناً من تهوّر وطيش وبوح فضائحي، محلّ السرد الخيالي للواقع.
ففي تصريح حديث له اعترف رئيس التجمع رجل الدين الشيخ عبداللطيف المحمود قائلاً "لقد مُكر بنا". وعاد لكي يكرر ذلك مرّتين مستخدماً صيغة الفعل المبني للمجهول "لقد مُكر بنا" قبل أن يشير إلى أن من فعل ذلك هم "من الذين قالوا نحن معكم".
لقد ساهم المحمود ورفاقه في ترويج صورة دعائية لتنظيمه تقوم على سرديّة عبارة عن جبل من الأساطير، كالقول إنه يمثل أطياف شعب البحرين بسنته وشيعته وبهرته وبهائيته ويهوده ومسيحه، وأنه جمع خلال العام 2011 نحو أربعمائة ألف شخص في مسجد "الفاتح" لإفشال مؤامرة حاكها الشيعة بالتنسيق مع إيران والولايات المتحدة، كما حمى نظام الحكم من انهيار محقق. بل أنه طالب رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما الاعتراف به في خطاباته العلنيّة بناءً على ذلك.
لكنّ سلسلة من الصّدمات التي تعرّض لها جعلته يتوقف. ليس عن إعادة تدوير هذه المزاعم بعد أن أصبحت أضحوكة يتداولها البحرينيون كنوع من النكتة السياسية؛ إنما كي يستبدلها بسلسلة من الاعترافات المدوية.
لقد أقرّ التجمع في تقرير داخلي العام 2012 بأن نظام الحكم في البحرين استخدمه كورقة "ردع متبادل" مع المعارضة ثم عمل على تفكيكه من الداخل. وجاء في التقرير الذي تم إمضاؤه من قبل مؤتمره العام "إن النظام الحاكم عمل جاهداً على ألا يكون هناك تماسك في موقف المكون الذي يستخدمه رادعاً للمكون الآخر المتماسك في الموقف السياسي والاجتماعي والمطالب".
وخلال العام الماضي 2014 اعترف أمينه العام عبدالله الحويحي بأن "الدولة لاتحترم مواقفه أو مطالبه". بينما اشتكى الشيخ المحمود في خلال ندوة عقدت في الرفاع الشرقي 8 مايو/ أيار الجاري بأن القلة القليلة الباقية من أعضاء التجمع يتهرّبون من دفع اشتراكاتهم البالغة عشرة دنانير "بل أنّ هناك من منّ علينا بالدينار". إلى أن يقول "لقد مكر بنا (...) ونتحمّل هذا الألم الآتي من الصديق وليس العدو"، على حد تعبيره.
إنها اعترافات قويّة ما من شك. وكانت ستعد نوعاً من المراجعة الذاتية ومصارحة الذات لو أنها أدت إلى تغيير في السياسات وفرملة اندفاعته لتبرير أخطاء الحكم؛ حتى صار هناك من ينعته "معارضة المعارضة". يقول المحمود "راجعنا أنفسنا وبحثنا وضع التجمع في الانتخابات وتصورنا للمستقبل". لكن ما هو هذا التصوّر؟ وماذا بعد سلسلة الإقرارات باستخدامه وظيفيّاً من قبل نظام الحكم والمكر به؛ وحتى عدم احترامه! لاشيء غير المزيد من الاندكاك في هذا النظام بالذات الذي فعل به كل هذا.
إنها اعترافات عبثيّة تكتفي بجعل سرد الأخطاء "فشة غل" ونوعاً من التنفيس الفضائحي الذي يغدو حكاية على كل لسان. لكن ليس أبعد من ذلك. وحتى حين قرّر المحمود الاستقالة احتجاجاً على موجة النقد التي تحمله مسئولية الوضع البائس الذي انتهى إليه تنظيمه عاد في اليوم التالي ليقول إن "تصريحاته أسيء فهمها".
لقد أكدت تقارير العام الجاري 2015 بأن الملك البحريني قام بوهب تجمع الوحدة الوطنية أرضاً تقدر بمليونين ونصف دينار. وجاء في إعلان نشر في الجريدة الرسمية التي تختص بنشر المراسيم الملكية والقوانين والقرارات والبيانات وتبليغات الحكومة "بتاريخ مايو/ أيار 2013 قام الملك بمنح تجمع الوحدة الوطنية أرضاً استثمارية بمنطقة الساية قيمت من قبل مثمن مستقل بمبلغ 2.4 مليون دينار".
بدلاً من مناقشة ذلك وبحث تأثيراته الخطيرة على استقلال قرار جمعيته التي قُدّمت عند تأسيسها كمارد "له مطالب" راح المحمود ينفي ذلك. وقد صرّح مؤخراً "لم نحصل على أي شيء لا الملايين ولا الأراضي". صدقاً أو كذباً، يواصل تجمع الوحدة الوطنية عرض اعترافاته على الملأ في متوالية من الوصلات لا تكاد تنتهى واحدة حتى تبدأ أخرى. لكنها ليست سوى رواية عن الذات غبية جداً. إنها ليست سوى صدى متأخر لاعترافات يعرفها كل الناس وجرى حفظها جيّداً. إلا أنه مثل أطرش في زفّة: آخر من يعلم.