جعفر المحكوم بـ137 عاماً.. من تهمة اغتيال (أبو زيتون) إلى تهم إرهاب الدولة
2015-05-09 - 4:30 ص
مرآة البحرين (خاص): بلغ مجموع أحكامه حتى الآن 137 عاماً. ليست تلك مزحة. إنها عدد سنوات تعادل مجموع متوسط عمر شخصين اثنين. من هو هذا الإرهابي الخطير الذي تنتظره كل هذه السنوات من الأحكام الأبد أبدية؟ إنه المعتقل جعفر احمد ناصر "31عاما" من قرية مهزة. بقى مطارداً منذ 2011 حتى قبض عليه يوم الاربعاء الماضي 6 مايو 2015.
قضية استهداف وزارة الداخلية لجعفر ليست وليدة أحداث 2011، وتلفيقها الاتهامات الكيدية له ليست جديدة، وتحميله قضايا ارهابية والتشهير به ونزع اعترافات مزيفة منه تحت التهديد كلها أمور عاشها جعفر قبل ذلك، وهي تفاصيل قصّة موثّقة في الإعلام الرسمي البحريني. كيف؟
جعفر وتهمة اغتيال أبوزيتون
في أغسطس 2011 وبينما تعيش البلاد لهيب انتفاضة سياسية في أجواء رمضانية لاهبة بالطقس، نُشر في الصحف الرسمية عن تعرّض مدير تحرير صحيفة الوطن حينها (مهند أبو زيتون) لمحاولة اغتيال من قبل شخصين ملثمين فجراً عند مبنى الصحيفة، أدى إلى جرحه وحرق جزء من سيارته في 26 أغسطس 2010 . كانت صحيفة الوطن المملوكة للديوان الملكي، تمارس دورها الفتنوي والطائفي بتصعيد محموم، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات السياسية. تلقى البحرينيون الخبر بصدمة ومفاجأة من ناحية، وتشكيك من ناحية أخرى. فبالرغم من المواقف القذرة التي تؤديها أذرع السلطة وصحافتها في شق صف الشعب البحريني وزرع الفتن الطائفية، إلا أنه من غير الدارج بأي شكل من الأشكال، الاعتداء الجسدي من قبل مواطن معارض للسلطة على آخر موال لها، مهما بلغ مستوى الاستفزاز أو القذارة التي تصدر من الطرف الآخر.
وفي يوم الاثنين 30 أغسطس 2010 نشرت الصحف المحلية تصريحا لرئيس الأمن العام قال فيه بأن الأجهزة الأمنية تمكنت من إلقاء القبض على الشخصين المتهمين بالاعتداء على مدير تحرير صحيفة الوطن مهند أبوزيتون، وأشار أنهما أقرا ما نسب إليهما من تهمة. كان جعفر أحمد ناصر جمعة أحد المتهمين، يعمل حينها في صحيفة الوسط ويبلغ من العمر (27 عاماً)، والآخر هو علي مهدي رمضان محمد (21 عاماً). صاحب ذلك نشر لصور جعفر وعلي وأسمائهم والتشهير بهم.
وفي يوم الثلاثاء 31 أغسطس 2010 نشرت النيابة العامة تفاصيل ما أسمته اعتراف المتهمين بمحاولة الاغتيال، وقالت إنهما قاما بتمثل كيفية ارتكابهما للحادث في مكان وقوع الجريمة. وكما هي العادة، جاء ذلك مصحوباً بحملة أمنية وإعلامية مع إدانة مسبقة واسعة. صورت البلد وكأنها فريسة للإرهاب. وكان التلفزيون الرسمي والصحف الصفراء أداة النظام في هذا الردح كما هي طريقته أمام أي انتفاضة شعبية تجتاح البلاد. وكالعادة أيضاً وأيضاً، كان الشهود رجال الأمن أو المخابرات والمصادر السرّية. تم تقديم المتهمين بناء على قانون الإرهاب. وصرّح زير الداخلية: محاولة اغتيال مدير تحرير الوطن عمل إرهابي، وذهب البعض إلى اتهام "إيران" بالوقوف وراء محاولة الاغتيال هذه.
الفضيحة كانت في يوم الاثنين 13 ديسمبر 2010 بعد أكثر من 3 أشهر من السجن والتشهير. عندما أفاد أبو زيتون في شهادته في المحكمة، أن المتهمَين الماثلين أمام المحكمة والذَين أدليا باعترافات تفصيلية عن عملية التخطيط والاعتداء عليه ليسا نفس الشخصين اللذين اعتديا عليه، بل أنهما ليسا بنفس مواصفات المتهمين الحقيقيين، ونفى أساسا تعرضه لمحاولة القتل المزعومة، قائلا بأن المتهمَين اللذين اعتديا عليه لم يقصدا قتله وإنما إيذاءه، وهي الشهادة التي أدت لتبرئة جعفر وعلي، لكنها تركت وراءها فضيحة كبرى، أقل ما تكشفه هذه الفضيحة هي آلية عمل السلطة في البحرين لتلفيق التهم للمعارضين، ونشر أسمائهم والتشهير بهم، ونزع اعترافات وهمية منهم تحت التعذيب (وهو ما أكده جعفر وعلي)، واجبارهم على تمثيل هذه الجرائم المفبركه، وحبسهم ومحاكمتهم تحت قانون الارهاب، وهي الطريقة الوحيدة التي تعرفها الأجهزة الأمنية في البحرين وتكررها دون أي ابتكار أو تجديد.
كان جعفر اعتقل عند خروجه في وقت متأخر من عمله في صحيفة الوسط في إحدى ليالي رمضان. تعرض للضرب والتعذيب الجسدي والنفسي أثناء التحقيق، والتهديد بهتك أعراضهما أو أخذ بعض أفراد أسرهما إلى السجن كرهائن. لم يعرفه أهله حين التقوه. "آثار الهروات كانت واضحه على جسمه وبقت ترسم معالمها على جسده لمدة أشهر"، يقول أحد أقاربه. كان أبرز من مارس ضده التعذيب الملازم تركي الماجد، وشخص أخر من أصول يمنية يطلق عليه معمر. لقد خرج جعفر بعد شهادة أبو زيتون وتبرئة المحكمة له، لكن ملاحقته لم تنته، وحكايته مع الجلاد تركي الماجد لم تنته.
جعفر وتهديدات ما بعد 2011
عدد من الاحضاريات التي أرسلت لجعفر ناصر خلال فترة مطاردته |
مع بداية أحداث فبراير 2011، كانت رسائل هاتفية تصل إلى جعفر تهدده بالاعتقال، بعضها من الجلاد تركي الماجد وبعضها من آخرين. تؤكد عائلته أن عدد مرات مداهمة منزله الكائن في قرية مهزة قد بلغت قرابة 100 مداهمة. مع تكسير أبواب المنزل مرات عديدة، واقتحام المنزل من خلال النوافذ مرات. عانت عائلة جعفر من تلك المداهمات، وصار مشهد القوات المدنية الملثّمة وهي تقتحم البيت بلا إذن جزءاً من يومياتها الدرماتيكية، بل كثيراً ما تتفاجأ نساء العائلة برجال أغراب في وسط بيتها وهي بلا ساتر، وبدلاً من أن يعتذر هؤلاء عن انحلال رجولتهم، يصرخن في وجوه النساء: "أنتم يهود".. "أبناء متعة". وأكثر من هذا، لم يتوان الضابط الجلاد تركي الماجد من البصق في وجوه النساء. كما تم ضرب زوجة أخ جعفر غير ذات مرة بسبب وجود الهاتف في يدها وخوفهم من أن تقوم بتصوير وقاحتهم المنحلة.
لدى جعفر شهادة الثانوية العامة، معروف ببساطته وطيب خلقه وتفاؤله أيضاً، لديه أمل أن يثمر الحراك السلمي عن حل سياسي في البحرين. منذ استشعر جعفر النية باعتقاله في 2011 تخفى عن الانظار، فمثله يعرف ماذا يعني الاستهداف، ويعرف ماذا يعني تلفيق التهم الكاذبة وتحصيل الاعترافات الزائفة. لقد عاش جعفر تجربته بنفسه في 2010. 4 سنوات حرم خلالها الالتقاء بأسرته أو الاجتماع بها. كذلك حرمت منه أسرته، وصار حلمها أن تراه وتضمّه. والدته الكبيرة في السن تتحرّق شوقاً لرؤية ابنها الغائب عنها تحتضن صورته وتبكي فقدها له وتدعوا له بالفرج.
يمكن تصنيف جعفر بأنه أحد أهم المطلوبين للسطلة. تم محاصرة جزيرة سترة أكثر من 5 مرات بهدف اعتقاله. تحتفظ عائلته بأكثر من 20 احضارية وصلتها تطلب استدعائه للشرطة. الأحكام التي صدرت غيابياً في حقه والتي بلغت 137 عاماً، تتوزع على مجموعة من التهم، بينها اتهامه بالمشاركة في خلية ارهابية والهجوم على مركز سترة.
المفرج عنهم من قرية مهزة، يخبرون عائلة جعفر بتكرار اسم جعفر في مكاتب التحقيقات، يُسأل عنه كل من يعتقل من جزيرة سترة، ويطلب من المعتقلين تحت التعذيب الاعتراف بارتكاب جعفر جرائم كاذبة.
اعتقل جعفر في ظروف ما زالت غامضة. اتصل في عائلته بعد ساعات. قال بصوت منخفض: أنا بخير. انتهى.