مثقفون سعوديون يُؤَذِّنون للحرب
2015-04-23 - 4:57 م
مرآة البحرين (خاص): ظلّ المضمون الديني باستمرار وسيلة لتبرير الحروب والغزوات الخارجية: من كريستوفر كولومبوس إلى نابوليون بونابرت إلى جورج دبليو بوش. فهل يملك المثقفون السعوديون الذين أيدوا حرب بلادهم على اليمن شيئاً آخر؟
لقد تلقى الروائي السعودي أحمد أبو دهمان تعليماً علمانياً منفتحاً في باريس، ورافق على مدى عقد ونصف المفكر الجزائري محمد أركون صاحب مشروع "التطبيقات الإسلامية" لنقد العقل الإسلامي. وقد أكسبه ذلك مناعة ضد الاستخدامات المتطرفة للدين التي ظل ينقدها باستمرار في خلال لقاءاته.
وفي روايته الشهيرة "الحزام" التي كتبها باللغة الفرنسية التي يتقنها بطلاقة، يصور أبو دهمان بلغة رومانسية أقرب إلى الشعر، الحياة المنفتحة في المناطق الجنوبية المحاذية لليمن والتي تتحدر منها عائلته "آل خلف".
وحول ذلك يقول في "سيمينار" خاص أجري معه في المنامة العام 2004 بأن دراسته العليا أتاحت له اكتشاف الثراء الثقافي الجمّ في بلاده وكيفيّة تجاور - على أرضها - عشرات الثقافات والأديان. ثم راح يعبّر عن أساه الشديد "لأن عائلة آل سعود ألغت جميع المشروعيّات الثقافية في شبه الجزيرة العربية وثبّتت مشروعية واحدة مكانها، هي المشروعية الوهابية".
لكن حين أعلنت بلاده إطلاق حملة "عاصفة الحزم" على اليمن كان أول تعليق يلقم به صفحته على "تويتر" هو نشر صورة تحوي سيفاً وعبارة "لا إله إلا الله" - في إشارة إلى علم بلاده - مع تعليق يقول "أيقظني وطني".
وعاد بعد أيّام في حموة سريان المشاعر الغريبة المنتشية التي صوّرت الحرب - على الطريقة الاستشراقية - بأنها لحظة استفاقة قومية ووعد بالتحرير، ليجترّ المزيد من المشاعر الوطنيّة البدائية الزائفة الملحقة بالتصاوير والشارات الدينية. فقد قام بنشر صورة أخرى تظهر جنوداً سعوديين في وضعية السجود لحظة أدائهم الصلاة بالبزة العسكرية. ثم علق على الصورة قائلاً "معنى أن تكون على الجبهة".
لطالما استخدمت لغة التقديس والرموز والتعبيرات الدينية كأداة في الحروب. فأثناء حملته على مصر 1798 ابتدأ نابليون بونابرت إذاعة أول منشور له إلى أهالي مصر بنطق الشهادتين. وعندما أدرك الرئيس العراقي السابق صدام حسين أن أمريكا تريد الإطاحة به ونظامه قام بنقش عبارة "لا إله إلا الله" على العلم العراقي بدمه. وهكذا فعل جورج بوش الابن بإطلاقه عبارة "الحرب الصليبية" على حربه في العراق 2003.
ويقول الدكتور السعودي عبدالله الغذامي، أستاذ النقد والنظرية في جامعة الملك سعود "عندما يقال إن بوش لم يقصد سوى المعنى اللغوي المتداول حالياً بمعنى حملة قوية مثلاً؛ فذلك صحيح ولكن النسق المضمر كان هناك". أين؟ يجيب الغذامي "في النسق المضمر المختبئ في دواخلنا وفي إرثنا الثقافي".
لكن كيف استقبل الغذامي نفسه حرب بلاده على اليمن؟ بأسلحة "بوش" المضمرة ذاتها. دققوا جيداً في هذه العبارات: "سدد الله أياد اتخذت القرار"، "سدد الله ضربتكم لوحوش الظلام"، "سدد الله ضربتكم يا رجال الحزم". هذا هو نوع "الترسانة اللغوية" التي وظفها الغذامي طيلة أيام الحرب على اليمن.
المداورة على اسم "الله" هي حيلة المفكر الحداثي الذي سبق له الإعلان عن موت النقد الأدبي وتبني النقد الثقافي المختص بفضح الأنساق المخفية.
ويقول في هذا الإطار "تحية لمن استجاب لنداء اليمنيين وعصف الأجواء في اليمن السعيد رده الله سعيداً مستقلاً". كما يضيف في سياق امتداح أحد "التأصيلات" الدينية التي انبرى لتثميرها رجال الدين السعوديون لإعطاء مشروعية دينية للحرب "شاهدت اليوم لقاء الشيخ سلمان العودة حول عاصفة الحزم. وهو لقاء مهم وعاقل وتأصيلي"، وفق تعبيره.
لقد سبق للشاعر السوري أدونيس أن أطلق وصفاً قاسياً على الغذامي فقال "أحس أنني أمام إمام جامع وليس ناقداً". لكن إذا كان الغذامي "إمام جامع" فما حال ليبراليي بلاده الذين ينعتهم بالليبراليين "الموشومين" لتناولهم الليبرالية بشكل خاطيء.
لقد أسس عثمان العمير المقيم في لندن موقع "إيلاف" الإلكتروني الذي شكل منذ العام 2003 منصة الانطلاق لـ"مانيفستوهات" الليبرالية الجديدة. لقد دافع بقوة عن غزو العراق واحتضن موقعه أهم حواريات الليبراليين الجدد دفاعاً عن التدخل الأميركي للإطاحة بنظام صدام. لكن رهانات العمير القديمة قد تغيّرت في اليمن. فما هي الرهانات الجديدة: الدولة الدينية أم المسلمون أم الإخوان المسلمون؟ الإجابة هي كل ذلك ما دام يمكن جمعهم في الخلطة السحرية السعودية العجيبة لتحرير اليمن.
ويقول تعليقاً على قصف اليمن إنها "عاصفة الحزم، لا بمفهوم القبلية والمذهبية المهترئين، بل بمفهوم الدولة الدينية، الباكستان وتركيا كمثالين".
ويضيف في سياق آخر "غير طبيعي أن يخسر بلد (...) في مقدمته سلمان (بن عبدالعزيز) والمسلمون في الخلف".
وضمن إحداثيات حرب "سلمان والمسلمين" - على من؟ - فإنه "لا وقت لتصفية الخصومات". ويقول "لا مع الإخوان ولا غيرهم ممن اختاروا الوقوف مع الحزم. مرحبا بهم المعركة واحدة والعدو واحد"، على حد تعبيره.
ويعطي الأكاديمي السعودي تركي الحمد مثالاً آخر على مستوى الحضيض الذي بلغته الليبرالية السعودية. لقد زج به في السجن ستة أشهر العام 2013 بسبب انتقادات وجهها على موقع "تويتر" للقراءات المتطرفة إلى "رسالة المحبة" التي نقلها النبي محمد، داعياً إلى "تصحيح العقيدة". بدلاً من أن يشعر بالأسى لحاله والحال التي وصلت لها بلاده، حيث يقبع الآلاف في السجون بسبب آرائهم أو مواقفهم ضد التطرف كما يتم جلد بعضهم استناداً لقراءة مختلفة للآيات والأحاديث، فهو يكرّس نفسه للدفاع عن سياساتها العقيمة.
ويقول تعليقاً على حملتها العسكرية في اليمن "لأول مرة أشعر بالفخر والأمل وأننا في النهاية لسنا مجرد ظاهرة صوتية". ويضيف "الحق هو المنتصر في النهاية، وكأني أرى سقوط ملالي الأساطير في كل مكان". لكن ملالي الأساطير الذين يريد لهم الحمد السقوط في اليمن ينتعشون بقوة في بلاده. وإلا فليجد له دار سينما قريبة!