محمد نجم: من الأكثر تمثيلا إلى الأكثر تطبيلا
محمد نجم - 2015-04-19 - 4:21 م
محمد نجم*
قلبت وزارة العمل في البحرين ظهر المجن كما يقال لاتحاد عمال البحرين وأسفرت عن وجه الحكومة القبيح الكالح بتنصيب اتحادها الألعوبة ممثلا لعمال البحرين في مؤتمر العمل العربي الدولي المنعقد في الكويت في إبريل الجاري متنكرة لكل ما تعهدت به من احترام القوانين الدولية التي تنص على أولوية النقابة ذات التمثيل الأكبر ومستفيدة من تعديل قانون النقابات في عام 2011 والذي خول الوزير باختيار الاتحاد الذي يراه لتمثيل العمال دوليا بعد أن كان التعديل السابق في 2006 ينص على أن يكون الاتحاد الممثل هو الذي له تمثيل عمالي أكبر.
ويرى مراقبون أن هدف هذا التنصيب هو ضمان تصويت ممثل العمال للشخص الذي سترشحه الحكومة من بين عدد من المرشحين ليكون مدير منظمة العمل العربي بعد نهاية ولاية المدير الحالي اليمـَـني أحمد لقمان في هذا المؤتمر المنعقد بالكويت هذه الأيام.
وإذا كانت المشكلات لا تأتي فرادى كما يقول (قانون مورفي) الشهير فلماذا لا تتكالب كل السهام على جسد اتحاد عمال البحرين من دعوة صحيفة أخبار الخليج لدمج احتفالي أول مايو ومسيرته بين الاتحادين "الحر" و "العام" بفرمان حكومي، وتنصل الحكومة من مسئوليتها تجاه قائمة 1912 والتي كان اتحاد عمال البحرين قد قبل إفرادهم عن قائمة مفصولي الأحداث أملا في حل منفصل لقضيتهن لتأتي الحكومة في وزاراتها وشركة بتلكو بفصل كل الذين انتهت عقودهن مع نهاية 2014 ثم لتمدد عقود بعضهن ثلاثة شهور إضافية معطية هذا "السخاء الحاتمي" رصيدا لبعض النائبات في البرلمان اللاتي أشدن بالتمديد وكأنه توظيف دائم !!! قام به المجلس الأعلى للمرأة الذي فشل في تحمل مسئوليته الأخلاقية والمهنية تجاه فصل المئات من هؤلاء النسوة دون وجه حق بعد أن قضين شبابهن من 2008 حتى اليوم في عملهن بالوزارات وبتلكو ليفاجأن اليوم بأن وزارة العمل تشترط عليهن وجود مؤهلات تناسب وظائفهن وإلا فالاستغناء مصيرهن أو التوظيف في وظائف لا ترتقي لخبراتهن وشهاداتهن الجامعية.
وعلى صعيد النقابات يحتدم الصراع المؤسف داخل نقابة بتلكو بين رئيسها وبين رئيس المكتب العمالي، سيدمر هذا الصراع نقابة بتلكو التي ليس لها ناقة ولا جمل في صراع شخصي داخلي كان يجب أن يربأ أصحابه بأنفسهم عنه بدل أن تستخدم فيه الأسلحة المحرمة مدنيا وسياسيا ونقابيا ومهنيا بما فيها سلاح التهديد بسحب النقابة من الاتحاد العمالي ووقف سداد اشتراكات الاتحاد.
وبدل أن يكون الاجتماع الأخير لعمومية نقابة بتلكو بنادي الشركة فرصة لتضميد الجراح بين النقابة واتحاد عمال البحرين فقد كان للأسف اجتماعا تبدى فيه الصراع بينها وبين الاتحاد والذي ظاهره الخلاف مع الاتحاد على تفسير النصوص التي تبيح للرئيس وزملائه البقاء بإدارة النقابة رغم تقاعدهم من العمل، وباطنه للأسف هو التنازع على زمام المكتب العمالي.
ولا تبدو إدارة شركة بتلكو محايدة في هذا النزاع فقد تمكنت من استخراج فتوى غريبة من وزارة العمل تنص على صحة تفاوض الشركة مع مجلس إدارة نقابة نصفه على الأقل متقاعدين من العمل برغم أن قانون النقابات يشترط بكل وضوح و بساطة أن يكون عضو النقابة على رأس عمله في المنشأة !!.
ويعلق أحد الخبثاء المخضرمين في نقابة بتلكو على هذه الفتوى قائلا "هل وصلنا إلى تآمر بين جهات تبدو كلا منها في واد وهي الحكومة والشركة وجمعية معارضة على إدامة عمر مجلس نقابي لا يمتلك صفة شرعية لبقائه كون أعضائه متقاعدين؟" ولكن تلك هي البحرين التي يحدث فيها من العجائب ما لا يحدث في سواها.
أمام هذه الاستحقاقات لا يبدو اتحاد عمال البحرين اليوم في حالة مثلى بل في وضع لا يحسد عليه بفعل صراعات داخل الجمعية التي تشكل الجزء الأكبر من نسيجه وسط تخل تدريجي من الحكومة عن التزاماتها في الاتفاقية التي وقعت مع الاتحاد في إبريل 2014 والتي تنص على إرجاع كل المفصولين ودفع التأمين عنهم مع رواتبهم وإعطاء تأشيرات لوفود الاتحاد.
ورغم ما يبدو ظاهرا من أن الوزير بإعطائه حق التمثيل للاتحاد الآخر في هذا المؤتمر يعني أنه سوف يعطي اتحاد العمال الأصلي حق التمثيل في مؤتمر منظمة العمل الدولية القادم في مايو 2015 أخذا بمبدأ التناوب كما يقول الوزير وكما طالب به الاتحاد الحر إلا أن الحقيقة هي أن هذا التنصيب بدون وجه حق هو استخدام من الوزير لحقه وفق التعديل القانوني السيء الذي يخوله حصريا بتسمية من يريد وهو بمثابة سيف مسلط على أي اتحاد بما في ذلك الاتحاد الحر حتى ولو كان في ظاهره اتحادا مواليا في إعطائه أو سلبه حق التمثيل بناء على المواقف التي يتخذها.
وسوف نخطيء القراءة إذا ما ظننا أن الحكومة تريد فعلا إعطاء الاتحاد الحر مكانة أكبر مع أنه صنيعتها إذ أن ما تريده الحكومة هو اتحاد مأمور ولذلك يجب أن يكون ضعيفا فحتى مع واقع الموالاة قد يتمرد الاتحاد الحر هنا أو هناك فيكون تأديبه لازما.
وما يدل على ذلك أنه وفور رفض الاتحاد الحر في بيان له لفصل الأمين المساعد لمجلس النواب محمد غريب حركت الحكومة عناصرها لخلق هزة عقد على إثرها مؤتمر استثنائي تم عبره طرد خليل زينل رئيس نقابة المصرفيين وتقليل نسبة الشيعة من أربعة إلى واحد فقط في المكتب التنفيذي للاتحاد الحر من خلال تقليل عدد ممثلي نقابة ألبا في المكتب، وعلى إثره أصبحت نقابة ألبا التي يرأسها علي البنعلي تصدر بيانات مستقلة في الشأن العمالي العام وكأنها هي الاتحاد وليست نقابة خاصة بمنشأة معينة بينما يواصل خليل زينل رئيس نقابة المصرفيين والعضو السابق لمكتب الاتحاد الحر إصدار بيانات تندد بزملائه مهددا بكشف مزيد من فضائح استغلال النفوذ وتضارب المصالح.
وما يفاقم الوضع النقابي سوءا هو بروز ظاهرة تمسك المتقاعدين بمراكزهم النقابية في مؤشر يذكرنا بالنقابات العربية التي يدير نقابيوها أمور نقاباتهم من سرير العجزة فعلى خلفية تمسك المتقاعدين بمناصبهم النقابية اليوم يحدث الصراع بين خليل زينل ورفاقه بالاتحاد الحر وبين هادي الموسوي ورفاقه في الاتحاد العمالي العام.
هكذا نبدو مقبلين على مشهد تنتهي فيه شيئا فشيئا الحركة النقابية المستقلة سواء المحسوبة على المعارضة أم المحسوبة على الموالاة وتتسيد الحكومة المشهد النقابي تماما وتحكم سيطرتها على مفاصله بعد أن أجهزت على كل مفاصل المجتمع المدني وهمشت كل منظماته الحقوقية والمهنية المنشقة سواء الأطباء أو المحامين أو الممرضين والمعلمين بالتدخل تارة والترهيب تارة والترغيب أخرى فنصبح في واقع مرعب لا صوت يعلو فيه على صوت واحد فقط هو الصوت الحكومي وحده لا شريك له.
*كاتب بحريني.