» تقارير
سيخٌ في رأس زهرة صالح: من سيوف الكراهية إلى أسياخ الداخلية
2011-11-21 - 8:45 ص
مرآة البحرين (خاص): لم يصدق الناس، صورة السيخ الساكن بصلافة موجعة، في رأس فتاة الديه زهرة صالح محمد (27 عاماً). وكأن الصورة أقرب إلى مشهد فيلمي، لا حقيقي. لم يتخيل البحرينيون أن يروا مثل هذا المشهد حقيقة، فكيف يرونه في رأس واحدة من بناتهم. 6 بوصات في عمق الرأس؟! أي سيخ حديدي هذا الذي يمكن أن يخترق الرأس مثل رمح أهوج؟ هل تريد وزارة الداخلية أن تجعلنا نصدق أن هذا السيخ الواقف بعنجهية مرعبة في رأس (زهرة)، هو سيخ طائش من فعل المحتجين؟
المتحدث باسم وزارة الداخلية يقول عن حادث الديه الذي وقع في يوم الجمعة، 18 نوفمبر 2011، أن (خارجون على القانون) قاموا بقذف (قوات حفظ النظام) في الديه بأسياخ الحديد والحجارة، وأنه قد صادف مرور عائدة من عملها بالقرب من المنطقة، "وإذ لم تتمكن السيارة التابعة إلى المؤسسة التي تعمل بها من الوصول إلى المنطقة بسبب غلق الشوارع والأحداث الواقعة فيها، ما اضطرها إلى النزول والسير باتجاه منزلها، وكانت هناك مجموعات من (مثيري الشغب والتخريب) تقوم باستفزاز رجال الأمن والاعتداء على الدوريات، ما أدى إلى إصابتها بسيخ حديد في مقدمة الرأس، قذفه أحد (المخربين) المشاركين في أعمال الشغب".
استقامة السيخ
هل تريد وزارة الكذب والفبركات أن تقنعنا أن سيخ حديدي لديه كل هذه القدرة على الاختراق أثر رمية بعيدة غير موجهة، وأن هذه الرمية ستتجاوز صفوف مرتزقة الأمن وسياراتهم التي تملأ فضاء المكان، لتسكن في رأس زهرة بالذات؟ زهرة التي لم تكن واقفة في المكان، بل كانت عابرة نحو بيتها حسب رواية الداخلية. وأن رمي السيخ الحديدي بدلاً من أن يسقط (في حال رميه) من أعلى فإنه سيتوجه مباشرة وبشكل مستقيم إلى جبهتها؟ كيف تتوقع الداخلية منا أن نصدق فبركة بهذا المستوى من الركاكة.
الداخلية التي يقف مصوروها عند كل مواجهة بكاميراتهم يلتقطون تفاصيل المواجهات كاملة، لماذا لم يتمكنوا من التقاط صورة تدين المحتجين الذين تزعم أنهم هم من قاموا برمي الأمن بالأسياخ؟ في كل مشاهد الفيديو نرى مصوري الأمن يقفون في الصف الأمامي ويقومون بتصوير فيديو كامل للمواجهات، لماذا لا تنشر الداخلية هذه الأفلام لتكشف حقيقة المواجهات؟ لماذا لم نر غير فيديو رجال الأمن وهم يلوحون بالأسياخ ويقذفونها على المحتجين؟ (1)، (2)، (3). لماذا لم تلتقط عدسات كاميرات الأمن الحاضرة دوماً صورة زهرة وهي تقع مضرجة بالسيخ الذي رماه بها المحتجين على حد زعمهم؟
حتى الآن، لم نسمع شهادة تروي ما حدث من جانب المحتجين الذين كانوا حاضرين في المواجهات، لم يرَ أحد حتى الآن مشاهدته لما حدث لزهرة، الصورة الأولى لزهرة وهي ترقد في المستشفى بوضعها المرعب وضعتها الداخلية، لم تُلتقط صورة لزهرة قبل ذلك، أي عندما كانت واقعة على الأرض، وهو ما لا يفوت شباب الثورة عادة أن يوثقوه بكاميراتهم المتأهبة دوماً. الغريب الآخر أن الرواية الأولى أعلنتها الداخلية لا المحتجين، ما يعني أن ما حدث لم يكن أمام واجهة الناس، بل في مكان معزول بعيد عن أعين المحتجين وبوجود مرتزقة الأمن فقط، ما يؤكد أن مرتزقة رجال الأمن هم المتورطون في الجريمة البشعة. إذ لا يمكن لعاقل أن يشك أن اقتحام السيخ لرأس الفتاة بكل هذا العمق، إلا بغرز وحشي مباشر بمواجهة مباشرة.
فتيات يواجهن أسياخ الحديد
شاهدة من منطقة الديه كانت في موقع الحدث مع المحتجين، تخبر مرآة البحرين " كنا في مواجهة مع قوات المرتزقة حين تمت مهاجمتنا بمسيلات الدموع وطلقات المطاط، اختبأنا في بناية قريبة، كان الطلق كثيفا جداً وسمعنا من بعضهم أن فتاة قد أصيبت، لم يتمكن أحد من الخروج بسبب كثافة الطلق، بقينا مختبئين مدة قبل أن نخرج، لم نجد الفتاة، فقط رأينا بقعة دم على الأرض. كان قد تم نقل الفتاة". أي أن ما تعرضت له زهرة كان في محضر رجال الأمن وحدهم، وفي غياب من المحتجين الذين كانوا يختبؤون في بناية قريبة.
هل كان ما حدث مع زهرة شيء من مثل هذا؟ محاولة للتخلص منها انتهت بغرز السيخ بشكل غير متوقع؟
الأمر الآخر الذي يكشف أن الداخلية هي التي كانت وراء الحادث لا المحتجين، أنها وحدها من انفرد بنشر الخبر. ففي الساعة 5:22 مساء، وضعت الداخلية على صفحتها في تويتر "تعرض سيدة بحرينية لإصابة بليغة في الرأس إثر قيام مجموعة من المخربين بإلقاء الأسياخ الحديدية في منطقة الديه وتم نقلها للمستشفى لتلقي العلاج". وفي حركة استباقية غير معتادة، شحذت الداخلية بلطجيتها من مجهولي الاسم والهوية، ليغرقوا تويتر على الفور بالخبر والاستنكار بشكل غير مسبوق ضد من أسمتهم بالمخربين، وتحميل جمعية الوفاق مسؤولية ما حصل، بل وصل بعضهم للتباكي أن على العقلاء أن ينصحوا المحتجين ويمنعوهم عن استعمال العنف والأسياخ والحجارة. كما كان ملفتاً أن هذه التغريدات كانت ترسل مباشرة إلى صفحات بعض الإعلاميين والصحفيين والناشطين السياسيين المحليين تحديداً، بكثافة وبشكل ملفت للنظر، مما أوضح كونها حركة استباقية لغلق الطريق أمام أي رواية تحمل المرتزقة مسؤولية ما حدث.
ما يؤكد أكثر أن الداخلية هي من وراء الحادث، الصورة التي نشرتها في صفحتها على تويتر بعد ذلك في الساعة 9:16 مساء، وضعت الصورة بعد أن حشدت لكذبتها التي ساقتها للجماهير، تظهر فيها الضحية زهرة وهي ترقد في غيبوبة، وفي حالة خطرة، فيما تم تعصيب جبهتها حتى عيناها، وكان المفجع في الصورة هو منظر السيخ الذي لم يتمكن الأطباء من نزعه أو التعامل معه، فبقي واقفاً بكل قسوة، ليخبر عن بشاعة الجاني الفاقد لكل معنى إنساني.
وفيما يبدو أنه تغيير لمنهجية تعامل الداخلية مع الإصابات التي توقعها في صفوف المحتجين، كانت الحركة الاستباقية التي تعاملت بها مع حادثة فتاة الديه، هي نفسها التي استخدمتها مع الشهيد طفل سترة علي بداح (16 عاما). بادرت الداخلية كغير عادتها على الاعتراف بدهسه بعد إرجاع السبب إلى سكب الزيت من قبل من أسمتهم بالمخربين، وهنا يظهر لنا تغيير المنهجية التي تعودت الداخلية استخدامها سابقاً، حيث كانت تقوم بنفي الخبر، ثم بعد فضحه تفبرك روايتها التي تبرئ مرتزقتها، أو تعلن كالعادة فتح تحقيق في الحادث. لكنها هذه المرة أبدلت آليتها، بآلية "خذوهم بالصوت" وبالاستباق المفبرك أولاً.
صورة الفتيات الثلاث
لا تزال زهرة في وضعها الحرج والمريع، والداخلية الباردة المشاعر، بل عديمتها، تأت لتستخف بعقول الناس أكثر، فتخبرنا عن زهرة التي ترقد في وحدة العناية القصوى الآن بحالة خطرة، أنها "وصلت إلى المستشفى وقطعة الحديد في رأسها"، وأنه لدى سؤالها عن الحادثة أفادت أنها فوجئت بـ ضربة قوية في الرأس من جهة المتظاهرين، وقعت على أثرها على الأرض، ثم تبين لها أن قطعة حديدية (سيخ) أصابتها في رأسها. لا نعرف حجم الاستخفاف الذي تتعامل معنا به وزارة الكذب والفبركات، حين تخبرنا أن فتاة مصابة بسيخ حديدي غليظ، يخترق جمجمتها بعمق 6 بوصات، كيف يمكنها أن تتكلم، فضلاً عن أن تشرح، فضلاً عن أن تشكر تعاون رجال الأمن معها.
وبقى، أن الوصول إلى زهرة، لا يزال يحاط بكثير من الترهيب والغموض، إذ تتم مساءلة كل من يحاول زيارتها أو الوصول إليها من قبل رجال أمن مدنيين منتشرين في المستشفى. الحقوقي يوسف المحافظة نقل على صفحته في تويتر ما تعرض له من مساءلة عند محاولته زيارتها، فيما تبقى حالة زهرة الصحية وتطورها محاطة بتكتم رسمي، ولا يستطيع أحد الوصول إليها حتى الآن.
هوامش: