» تقارير
مخالفات اللجنة الملكية لتقصي الحقائق: خمس مخالفات قاتلة لمعايير مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان
2011-11-14 - 12:11 م
مرآة البحرين (خاص): رصدت (مرآة البحرين) خمس مخالفات قاتلة من قبل (اللجنة الملكية لتقصي الحقائق) لمعايير مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
وقد رصدت (مرآة البحرين) هذه المخالفات من خلال تقييم أولي لطريقة إنشاء هذه اللجنة وكيفية ممارسة أعمالها، وقد استعانت في تقييمها بآراء منظمات حقوقية وشخصيات حقوقية مرموقة، وتشمل المخالفات التالي: إنشاء اللجنة بإرادة منفردة دون مبدأ التشاور الوطني، الخلل في طريقة اختيار أعضاء اللجنة، تهميش دور المنظمات غير الحكومية الوطنية، الالتفاف على دور الأمم المتحدة والجهات الفاعلة الدولية الأخرى، الخلل في الممارسة، والحرفية والحياد.
أولاً: إنشاء اللجنة بإرادة منفردة ودون مبدأ التشاور الوطني
ينص المنشور المتعلق بلجان الحقيقة الصادر عن "مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان" على أن الاختيار الوطني هو من المباديء الأساسية لإنشاء لجنة حقيقة في أي بلد. ويؤكد على أنه ".. يجب دائماً أن يتخذ المواطنون قرار إنشاء مثل هذه اللجنة، وينبغي أن يستند هذا القرار إلى عملية تشاور واسعة وخاصة لالتماس آراء الضحايا والباقين على قيد الحياة وتوضيح وظائف لجنة الحقيقة ونقاط قوتها والحدود التي تقيد عملها" (صفحة 5) . وتحت عنوان "التشاور" في إنشاء لجنة الحقيقة تقول المفوضية بأنه: "وينبغي أن تشمل المشاورات صراحة مجموعات الضحايا ومنظمات المجتمع المدني وأن تسمح بفترة لتقديم المدخلات الهامة للولاية الأساسة للجنة، إلى جانب التعليقات بشأن بنود محددة في مشروع اختصاصاتها عند صياغة هذه الاختصاصات" (صفحة 7).
والحال بالنسبة لإنشاء "اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق" أنه لم تتم أية مشاورات من أي نوع لا مع الضحايا ولا مع منظمات المجتمع المدني سواء في قرار إنشاء هذه اللجنة أو في وظائفها أو ولايتها أو اختصاصاتها وإنما كان ذلك بإرادة منفردة من قبل الملك دون أن يكون للمواطنين أي دور يذكر في ذلك. وهكذا تم الإخلال بمبدأ أساسي في إنشاء اللجنة، فهي بذلك لا تعبر عن الإرادة الوطنية، وإنما تعبر عن إرادة شخص الملك، وينطبق عليها تماماً الاسم الذي تم تداوله من قبل وسائل الإعلام الرسمية وهو: "اللجنة الملكية لتقصي الحقائق" قبل أن يتم تغييره مؤخراً من غير ضجة إعلامية، ليصبح اسمها (اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق).
ثانياً: الخلل في طريقة اختيار أعضاء اللجنة
ينص المنشور الصادر عن "مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان" على أن: "والمثالي أن يكون هؤلاء الأعضاء أشخاصاً يتمتعون باحترام واسع في المجتمع.. واختارت بعض البلدان أن تضم أعضاء دوليين، ويستند قرار من هذا القبيل إلى عدد من العوامل والاتجاهات المحلية وينبغي أن يتخذه المواطنون في نهاية الأمر" (صفحة 13). ويوضح المنشور الصادر عن المفوضية نماذج لاختيار الأعضاء الدوليين "ففي سيراليون طُلب من مفوضية حقوق الإنسان أن تشير بأسماء ثلاثة أعضاء وبعد ذلك قام فريق الاختيار الوطني بالتعليق عليهم... وفي أماكن أخرى، ومنها هاييتي والسلفادور وغواتيمالا، تم تعيين الأعضاء الدوليين بدون عملية تشاورية صحيحة وجاء الكثير من الأسماء أصلاً من الأمانة العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وينبغي إيلاء الاهتمام الدقيق لتحسين بعض هذه الممارسات السابقة بما يسمح بظهور مرشحين أقوياء مع كفالة المشاركة الكاملة والمستنيرة من جانب الجهات الفاعلة الوطنية في الاختيار النهائي". (صفحة 14 هامش 12).
أما ما تم فعلاً بالنسبة لإنشاء لجنة تقصي الحقائق في البحرين فقد تم تعيين أعضائها بإرادة منفردة من قبل الملك، ولم يتم "كفالة المشاركة من الجهات الفاعلة الوطنية في الاختيار" (صفحة 14 هامش 12)، كما لم يتم تحديد آلية شفافة ومحايدة في اختيار الأعضاء الدوليين الذين تشكلت منهم اللجنة. بل حتى عندما احتج ممثلون عن بعض مؤسسات المجتمع المدني بأن إحدى الشخصيات هي من دولة مجاورة وكان لها موقف غير محايد من الأحداث قيد التحقيق – حيث دافعت عن دخول القوات السعودية للبحرين – فإن القائمين على اللجنة لم يعطوا أي اعتبار لذلك الاحتجاج. وفي حين تضم اللجنة البحرينية أسماء دولية مهمة مثل د. نايجل رودلي الذي يعرفه ويثق به المدافعون عن حقوق الإنسان في البحرين، فإن ذلك لا يجبر الخلل في آلية اختيار أعضاء اللجنة وفقاً للمعايير والتجارب الدولية حيث جاءت بدون عملية تشاورية صحيحة تكراراً لما حدث في هاييتي والسلفادور وغواتيمالا.. ولا يشفع للأعضاء بأنهم من ذوي المناصب الدولية، حيث من المعلوم بأن التعيين في المناصب الدولية يأتي بقرارات سياسية من الحكومات، وليس كل من يشغل تلك المناصب يتمتع بالضرورة بالحياد أو الكفاءة.
ثالثاً: تهميش دور المنظمات غير الحكومية الوطنية
بالرغم من أن اللجنة البحرينية لتقضي الحقائق قد استفادت من المنظمات غير الحكومية الوطنية كمصدر للمعلومات أو للوصول إلى المتضررين، إلا أن هذه المنظمات – كما سبق ذكره – لم يكن لها الدور المطلوب في تشكيل اللجنة وتحديد اختصاصاتها حيث لم يتم التشاور معها. كما أن هذه المنظمات لم تأخذ الدور المطلوب في أعمال لجنة التقصي، ولا يتوقع أن يتاح لها أن تقوم بالدور المطلوب في مرحلة متابعة تنفيذ توصيات اللجنة.
في حين ينص المنشور الصادر عن مفوضية الأمم المتحدة بأن "المنظمات غير الحكومية الوطنية تحتل مكاناً رئيسياً في أعمال لجان الحقيقة. والواقع أن أقوى اللجان كانت اللجان التي تعمل في سياق مجتمع مدني قوي ونشط. وينبغي أن تظل المنظمات غير الحكومية مستقلة معظم الوقت عن اللجنة حتى عندما تساعدها بالمعلومات أو الاتصالات أو الخبرات الفنية. ومن المهم أن تقوم هذه المنظمات برصد أنشطة اللجنة وأن تقدم لها تعليقات مخلصة وأن تدفع اللجنة إلى الاستجابة على النحو الملائم لاحتياجات الضحايا والمجتمعات"(صفحة 33) .. "يجب أن تأمل اللجنة في مشاركة منظمات المجتمع المدني لها في مرحلة المتابعة، نظر لأن اللجنة تقدم تقريرها النهائي ثم يتم حلها رسمياً، ولذلك يجب أن يضطلع الآخرون بمهمة تنفيذ توصياتها" (صفحة 31).
رابعاً: الالتفاف على دور الأمم المتحدة والجهات الفاعلة الدولية الأخرى
جاء قرار ملك البحرين بتشكيل لجنة تقصي الحقائق لإقناع الأمم المتحدة بالتخلي عن – أو تأجيل – قرارا كان سيصدر عنها بتشكيل لجنة تقصي حقائق خاصة بأحداث البحرين. ورغم أن أعضاء اللجنة الذين عينهم الملك هم من الشخصيات الدولية إلا أنه لم يتم التشاور مع الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية غير الحكومية ذات الخبرة سواء في تعيين أعضاء اللجنة أو في تقديم المساعدة لها بشكل ميداني مباشر أو في التشاور معها.
وفي حين يتضمن المنشور الصادر عن مفوضية الأمم المتحدة بأن: "حماس موظفي الأمم المتحدة وخبرتهم لا ينبغي أن يقتلعا دور المنظمات غير الحكومية الوطنية أو غيرها من الجهات الفاعلة المحلية" (صفحة 35) فإن المنشور نفسه يقرر بأن "الأمم المتحدة تؤدي، وخاصة مفوضية حقوق الإنسان، والحكومات الأجنبية ذات النفوذ في البلاد، دوراً هاماً في رصد امتثال الحكومة لولاية لجنة الحقيقة.. ومع اقتراب اللجنة من نهاية أعمالها يمكن أن يكون الضغط من الجهات الدولية عاملاً حاسماً في إبقاء توصياتها على جدول الأعمال ومتابعة تنفيذها بنشاط" (صفحة 35) ومن الواضح حتى الآن بأن اللجنة البحرينية للتقصي لم تعط دوراً حقيقياً للمنظمات الدولية غير الحكومية سواء تلك التي قامت برصد وتوثيق الأحداث التي تدخل ضمن اختصاص لجنة التقصي، أو المنظمات ذات الخبرة في الحقيقة وتقصّيها. في حين يضع منشور مفوضية حقوق الإنسان قائمة من المساهمات التي يمكن أن تقدمها تلك المنظمات التي قالت عنها المفوضية إنها كانت "مصدر مساعدة أيصاً لكثير من لجان الحقيقة في الماضي". (صفحة 35) وقد تضمنت تلك المساهمات وفقاً للمفوضية: "تصدر المنظمات الدولية للمناصرة والرصد أحياناً تقارير هامة أثناء عمل اللجنة لتقييم إنجازاتها أو نقد أي جوانب في السياسة العامة قد تتعارض مع المعايير الدولية، وخاصة في صدد مراعاة الأصول القانونية أو في صدد القرارات التي قد تؤثر على العدالة الجنائية في تاريخ لاحق".(صفحة 36) وهذه مهمة يمكن أن تقوم بها المنظمات الدولية غير الحكومية المعنية بالبحرين في جميع الأحوال.
خامساً: الخلل في الممارسة والحرفية والحياد
بالرغم من أن هذا التقرير ليس مخصصاً لتقييم أعمال "اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق" وخصوصاً باعتبار أن تقريرها النهائي لم يصدر بعد، إلا أن هناك مؤشرات خطيرة تتعلق بذلك من ضمنها:
• أعلن رئيس اللجنة مبكراً في تصريح صحفي بأنه لا توجد دلائل على المنهجية في الانتهاكات التي قامت بها الحكومة، وبذلك أعطى رئيس اللجنة شهادة براءة للمسؤولين الحكوميين في الوقت الذي كانت عملية الرصد والتوثيق في بداياتها.
• أثنى رئيس اللجنة بشكل متكرر على ملك البلاد، وعلى المسؤولين والوزراء لتعاونهم مع اللجنة، في حين اتخذ مواقف حادة تجاه بعض المتضررين ممن يعتقد – حتى من قبل اللجنة – بأنهم تعرضوا لانتهاكات تتعلق بالاعتقال التعسفي أو التعذيب أو المحاكمة غير العادلة، وقد بلغ ذلك إلى حد التجريم الصريح على أحد المحكومين بالإعدام في الوقت الذي لم يصدر بحقه حكم نهائي بعد، والتشكيك في نوايا ومصداقية مجموعة الأطباء الذين تعرضوا للاعتقال التعسفي والتعذيب أو سوء المعاملة والمحاكمة غير العادلة ولم يكن ذلك بناء على عرض توثيقي مهني وإنما تصريحات صحافية عمومية.
• بالرغم من أن رئيس اللجنة كان قد أعلن مراراً بأنه لن يبت في النتائج النهائية إلا من خلال التقرير، إلا أنه أجرى مقابلة صحافية مؤخراً تبنى فيها وبشكل كامل رواية السلطة للأحداث التي قال إنها ترتبط بالعامل الطائفي وتأثير جهات خارجية وهكذا استبق التقرير الذي سيصدر بتاريخ 23 نوفمبر الجاري بأن قدم التبرير اللازم للسلطة على كل ما قامت به من انتهاكات وحمل المسؤولية على المتضررين وفئة واسعة من أبناء الشعب البحريني التي تعاني من التمييز والاضطهاد لسنوات طويلة. بل تبنى رئيس اللجنة ما يكتبه بعض المتشددين من مؤيدي السلطة بأن المعارضة كانت تسعى لإقامة "جمهورية إسلامية".. في حين أنه لا يوجد دليل واحد على ذلك في جميع المنشورات أو التسجيلات، وحتى أوراق الدعاوي في المحاكم لم تدع ذلك إذ إن جزء من المعارضة كان يطالب بجمهورية ديمقراطية وليس إسلامية.
بناء على جميع ما تقدم، فإن الخلل الجوهري في تشكيل "اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق" يمكن تلخصيه إنها جاءت بإرادة منفردة من الملك ودون التشاور مع المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني، وكذلك الخلل في تعيين أعضاء اللجنة ومهامها، والنقص الكبير في تعاون اللجنة مع المنظمات الوطنية غير الحكومية والأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية، يضاف إلى جميع ذلك المؤشرات الخطيرة بعدم استقلالية اللجنة وحيادها وحرفيتها
وعليه، فلابدّ:
• أن تقوم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بتشكيل وإرسال بعثة لتقصي الحقيقة بشأن ما جرى من أحداث في البحرين منذ 14 فبراير 2011 وخلفية تلك الأحداث وآثارها.
• أن تقوم المنظمات الدولية غير الحكومية وغيرها من الجهات الوطنية والدولية المعنية بتقييم حقيقي لأعمال "اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق" والتقرير الذي سيصدر عنها، وذلك لضمان عدم استغلال السلطة في البحرين لتلك اللجنة في تشويه الحقائق وتبرير الانتهاكات المتنوعة والواسعة التي قامت بها السلطة في التعامل مع التحرك الشعبي وخصوصاً منذ 14 فبراير 2011، وكذلك للاستفادة من هذه التجربة وتفادي سلبياتها في بلدان أخرى.