نعم.. أنت لست شاباً عادياً يا عبّاس السميع
2015-02-27 - 6:40 م
مرآة البحرين (خاص): "الشيء الذي لم أتوقعه فعلاً هو أن تلصق به هذه التهمة؛ فهي لا تناسبه. ابني جامعي متعلّم يعمل مدرساً، ليس قاتلاً، ولا هو مجرم أو إرهابي. عباس ليس شاباً عادياً، عباس شيء كبير علم وثقافة وأخلاق متميز ومعروف عند الجميع داخل الديرة وخارجها، بعباس أرفع رأسي وأفتخر، وعندما أنطق اسمه أشرق".
هكذا قالت والدة عباس جميل السميع لـ«مرآة البحرين» عن فلذة فخرها معلّقة على حكم الإعدام الصادر في حقّه يوم أمس الخميس 26 فبراير 2015، لم تكن تتمالك عباراتها التي راحت تتقاطع وتتداخل وهي تشهق: "أحب كل أبنائي لكن عباس غير". تستنكر ما ألصق به من تهمة لا تناسبه، ولا تناسب شخصيته، ولا تناسب خطه المعارض، ولا نهجه السلمي، ولا سلوكه المجتمعي العام.
صدقت أم عباس حين قالت "عباس ليس شاباً عادياً"، يكفي ليكون غير عادي أنه تمكّن من إكمال دراسته الجامعية في الوقت الذي كان فيه مطارداً ومهدداً وفي أسوأ وضع غير عادي، العلم عنده هدف مقدّس وتحصيل الشهادة سلاحه الأمضى، تخرج من الجامعة العام 2013 في تخصص بكالوريوس التربية الرياضية، وقبل تخرجه وأثناء دراسته وبعدها، شارك في العديد من الدورات التدريبية في مجاله التخصصي، فقد حصل على شهادة في الاسعافات الأولية في 2012، وشارك في دورة مدربي المبتدئين والفئات السنية لكرة السلة في يناير 2013، وفي دورة الحكام المستجدين لكرة الطاولة في ديسمبر 2013، وكان آخرها قبل اعتقاله مشاركاً في دورة التحكيم المحلية لكرة الطائرة في يناير 2014، وفي أثناء ذلك كلّه كان يعمل مدرسآً للتربية الرياضية في إحدى المدارس الخاصة.
"عباس ليس شاباً عادياً"، فقد وعى الحياة ليجد عمّه شهيداً وعائلته مستهدفة بشكل غير عادي، كان يبلغ من العمر أربع سنوات عندما قتل النظام البحريني عمه الشهيد حسن طاهر، ومنذ ذلك اليوم صارت تهمته وإخوته جاهزة: "أنتم تريدون الانتقام لعمّكم". لم يكن عباس يعي أكثر من خطواته الأولى حين قتلت السلطات عمّه، لكن الاستهداف الحاقد والمتكرر لعائلته جعلته يعي الأمور جيداً، يعي قبح هذا النظام وديكتاتوريته وعنجهيته المريضة، لقد شكلت السلطة وعيه السياسي أكثر مما فعلت عائلته ومحيطه المعارض، فلا أحد يحرض على كراهية النظام مثلما يفعل النظام البحريني. لقد صار عباس معارضاً سياسياً لكنه لم يمل يوماً إلى المواجهة العنيفة فهي لا تناسب شخصيته ولا سلوكه.
"عباس ليش شاباً عادياً"، فقد تم اعتقاله واخوته في 2008 في القضية المعروفة بـ"خلية الحجيرة"، وكل ما في أمر الإدانة؛ الحكاية غير العادية ذاتها: "تريدون الثأر لعمّكم". كان حينها في الثامنة عشر من عمره وفي عامه المدرسي الأخير ضمن المسار "العلمي"، ومع هذا فقد تمكن من اجتياز العام الدراسي بنجاح، بل بتفوق ملفت وحصل على تقدير جيد جداً وبنسبة 85.2٪
"عباس ليس شاباً عادياً"، فبينما هو تحت يد جلاد غير عادي وتحت تهديد حكمه الذي سيصدر بعد 3 أيام، سرّب رسالة من داخل سجن جو المركزي في 23 فبراير 2015، رسالة تستحق أن تُدرّس ضمن مناهج الصمود لا أن تُقرأ فقط، رسالة تعلّم الشموخ والقوّة والعشق للوطن، قال فيها مخاطباً البحرينيين: "رسالتي لكم يا شعبي عهدا عهدا أنني سوف أبقى صامدا شامخا فلا مشكلة عندي بأن أمضي بقية حياتي في السجين وفي الطوامير حراً رافضاً للظلم. بل المشكلة عندي بأن أقضي بقية عمري حرا طليقا متخاذلا عن نصرة الحق والمظلومين". وختم كما يختم بطل استثنائي: "إذا كان تطبيق حكم الإعدام سيحرر هذا الشعب الأبي من حقبة طويلة عاشها مع نظام فاسد انتزع حريته، فليكن هذا التطبيق حاضرا ولا المذلة، ليكن قمبراً ثانياً يروي عطش هذه الأرض، فإنني لا أرى الشهادة إلا سعادة".
"عباس ليس شاباً عادياً"، فبعد ساعات قليلة من صدور الحكم عليه بالاعدام، وبينما الناس في أوج صخبها وفي أسوأ حالات هضيمتها المشحونة قهراً ضد النظام الجائر، طلّ علينا عباس في فيديو مصور من داخل السجن، متألقا بشموخ وأنفة غير عاديين، وبطمأنينة لا يرمش لها طرف، وبصوت لا تخنقه بحّة ولا انكسارة، وبرأس مرفوع كما هو رأس أمه به، يخاطب جلاديه الذين هو في قبضتهم وتحت سلطة بطشهم: "أيها الجلادون: ما أنتم إلا ضعفاء في نظري". ويخاطب ملك الجلادين: "لا انتظر لتخليصي مكرمة ملكية"، ويخاطب قلوبنا المنكسرة عليه: أنا كبش فداء، لكنني "لست خائفا بل مطمئنا كل الاطمئنان".