يور ميدل إيست: لماذا تحتاج البحرين إلى الإصلاح-اقتصاديًا وسياسيًا؟... النظام الحالي الفاسد ينتج مظالم اقتصادية
2015-02-23 - 1:01 ص
أحمد الحداد، يور ميدل إيست
ترجمة: مرآة البحرين
تعتمد البحرين بشكل كبير على النفط كمورد دخل. إذ يبلغ إنتاج البترول وتصفيته 77% من إيراد الصادرات، و87% من واردات الحكومة، و19% من إجمالي الناتج المحلّي. وفي ظل تدنّي أسعار النفط إلى أقل من 60 دولار للبرميل الواحد، أطلقت دعوات كثيرة تطالب الحكومة بتنويع الاقتصاد. ولكن، يبقى السؤال، هل ستنجح البحرين في تنويع اقتصادها من دون مساهمة المواطنين أم لا؟
تعاني جزيرة البحرين عجزًا كبيرًا، إذ يفوق الدين الحكومي نسبة 40% من إجمالي الناتج المحلي. ومع دنو الدين العام في البحرين من بلوغ سقفه الذي يساوي 5 مليار دينار، لا تزال سياسات الدعم المالي قائمة. وبدلًا من إجراء تدابير تقشفية أو تنويع الاقتصاد، أصدر ملك البلاد مرسومًا أعلن فيه عن رفع سقف الدين العام إلى 7 مليار دينار.
وبالنسبة إلى الكثير من علماء الاجتماع، تعد البحرين "دولة ريعية" حيث "تعتمد" الميزانية العامة للدولة "على مجموعة من الإيرادات غير المكتسبة القادمة من استخراج الموارد الطبيعية". تثير نظرية الدولة الريعية الشكوك حول عملية إرساء الديمقراطية في الدول الخليجية الغنية بالنفط، وتشير إلى أنّه، طالما تحصل هذه الدول على كميات كافية من مدخول كهذا (مدخول-نفطي)، فلن يكون لديها دافع قوي لتحقيق الديمقراطية، والإصلاح، والتقدّم على المستويات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية.
وفي الدولة الريعية، تجمع الحكومة إيرادات النفط وتوزع الحصيلة على السكّان. ولكنّ حكومة البحرين اليوم، نظرًا للتحدّيات الاقتصادية المذكورة أعلاه، لا تستطيع توزيع المبالغ الاحتياطية بالقدر نفسه. إذ يعتمد السكّان على برنامج الرعاية الاجتماعية الحكومي الذي يشمل بشكل عام: المأكل، والمسكن، والمدخول، وفرص العمل. ولكن في الوضع الحالي يواجه سكّان البحرين تحدّيات عظيمة كمعدّل بطالة بلغ 7.4%، واحتكارٍ للعروض الحكومية، وتضخّم نسبة التجنيس السياسي، وخلافات حول الحصول على الإسكان الحكومي، وشكاوى عن البنى التحتية.
غير أنّ نظام الدولة الريعية محدود، ولأنّ رزم الرعاية الحكومية الكبيرة لا يمكن دعمها على المدى الطويل، ينبغي على البحرين الأخذ في الاعتبار إصلاح القطاع الاقتصادي.
تحدّيات دولة البحرين الريعية
تمثّل الساحة السياسية المشكلة الأساسية للنظام البدائي. فمحاولات إقرار الدستور وتنظيم انتخابات برلمانية صورية إلى حدٍ ما لم تسمح بمشاركة سياسية إضافية. إذ تسيطر أسرة آل خليفة الحاكمة في البحرين على النظام الاقتصادي والقطاعات الاقتصادية، حيث تحكم قبضتها على الإيرادات العامّة وتؤكّد سلطتها على الدولة والشعب.
ولطالما اعتمدت الأسرة البحرينية الحاكمة استراتيجيات لصرف نظر الشعب عن العالمين السياسي والاقتصادي. ومن وقتٍ إلى آخر، يمنح الملك "مكرمة" للشعب، ووفقًا لنزيه أيوبي، يفعل ذلك "من أجل أن يضمن استمرار سلطته على شؤون الدولة الملفتة...يسعى النظام الحاكم إلى إزالة الصفة السياسية عن العلاقات الاجتماعية والترويج للتحديث تجاه شكل من أشكال الأنظمة المعتمدة على التكنولوجيا والإدارات كمصدر شرعية للنظام".
إنّ صراع البحرين الحالي مع النظام الريعي سببه ثلاثة أعراض: الفساد، والنظام الضريبي، ونظام الرعاية الاجتماعية السلطوي:
الفساد: يمكن ملاحظة فساد النظام البحريني من خلال طريقة توزيعه للموارد الناتجة عن إيرادات الدولة. فيتم تقديم هذه الموارد لصالح دائرة محدودة من النخبة الاستراتجية في محاولة ناجحة للفوز بالدعم. وبما أنّ أسرة آل خليفة تعتمد سياسات الليبرالية الجديدة، حيث يتم تخصيص مشاريع الدولة، فإن احتكار الملكية يمنح للأصدقاء والأقارب. التأثير السلبي لهكذا فساد يعتمد على سعة التركيبة الداخلية للنظام الكلبتوقراطي. وهذا لا يؤثّر على المواطن العادي فحسب، بل أيضًا على التّجّار وأصحاب الأعمال الذين يتمتّعون بعلاقات وطيدة مع النظام ويستفيدون من النظام الحالي الفاسد، ومع ذلك يشعرون بالضيق المتزايد بسبب نسبة الفساد الكبيرة.
لذا، يولّد هذا النظام الفاسد مظالم اقتصادية، متعلّقة بالمحسوبية، والوساطة (لصالح الأقارب)، والفساد. هذه البنية الحالية تشكّل خطرًا لأنظمة كهذه، إذ تعتمد بشكل واسع على استراتيجية التوزيع. وفي ظل تدني إيرادات النفط، وكونه لم يعد المصدر الوحيد للدخل، تشعر النخبة بالاستياء من الفساد، ويفشل النظام في المحافظة على التوازن بين النخبة-التي يمكن الاعتماد على ولائها- والنخبة الأكثر استقلالية التي تظهر مظالمها.
النظام الضريبي: غياب النظام الضريبي في البحرين يعيق عملية إرساء الديمقراطية. ويعود هذا الأمر بالنفع إلى النخبة الحاكمة، لأنّ غياب الشفافية والمشاركة في عملية جمع الإيرادات يجعل من الشعب رعية بدلًا من مواطنين فاعلين حقيقيين. بعض الضرائب لا تتطلّب موافقة الشعب، كالضرائب المفروضة على استيراد النفط وتصديره. كما يفترض، ففي دولة ريعية كالبحرين تعتمد بشكل كبير على إيراد النفط، يصبح مورد طبيعي كهذا عامًا حين تطلب موافقة الشعب فقط. ولكن، في البحرين، يتم احتكار إيراد النفط ليكون ملكًا لأسرة آل خليفة، لذلك يصبح فرض الضرائب على الشعب غير ضروروي. عبارة "لا تمثيل من دون نظام ضريبي" تمثّل توصيفًا دقيقًا للوضع الراهن في البلاد، حيث يتم معاملة الناس على أنّهم رعية لا مواطنين.
نظام الرعاية الاجتماعية السلطوي: بين نظام الرعاية والحقوق المدنية والسياسية رابط أساسي. ولكن في البحرين منح الرعاية الاجتماعية يعني منع الحقوق المدنية والسياسية. فإذا تمّ استخدام تصنيف تي.أتش. مارشال للمواطنة، يتبيّن أنّ نظام الرعاية الاجتماعية السلطوي هو توصيف واضح لنظامٍ مستبدٍ يرفض تقديم التنازلات من أجل تحقيق الديمقراطية.
واستنادًا إلى نظرية كينز في الاقتصاد، تشمل برامج الرعاية الاجتماعية في البحرين دعما ماليا للسلع الأساسية، وبذل جهود لتقليص نسبة البطالة، وصرف المزيد من الأموال على التعليم، والصحة، والإسكان، وخدمات اجتماعية أخرى. ولأنّ البحرين لا تملك إلا موارد نفط محدودة، لم ينجح هذا الأمر إلا لفترة من الوقت، بما أنّه مكلف. ووفقًا لـ"موديز"، فقد ارتفعت النفقات بشكل كبير نتيجة الإنفاق المتزايد على الرعاية، والأمن الاجتماعي، والدعم المالي. واستنادًا إلى صندوق النقد الدولي، فإن البحرين تسجل أعلى نقطة تعادل مالي لسعر النفط، من بين دول مجلس التعاون الخليجي، إذ بلغت 125.4$ عام 2014.
ويواجه حكّام البحرين، اليوم، تحدّيات كبيرة في ما يخصّ الشرعية. لقد كتب ماكس ويبر يومًا أنّه: "من دون الشرعية...يكون الحاكم، أو النظام، أو النظام الحكومي تحت ضغط هائل". فالتحدّيات الراهنة تؤثّر على الشعب على المدى البعيد. وقد قال السياسي الإيرلندي الجمهوري غيري آدمز: "ستبقى المعركة قائمة كل يوم بين الذين يريدون تغييرًا إلى أقصى حد والذين يريدون الحفاظ على الوضع الراهن".
وفي نهاية المطاف، الرأي العام المنقسم في البحرين سيطالب بإصلاحات شاملة، حينما يدركون أنّ المِنَح الملكية لن تدوم أو حينما يصبحون غير مؤمنين بشرعية الأسرة المالكة.
- أحمد الحداد باحثٌ بحريني ومن الدعاة الداعمين للحقوق السياسية والاجتماعية.
2 فبراير/شباط 2015
النص الأصلي
- 2024-11-13وسط انتقادات للزيارة .. ملك بريطانيا يستضيف ملك البحرين في وندسور
- 2024-08-19"تعذيب نفسي" للمعتقلين في سجن جو
- 2024-07-07علي الحاجي في إطلالة داخلية على قوانين إصلاح السجون في البحرين: 10 أعوام من الفشل في التنفيذ
- 2024-07-02الوداعي يحصل على الجنسية البريطانية بعد أن هدّد باتخاذ إجراءات قانونية
- 2024-06-21وزارة الخارجية تمنع الجنسية البريطانية عن ناشط بحريني بارز