» تقارير
شاكوري-مشيمع: البحرين أضعفت العلاقة بين أميريكا والسعودية (3-3)
2011-11-05 - 11:53 ص
مرآة البحرين (خاص): في الحلقة السابقة، رسمنا للقارئ بروتريه (نواف عبيد) رجل المهمات القذرة في المخابرات السعودية، وصانع أسطورة مشيمع-شاكوري التي لم تكن الأولى في عبثه الساذج بالإعلام الأميريكي. استهلك عبيد كل رصيده المزور من السمعة والمهنية، وصار مبعثاً للسخرية من السياسة السعودية بشكل عام داخل الأوساط الأميريكية.
في هذه الحلقة الأخيرة، سنبحث عن السبب الذي يدعو المملكة السعودية ورجالها إلى استخدام اسم البحرين في مواجهة موجة الربيع العربي. متسائلين عما يبعث المسئولين السعوديين والبحرينيين على القلق... في واشنطن؟
نواف عبيد: سياسة السعودية التصادم مع أميريكا منذ البحرين فصاعداً
ماذا تريد الدبلوماسية السعودية ونواف عبيد من البحرين؟ [1] لكي نفهم غرض نواف من اختلاقه بروبجندا (شاكوري-مشيمع)، سنبحث بعض المقالات التي ظهر فيها من جديد في الصحافة الأميريكية بعد الربيع العربي، رغم توقفه عن الكتابة منذ فضيحة مقاله في 2006 عن العراق، والذي تسبب في استقالة راعيه الأمير تركي الفيصل السفير السعودي في واشنطن آنذاك!
في مايو/أيار الماضي، يكتب نواف عبيد في واشنطن بوست مقالا تحت عنوان "انعطاف حاد في العلاقات السعودية– الأميريكية، وسط ربيع العرب" [2] ويؤكد فيه أن السعودية دفعت بقواتها إلى المنامة لإنهاء الاضطرابات التي هزت البلاد "على الرغم من الضغط المهم الذي مارسته إدارة أوباما على الرياض كي تبقى على الحياد"، كشف واضح وصريح من نواف عبيد لخلفية التدخل السعودي في البحرين، لكن رئيسه الأمير تركي ينفيه مؤخرا في مؤتمر قبل أيام بالعاصمة الأميريكية واشنطن، حين يصرح بأن "درع الجزيرة" لم يذهب إلى البحرين لقمع التظاهرات[3]
ذلك ليس غريبا على الأمير المتخبط والمضطرب، فهو يناقض حتى نفسه، إذ في سبتمبر الماضي هدد الأميركيين خلال مؤتمر في واشنطن أيضا بتبني السعودية لسياسة إقليمية "أكثر استقلالية وأكثر حزما" في القضايا الخلافية، معتبراً "التدخل العسكري لبلاده في البحرين" (والذي عارضته واشنطن) مثالاً على ذلك! [4]
يمضي نواف عبيد في مقاله ليستنتج من هذا الموقف الخطير وغيره بأن ثمة تحولا كبيرا وجذريا طرأ على العلاقات الأميريكية – السعودية، مرجعا السبب إلى ما دعاه "زيادة التدخل الإيراني في شؤون المنطقة والسياسات غير المثمرة التي مارستها الولايات المتحدة فيها منذ 11/9 وحتى اليوم "ما يجعل أميريكا بحسب عبيد" ليست شريكاً موثوقاً أمام التهديد الإيراني"!
يحلل عبيد العلاقات بين بلاده وأميريكا، ويصفها بتفاهم غير مكتوب يستند إلى مبدأ (النفط مقابل الأمن)، ويعترف بأن السعودية التزمت به التزاماً كاملاً خلال 60 عاما الماضية، بحيث كانت غالباً ما تحتج ثم "تتغاضى في النهاية" عما ترى أنه سياسات أميريكية مضللة.
يخلص عبيد إلى أن هذا التفاهم وصل إلى نهايته، ويوضح ذلك بأن الرياض (التي يتحدث عنها بالوكالة) تعتزم انتهاج سياسة خارجية حازمة حتى ولو أدى هذا إلى تضاربها أحياناً مع المصالح الأميريكية.
السبب الرئيس الذي يذكره عبيد عن تأزم هذه العلاقات هو ما وصفه بردود واشنطن غير المفهومة تماماً على حركات الاحتجاج العربية، بالإضافة إلى ما دعاها الخطوات الأميريكية غير الموفقة منذ 9/11 (مشيرا إلى غزو العراق وأفغانستان).
لكن عبيد، يتعلل بسبب آخر، على منهج الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، وهو "رفض أميركا غير المعقول لمساءلة إسرائيل في قضية بناء المستوطنات اللاقانونية"، هذه التقليعة الجديدة تعجب الأمير تركي الفيصل، فيقتفي أثرها، ضمن برنامج السعودية في المساومة على القضية الفلسطينية مقابل.... وقف موجة الربيع العربي، والكف عن دعمها.
ليس هذا فحسب، بل يذهب "عبيد" في وصف التدخل السعودي في البحرين بعيدا في مقال[5] نشر له في مدونة إلكترونية تابعة لقناة CNN في يونيو الماضي، حين يؤكد أن السعودية "هي الداعم الرئيسي للنظام الملكي في البحرين، وأنها ستحافظ على وجودها العسكري هناك"!!
يقدم عبيد هذا المقال كوجهة نظر سعودية في الثورات العربية، ويقول فيه بشكل واضح وصريح إن السعودية أدركت التهديدات والمخاطر التي يحملها انتشار حركات "ما يسمى بالربيع العربي" وعليه فإنها توسّع من دورها على الصعيد الدولي وتعبئ مواردها الهائلة لمساعدة البلدان على مواجهة الاضطرابات الداخلية، ومنعها من الانهيار ونشر الفوضى!
السعودية: ارتياب على مستقبل السياسة والنظام
منذ انطلاقة الربيع العربي، ونواف عبيد يكتب أكثر من مرة بصريح العبارة: "لن تكون هناك ثورة في السعودية"[6] كما في مجلة فورين بوليسي، ويجيب في "واشنطن بوست" على "لماذا تبقى السعودية مستقرة وسط الاضطرابات في الشرق الأوسط؟"[7] بل يظهر راعيه الأمير تركي الفيصل في بي بي سي ليسخر من الربيع العربي ويعارض أن يسمى ما حدث في مصر بثورة!
عملياً، فكل السيناريوهات تصب في مجرى الارتباك الكبير الذي تعاني منه السياسة السعودية بعد أحداث الربيع العربي، وخصوصا في البحرين. لكن خطر اللا استقرار ليس حديثا على السعودية، وليست هي المرة الأولى التي تبدي مخاوفها منه، فمنذ احتلال العراق، والمملكة ترى بأن أشياء كثيرة تتغير في الخارج، وفي الداخل، وهو ما حمل نواف عبيد تحديدا على التغلغل وسط مراكز البحوث ليكون تركيزه فقط منذ 2004 على العراق والشيعة والخليج والأمن، ووجهة نظر السعودية في كل ذلك! أو قل مصالحها المهددة بين كل ذلك!
الإعلام بعد فشل الدبلوماسية
فشل عبيد ومن خلفه تركي الفيصل، عبر وسائلهم في اللعب على وتر الإعلام لاستفزاز صناع القرار السياسي في أميريكا، حين صرحوا بما هو أكبر من قدرتهم حول العراق في 2006، وهم يعيدون الكرة الآن[8] مع البحرين، مستغلين بسذاجة مضحكة الزخم الإعلامي الذي صاحب المؤامرة الإيرانية المزعومة لاغتيال السفير السعودي، وذلك بعد استشفافهم إمكانية أن تقف الولايات المتحدة إلى جانب المعارضة البحرينية، حتى بعد التدخل السعودي، الذي حدث فعلا على أرض الواقع، ما يعني تصادما محتوما ومخيفاً بين الطرفين!
عبر مقاله في صحيفة الجارديان[9]، يتساءل مساعد وزير الخارجية الأميريكي السابق فيليب كراولي "هل كانت مؤامرة الاغتيال الإيرانية (فرصة) للسعودية؟" وفي نهاية مقاله يجيب "لنسمها لحظة –معنا أو ضدنا[10]- الخاصة بالسعودية"!
ليس لدى جهاز المخابرات السعودية من تاريخ سوى الفشل تلو الفشل، وهذه البلاد ظلت عرضة لهجمات الإرهابيين ومصدّرا لها طوال سنوات كثيرة دون أن تكون قادرة على كشفهم وإيقافهم، ولا يمكن أن يظن نواف عبيد بأن أحدا ما سيصدق روايته حول شاكوري، ولكنه وعبر بعض الأصدقاء يمكن أن يوصل رسالة من اثنتين:
إما أننا كسعوديين نتفق معكم تماما، وشاكوري يهدد مصالحنا ومصالحكم في الخليج أيضاً، وعليكم أن تبقوا إلى جانبنا على الدوام. أو أن تكون الرسالة أننا أيضا نستطيع أن نحبك مؤامرة مزعومة بذات المستوى، للفائدة السياسية والإعلامية، وخلط الأوراق، وإن كانت مشتقة من مؤامرتكم، وأضعف قليلا،!
مصالح وزير الخارجية..المهددة
في الرسالة الأولى، سيشترك مع نواف وزير الخارجية البحريني الذي يقول الكاتب الأميريكي ديفيد حين التقاه بأنه "كان يتكلم بحدة غير معتادة"![11] سيذهب وزير الخارجية إلى أميريكا ليصر على مواصلة الأداء الهزيل في مسرحية مشيمع-شاكوري التي لم تلق سوى السخرية والضحك، ويؤكد مزاعم عبيد بأن الحكومة البحرينية على معرفة بشاكوري مسبقاً! (رغم إنكار الوزير ونفيه المطلق للتدخل الإيراني المباشر في جميع مؤتمراته وتصريحاته الصحفية السابقة وخصوصا ما قاله في 18 مارس من أن المتظاهرين "عصابات مكونة من بحرينيين لا يخضعون لسلطة ايران"، وما قاله في 18 فبراير حين حدد التدخل الخارجي بما صدر من تصريحات رسمية من إيران وغيرها!)
الأهم أن الوزير سيرسل رسالة تحذيرية لأوباما هذه المرة: "نحن نطلب من الولايات المتحدة الدفاع عن مصالحها ورسم الخطوط الحمراء"
(مصالحها) لن تكون سوى لدى مشيخات الخليج والأنظمة القبلية الحليفة، في قبال أية مشاريع أخرى قد تقترب ولو قليلا من الخط أو التوجه الإيراني، سواء كانت في مصر، ليبيا، سوريا، تونس، اليمن، العراق، البحرين.
(مصالحها) هي نحن، لا المعارضة... المعارضة ستعني إيران، ويجب ألا تتقدم أكثر في علاقتها مع الإدارة الأميريكية. بل لا بد لها من خط أحمر!!
وفي حين تبدو هذه المؤامرة بين أبطالها: نواف عبيد، ديفيد إغناتيوس، خالد بن أحمد مثيرة للشفقة وساذجة حد الغباء، إلى درجة أن تمتنع الصحف عن إبرازها أو إعطاء ما جاء فيها من معلومات مبعثرة غير موثقة المصدر اعتباراً أو أي قيمة - تبرز بشدة أهمية النظر إلى مخاوف هذه الجهات من تغير حقيقي في سياسات الولايات المتحدة تجاه الخليج، وخصوصا بعد مواقفها من ثورات الربيع العربي.
فالسعودية، لا تخاف فقط من اللاعب الدولي الرئيس في قضية البحرين وهو العراق الحليف للولايات المتحدة، وإمكانية تأثيره على السياسة الأميريكية، ولكنها تخشى كل ما يمكن أن يطالها بعد أن بات محتما انهيار البيئة المريضة التي تحيط بها، بدءا من مصر، سوريا، ليبيا، اليمن وليس انتهاء بتونس. وهذا يدعوها إلى الارتياب والاستنفار من كل ما هو قادم، ولا علاقة لذلك بإيران سوى أنه قد يتناغم بعد ذلك مع بعض توجهاتها فيما يخص (القضية الفلسطينية)!
العبث الإعلامي المضحك
كما تبرز أيضا اعتبارات الإعلام الدولي، ومدى حساسية تأثيره واستخدامه، بديلا عن الدبلوماسية المباشرة، وضاغطا على صناع القرار في السياسة الأميريكية والغرب عموما، فعبيد ووزير الخارجية لم يقولا هذا الكلام أمام أي وسيلة إعلامية عربية أو غيرها، وحصروه في الإعلام الأجنبي!
والصحف الحكومية لدينا "لم تصدق" أن صحفا أميريكية نشرت كلاما قد يحسب على أنه يقف إلى جانبها ويدعم تصويرها للأحداث السياسية بعد أن كان أحد لا يصدقها هناك! (ولو كان مقال رأي أو مقابلة مع مسئول سعودي) حتى وصل تفاؤل أحد الكتاب بما نشر إلى أن يسخر من المعارضة ويعتقد بأن ليس لها الآن إلا أن تسمي واشنطن بوست ونيويورك تايمز بالصحف "البلطجية"!!
ليس هؤلاء الطرف الوحيد الذي يراقب تطور الإعلام تجاه كل هذه القضايا وحساسية موقفه وإن لم يكن يمارس عليه دورا حاسماً، فالإدارة الأميريكية متنبهة أيضاً إلى أن الثورات التي استغرقت مئات السنين للقضاء على الاستبداد في العصور الوسطى بأوروبا، لن تستغرق أكثر من عام في العالم العربي مع ثورة الاتصال وأدواتها في السلطة الرابعة!
يقول رئيس تحرير جريدة الوسط، منصور الجمري معلقا على ادعاءات عبيد: لو قال إن شاكوري "اتصل" بالبحرينيين باستخدام برنامج (واتس أب) أو "بلاك بيري" لكان يمكن أن أصدقه!
في ختام الملف، أرجو أن تقدم المخابرات البحرينية والسعودية تسجيلات صوتية أو أية معلومات مفيدة عن غلام شاكوري لوكالة الاستخبارات الأميريكية حتى تستفيد منها في ملاحقته. إن كانت موجودة حقا!
كما أرجو أن تستعد الشقيقة الكبرى لبيعنا بعض السلاح (الأميريكي) في حال تعذر شراؤه من المصدر في الشهور المقبلة!
مرآة البحرين (خاص): في الحلقة السابقة، رسمنا للقارئ بروتريه (نواف عبيد) رجل المهمات القذرة في المخابرات السعودية، وصانع أسطورة مشيمع-شاكوري التي لم تكن الأولى في عبثه الساذج بالإعلام الأميريكي. استهلك عبيد كل رصيده المزور من السمعة والمهنية، وصار مبعثاً للسخرية من السياسة السعودية بشكل عام داخل الأوساط الأميريكية.
في هذه الحلقة الأخيرة، سنبحث عن السبب الذي يدعو المملكة السعودية ورجالها إلى استخدام اسم البحرين في مواجهة موجة الربيع العربي. متسائلين عما يبعث المسئولين السعوديين والبحرينيين على القلق... في واشنطن؟
نواف عبيد: سياسة السعودية التصادم مع أميريكا منذ البحرين فصاعداً
ماذا تريد الدبلوماسية السعودية ونواف عبيد من البحرين؟ [1] لكي نفهم غرض نواف من اختلاقه بروبجندا (شاكوري-مشيمع)، سنبحث بعض المقالات التي ظهر فيها من جديد في الصحافة الأميريكية بعد الربيع العربي، رغم توقفه عن الكتابة منذ فضيحة مقاله في 2006 عن العراق، والذي تسبب في استقالة راعيه الأمير تركي الفيصل السفير السعودي في واشنطن آنذاك!
في مايو/أيار الماضي، يكتب نواف عبيد في واشنطن بوست مقالا تحت عنوان "انعطاف حاد في العلاقات السعودية– الأميريكية، وسط ربيع العرب" [2] ويؤكد فيه أن السعودية دفعت بقواتها إلى المنامة لإنهاء الاضطرابات التي هزت البلاد "على الرغم من الضغط المهم الذي مارسته إدارة أوباما على الرياض كي تبقى على الحياد"، كشف واضح وصريح من نواف عبيد لخلفية التدخل السعودي في البحرين، لكن رئيسه الأمير تركي ينفيه مؤخرا في مؤتمر قبل أيام بالعاصمة الأميريكية واشنطن، حين يصرح بأن "درع الجزيرة" لم يذهب إلى البحرين لقمع التظاهرات[3]
ذلك ليس غريبا على الأمير المتخبط والمضطرب، فهو يناقض حتى نفسه، إذ في سبتمبر الماضي هدد الأميركيين خلال مؤتمر في واشنطن أيضا بتبني السعودية لسياسة إقليمية "أكثر استقلالية وأكثر حزما" في القضايا الخلافية، معتبراً "التدخل العسكري لبلاده في البحرين" (والذي عارضته واشنطن) مثالاً على ذلك! [4]
يمضي نواف عبيد في مقاله ليستنتج من هذا الموقف الخطير وغيره بأن ثمة تحولا كبيرا وجذريا طرأ على العلاقات الأميريكية – السعودية، مرجعا السبب إلى ما دعاه "زيادة التدخل الإيراني في شؤون المنطقة والسياسات غير المثمرة التي مارستها الولايات المتحدة فيها منذ 11/9 وحتى اليوم "ما يجعل أميريكا بحسب عبيد" ليست شريكاً موثوقاً أمام التهديد الإيراني"!
يحلل عبيد العلاقات بين بلاده وأميريكا، ويصفها بتفاهم غير مكتوب يستند إلى مبدأ (النفط مقابل الأمن)، ويعترف بأن السعودية التزمت به التزاماً كاملاً خلال 60 عاما الماضية، بحيث كانت غالباً ما تحتج ثم "تتغاضى في النهاية" عما ترى أنه سياسات أميريكية مضللة.
يخلص عبيد إلى أن هذا التفاهم وصل إلى نهايته، ويوضح ذلك بأن الرياض (التي يتحدث عنها بالوكالة) تعتزم انتهاج سياسة خارجية حازمة حتى ولو أدى هذا إلى تضاربها أحياناً مع المصالح الأميريكية.
السبب الرئيس الذي يذكره عبيد عن تأزم هذه العلاقات هو ما وصفه بردود واشنطن غير المفهومة تماماً على حركات الاحتجاج العربية، بالإضافة إلى ما دعاها الخطوات الأميريكية غير الموفقة منذ 9/11 (مشيرا إلى غزو العراق وأفغانستان).
لكن عبيد، يتعلل بسبب آخر، على منهج الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، وهو "رفض أميركا غير المعقول لمساءلة إسرائيل في قضية بناء المستوطنات اللاقانونية"، هذه التقليعة الجديدة تعجب الأمير تركي الفيصل، فيقتفي أثرها، ضمن برنامج السعودية في المساومة على القضية الفلسطينية مقابل.... وقف موجة الربيع العربي، والكف عن دعمها.
ليس هذا فحسب، بل يذهب "عبيد" في وصف التدخل السعودي في البحرين بعيدا في مقال[5] نشر له في مدونة إلكترونية تابعة لقناة CNN في يونيو الماضي، حين يؤكد أن السعودية "هي الداعم الرئيسي للنظام الملكي في البحرين، وأنها ستحافظ على وجودها العسكري هناك"!!
يقدم عبيد هذا المقال كوجهة نظر سعودية في الثورات العربية، ويقول فيه بشكل واضح وصريح إن السعودية أدركت التهديدات والمخاطر التي يحملها انتشار حركات "ما يسمى بالربيع العربي" وعليه فإنها توسّع من دورها على الصعيد الدولي وتعبئ مواردها الهائلة لمساعدة البلدان على مواجهة الاضطرابات الداخلية، ومنعها من الانهيار ونشر الفوضى!
السعودية: ارتياب على مستقبل السياسة والنظام
منذ انطلاقة الربيع العربي، ونواف عبيد يكتب أكثر من مرة بصريح العبارة: "لن تكون هناك ثورة في السعودية"[6] كما في مجلة فورين بوليسي، ويجيب في "واشنطن بوست" على "لماذا تبقى السعودية مستقرة وسط الاضطرابات في الشرق الأوسط؟"[7] بل يظهر راعيه الأمير تركي الفيصل في بي بي سي ليسخر من الربيع العربي ويعارض أن يسمى ما حدث في مصر بثورة!
عملياً، فكل السيناريوهات تصب في مجرى الارتباك الكبير الذي تعاني منه السياسة السعودية بعد أحداث الربيع العربي، وخصوصا في البحرين. لكن خطر اللا استقرار ليس حديثا على السعودية، وليست هي المرة الأولى التي تبدي مخاوفها منه، فمنذ احتلال العراق، والمملكة ترى بأن أشياء كثيرة تتغير في الخارج، وفي الداخل، وهو ما حمل نواف عبيد تحديدا على التغلغل وسط مراكز البحوث ليكون تركيزه فقط منذ 2004 على العراق والشيعة والخليج والأمن، ووجهة نظر السعودية في كل ذلك! أو قل مصالحها المهددة بين كل ذلك!
الإعلام بعد فشل الدبلوماسية
فشل عبيد ومن خلفه تركي الفيصل، عبر وسائلهم في اللعب على وتر الإعلام لاستفزاز صناع القرار السياسي في أميريكا، حين صرحوا بما هو أكبر من قدرتهم حول العراق في 2006، وهم يعيدون الكرة الآن[8] مع البحرين، مستغلين بسذاجة مضحكة الزخم الإعلامي الذي صاحب المؤامرة الإيرانية المزعومة لاغتيال السفير السعودي، وذلك بعد استشفافهم إمكانية أن تقف الولايات المتحدة إلى جانب المعارضة البحرينية، حتى بعد التدخل السعودي، الذي حدث فعلا على أرض الواقع، ما يعني تصادما محتوما ومخيفاً بين الطرفين!
عبر مقاله في صحيفة الجارديان[9]، يتساءل مساعد وزير الخارجية الأميريكي السابق فيليب كراولي "هل كانت مؤامرة الاغتيال الإيرانية (فرصة) للسعودية؟" وفي نهاية مقاله يجيب "لنسمها لحظة –معنا أو ضدنا[10]- الخاصة بالسعودية"!
ليس لدى جهاز المخابرات السعودية من تاريخ سوى الفشل تلو الفشل، وهذه البلاد ظلت عرضة لهجمات الإرهابيين ومصدّرا لها طوال سنوات كثيرة دون أن تكون قادرة على كشفهم وإيقافهم، ولا يمكن أن يظن نواف عبيد بأن أحدا ما سيصدق روايته حول شاكوري، ولكنه وعبر بعض الأصدقاء يمكن أن يوصل رسالة من اثنتين:
إما أننا كسعوديين نتفق معكم تماما، وشاكوري يهدد مصالحنا ومصالحكم في الخليج أيضاً، وعليكم أن تبقوا إلى جانبنا على الدوام. أو أن تكون الرسالة أننا أيضا نستطيع أن نحبك مؤامرة مزعومة بذات المستوى، للفائدة السياسية والإعلامية، وخلط الأوراق، وإن كانت مشتقة من مؤامرتكم، وأضعف قليلا،!
مصالح وزير الخارجية..المهددة
في الرسالة الأولى، سيشترك مع نواف وزير الخارجية البحريني الذي يقول الكاتب الأميريكي ديفيد حين التقاه بأنه "كان يتكلم بحدة غير معتادة"![11] سيذهب وزير الخارجية إلى أميريكا ليصر على مواصلة الأداء الهزيل في مسرحية مشيمع-شاكوري التي لم تلق سوى السخرية والضحك، ويؤكد مزاعم عبيد بأن الحكومة البحرينية على معرفة بشاكوري مسبقاً! (رغم إنكار الوزير ونفيه المطلق للتدخل الإيراني المباشر في جميع مؤتمراته وتصريحاته الصحفية السابقة وخصوصا ما قاله في 18 مارس من أن المتظاهرين "عصابات مكونة من بحرينيين لا يخضعون لسلطة ايران"، وما قاله في 18 فبراير حين حدد التدخل الخارجي بما صدر من تصريحات رسمية من إيران وغيرها!)
الأهم أن الوزير سيرسل رسالة تحذيرية لأوباما هذه المرة: "نحن نطلب من الولايات المتحدة الدفاع عن مصالحها ورسم الخطوط الحمراء"
(مصالحها) لن تكون سوى لدى مشيخات الخليج والأنظمة القبلية الحليفة، في قبال أية مشاريع أخرى قد تقترب ولو قليلا من الخط أو التوجه الإيراني، سواء كانت في مصر، ليبيا، سوريا، تونس، اليمن، العراق، البحرين.
(مصالحها) هي نحن، لا المعارضة... المعارضة ستعني إيران، ويجب ألا تتقدم أكثر في علاقتها مع الإدارة الأميريكية. بل لا بد لها من خط أحمر!!
وفي حين تبدو هذه المؤامرة بين أبطالها: نواف عبيد، ديفيد إغناتيوس، خالد بن أحمد مثيرة للشفقة وساذجة حد الغباء، إلى درجة أن تمتنع الصحف عن إبرازها أو إعطاء ما جاء فيها من معلومات مبعثرة غير موثقة المصدر اعتباراً أو أي قيمة - تبرز بشدة أهمية النظر إلى مخاوف هذه الجهات من تغير حقيقي في سياسات الولايات المتحدة تجاه الخليج، وخصوصا بعد مواقفها من ثورات الربيع العربي.
فالسعودية، لا تخاف فقط من اللاعب الدولي الرئيس في قضية البحرين وهو العراق الحليف للولايات المتحدة، وإمكانية تأثيره على السياسة الأميريكية، ولكنها تخشى كل ما يمكن أن يطالها بعد أن بات محتما انهيار البيئة المريضة التي تحيط بها، بدءا من مصر، سوريا، ليبيا، اليمن وليس انتهاء بتونس. وهذا يدعوها إلى الارتياب والاستنفار من كل ما هو قادم، ولا علاقة لذلك بإيران سوى أنه قد يتناغم بعد ذلك مع بعض توجهاتها فيما يخص (القضية الفلسطينية)!
العبث الإعلامي المضحك
كما تبرز أيضا اعتبارات الإعلام الدولي، ومدى حساسية تأثيره واستخدامه، بديلا عن الدبلوماسية المباشرة، وضاغطا على صناع القرار في السياسة الأميريكية والغرب عموما، فعبيد ووزير الخارجية لم يقولا هذا الكلام أمام أي وسيلة إعلامية عربية أو غيرها، وحصروه في الإعلام الأجنبي!
والصحف الحكومية لدينا "لم تصدق" أن صحفا أميريكية نشرت كلاما قد يحسب على أنه يقف إلى جانبها ويدعم تصويرها للأحداث السياسية بعد أن كان أحد لا يصدقها هناك! (ولو كان مقال رأي أو مقابلة مع مسئول سعودي) حتى وصل تفاؤل أحد الكتاب بما نشر إلى أن يسخر من المعارضة ويعتقد بأن ليس لها الآن إلا أن تسمي واشنطن بوست ونيويورك تايمز بالصحف "البلطجية"!!
ليس هؤلاء الطرف الوحيد الذي يراقب تطور الإعلام تجاه كل هذه القضايا وحساسية موقفه وإن لم يكن يمارس عليه دورا حاسماً، فالإدارة الأميريكية متنبهة أيضاً إلى أن الثورات التي استغرقت مئات السنين للقضاء على الاستبداد في العصور الوسطى بأوروبا، لن تستغرق أكثر من عام في العالم العربي مع ثورة الاتصال وأدواتها في السلطة الرابعة!
يقول رئيس تحرير جريدة الوسط، منصور الجمري معلقا على ادعاءات عبيد: لو قال إن شاكوري "اتصل" بالبحرينيين باستخدام برنامج (واتس أب) أو "بلاك بيري" لكان يمكن أن أصدقه!
في ختام الملف، أرجو أن تقدم المخابرات البحرينية والسعودية تسجيلات صوتية أو أية معلومات مفيدة عن غلام شاكوري لوكالة الاستخبارات الأميريكية حتى تستفيد منها في ملاحقته. إن كانت موجودة حقا!
كما أرجو أن تستعد الشقيقة الكبرى لبيعنا بعض السلاح (الأميريكي) في حال تعذر شراؤه من المصدر في الشهور المقبلة!
هوامش:
- شاكوري-مشيمع: فضيحة نواف عبيد... رجل المهمات القذرة في المخابرات السعودية (2-3)
- Amid the Arab Spring, a U.S.-Saudi split
- تركي الفيصل: درع الجزيرة لم يذهب البحرين لقمع المظاهرات
- جريدة الاتحاد، لسعودية تحذر واشنطن من استخدام الفيتو ضد الاعتراف بفلسطين.
- A Saudi perspective on the Arab uprisings
- There Will Be No Uprising in Saudi Arabia
- Why Saudi Arabia is stable amid the Mideast unrest
- يلزم التنويه إلى أن الثنائي تركي الفيصل-نواف عبيد ورغم ظهوره المتعدد في السياسة الخارجية إلا أنه لا يعمل بالتوازي مع ثنائي بندر بن سلطان-عادل الجبير، وقد كشفت تقارير أن هناك نوعا من الصراع بين الجناحين في الأسرة الحاكمة.
- Could 'Iran's assassination plot' be an opportunity for Saudi Arabia؟.?
- إشارة إلى مقول الرئيس الأميريكي السابق جورج بوش بعد أحداث سبتمبر (إما أن تكونوا معنا أو ضدنا أي مع محور الشر)
- Bahrain to U.S. : Stand up to Iran