آيمي أوستن: القاعدة التي حلّت مكان الإمبراطورية البريطانية: دور البحرية الأمريكية في الإطاحة بالديمقراطية في البحرين (دراسة)
2015-01-26 - 5:56 م
آيمي أوستن هولمز، جورنال الدراسات العربية: الجزيرة العربية والخليج والبحر الأحمر
ترجمة مرآة البحرين
يحلل هذا المقال نشوء التجربة الديمقراطية الأولى في البحرين وانهيارها، التي حدثت خلال مرحلة انتقال الخليج من الهيمنة البريطانية إلى هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية. عقب فترة وجيزة من نيل البحرين استقلالها، شهدت المملكة ازدهارًا ديمقراطيًّا في العام 1973، إذ بدأ البرلمان الأول في البلاد بتحدي سلطة الأسرة الحاكمة في ما يخص مجالات رئيسية عدّة كالميزانية الوطنية، والأمن الداخلي، والعلاقات الخارجية. كما سعى البرلمان أيضًا إلى وضع حدٍّ للوجود البحري الأمريكي، الذي رأى فيه أثرًا من مخلفات الحقبة الاستعمارية. ومع انسحاب القوّات البريطانية في العام 1972، تلقّت البحرية الأمريكية إشعارًا رسميًّا بالإخلاء في العام 1973، وإشعارًا آخرًا في العام 1975 كذلك. وكان الكونغرس الأمريكي يؤيّد الانسحاب أيضًا. وبعد مواجهتهم معارضة السلطة التشريعية البحرينية والأمريكية على حدٍّ سواء، سعى المسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية إلى تبيان الفرق بين الوجود الأمريكي والوجود الاستعماري البريطاني السابق، من خلال الاحتجاج بأنّ القاعدة البحرية الأمريكية ليس لديها التزام بالدفاع عن البحرين بل إنّ وجودها شكلي فحسب، ولا تتدخل في السياسات الداخلية للجزيرة، ووجودها ليس دائمًا بل يمكن إبطاله من قبل أي من الطرفين. وفي العام 1975، حلّ أمير البلاد البرلمان، ولم تتم إعادته حتى العام 2002. ومن خلال استخدام وثائق رفعت عنها السرية مؤخرًا، أوضّح ههنا أنّ المسؤولين الأمريكيين أعطوا الأولوية للحفاظ على القاعدة المتمركزة هناك على حساب دعم البرلمان وبالتالي كانوا متواطئين في الإطاحة بالديمقراطية في البحرين.
القاعدة البريطانية القديمة في البحرين |
1- المقدمة
لا نية لدينا لتولي الدور البريطاني السابق في الخليج1.
ترافقت مرحلة الانتقال من الهيمنة البريطانية إلى الهيمنة الأمريكية على الخليج الفارسي في مطلع السبعينيات مع (محاولة) تنفيذ عملية انتقالية أخرى: ظهور قوى إرساء الديمقراطية في البحرين وتدميرها اللاحق. ولعلّها كانت أهم الثورات في فترة ما قبل الربيع العربي ضد البنى الداخلية والخارجية للسلطة. وقد تمّ تكريس عدد كبير من المؤلفات لشرح استمرار الاستبدادية في الشرق الأوسط والخليج الفارسي على وجه الخصوص .وبحثًا عن تفسيرٍ لندرة الأنظمة الديمقراطية في المنطقة، درس العلماء دور الدين، والثقافة، ومؤسسات الدولة، وشبكات المحسوبية، والطائفية، والأجهزة الأمنية، إضافة إلى البنى الاقتصادية السائدة في المنطقة، التي أدّت إلى نشوء دولٍ ريعيةٍ. فمن جهة، قد تبدو المملكة البحرينية كنظام استبدادي مستقر، بما أنّ أسرة آل خليفة تتولّى الحكم منذ العام 1820، في ظل تمركز السلطة بأيدي عدد قليل من أفراد هذه الأسرة. لا يُسمح لقوى المعارضة، بموجب القانون، بتشكيل أحزابٍ سياسية، حرية التعبير مقيدة بشكل كبير. لقد تخلل تاريخ البحرين الكثير من الانتفاضات المطالبة بالإصلاحات الديمقراطية. وقد حدثت أهم محاولات إرساء الديمقراطية بعيْد نيل الإستقلال في العام 1971، مّما أدّى إلى تشكيل أول برلمان منتخب بالكامل في العام 1973. كانت التجربة الديمقراطية في البحرين قويّة غير أنّها لم تدم طويلاً. طعن النواب الموكلون الجدد في سلطة الأسرة الحاكمة في مجالات رئيسية عدّة: كالميزانية الوطنية والأمن الداخلي والعلاقات الخارجية. وكان البرلمان، على وجه الخصوص، يرغب في إنهاء الوجود البحري الأمريكي في البحرين. ولكن، ردًا على ذلك، حلّ الأمير البرلمان في العام 1975، ولم تتم إعادته حتى العام 2002.
ومن هنا، يشرح هذا المقال أنّ الأمر الذي لا بدّ من توضيحه ليس غياب محاولات إرساء الديمقراطية، بل بدلًا من ذلك، عملية إحباطها، أو الإطاحة بالديمقراطية. وفي الوقت نفسه الذي أعيد فيه تشكيل بنى السلطة الداخلية في البحرين، أعيد تشكيل علاقاتها الخارجية أيضًا. وبعد 150 عامًا، شارف عصر الهيمنة البريطانية على الخليج على نهايته، وكذلك الأمر بالنسبة لوجود البحرية الملكية. أما نظراؤهم الأمريكيون، فقد قرّروا البقاء. وبالاستعانة بالوثائق التي رفعت عنها السرية مؤخرًا، يسلّط هذا المقال الضوء على دور الولايات المتحدة خلال هذه الفترة الرئيسية من تاريخ البحرين. وفي نهاية المطاف، قد يساعد فهمنا لأحداث فترة السبعينيات على وضع الانتفاضة الأكثر حداثة في العام 2011، وحملة القمع الحكومية التي تلتها، في السياق التاريخي المناسب.
2- من الهيمنة البريطانية إلى الهيمنة الأمريكية على الخليج
تمّ تعريف حقبة الهيمنة البريطانية على الخليج (1820-1971) بالحاجة إلى الحماية. وخلافًا للمناطق الأخرى التي وقعت تحت سلطة الملكية البريطانية، أثبت الباحثون في منطقة الخليج أن الحماية البريطانية لم تكن فقط مفروضة من قبل السلطات العليا فحسب، بل أن حكام شرق شبه الجزيرة العربية جهدوا في السعي إليها أيضًا. ويمكن القول إنّ استمرار هيمنة باكس بريتانيكا -أي الإمبراطورية البريطانية- لهذه الفترة الطويلة على الخليج كان، تحديدًا، مستندًا إلى رضا الحكام2. اتّسمت السنوات التي سبقت الحماية البريطانية بالاضطراب السياسي، إذ ادّعى كل من الصفويين والعثمانيين والفرس والعمانيين، في فترات مختلفة، أنّ البحرين تابعة لهم، بينما تنافس الشيوخ المحليّون على كسب النفوذ أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، كانت طرق الملاحة البريطانية-الهندية عبر الخليج مهددة على نحو متزايد بسبب جباية الإتاوات البحرية، التي اعتبرتها بريطانيا شكلاً من أشكال القرصنة والإبتزاز. كانت الغاية من المعاهدة العامة في العام 1820 القضاء على القرصنة، ولكنها ضمنت أيضًا سيطرة أسرة آل خليفة، التي هاجرت إلى البحرين من منطقة الزبارة في قطر في العام 1798، والتي كان وضعها في الجزيرة غير آمن على الإطلاق. لقد عززت معاهدة العام 1820 سلطة آل خليفة من خلال الاعتراف بهم كحكّام للبحرين. وتمّ توقيع المزيد من المعاهدات التي عرفت بـ "الاتفاقيات الحصرية" في العامين 1880 و1892، التي تم من خلالها التنازل عن إدارة الشؤون الخارجية للبحرين إلى التاج البريطاني وكرست البحرين كـ"محمية بريطانية"3.
في العام 1947، عندما بدأت الولايات المتحدة الأمريكية استئجار مرافق بحرية في ميناء المنامة، كانت البحرين لا تزال محمية تابعة للإمبراطورية البريطانية. وفي الواقع، لم يلاحظ أحد بداية الوجود البحري الأمريكي في البحرين في العام 1947 آنذاك، لأنّ القاعدة هناك كانت، فعليًّا، مجرد واحدة من بين آلاف القواعد الخارجية التي اكتسبتها الولايات المتحدة في ذلك الوقت. ففي العام 1938، أعلنت الولايات المتحدة عن امتلاكها حوالي أربع عشرة منشأة عسكرية على أراضٍ أجنبية، وبعد مرور عشر سنوات باتت تملك عدّة آلاف المنشآت4. ومن خلال التركيز على البحرين، سيلقي هذا المقال الضوء على هذه الشبكة الأوسع من القواعد الخارجية. وسيوضح، على وجه الخصوص، كيف يمكن لهذه "القواعد المنتشرة حول العالم" التورّط في السياسة الداخلية للبلدان المضيفة. وحتّى الآن، لم يصدر إلّا القليل من التحليلات الجدية حول مدى قدرة الوجود الأمريكي على التأثير على عملية التحول الديمقراطي في البلدان المضيفة5.
سفن الأسطول الملكي البريطاني |
يأمل هذا المقال البدء بسدّ هذه الثغرة في الكتابات من خلال تحليل ظهور قوى إرساء الديمقراطية في البحرين وتدميرها في فترة السبعينيات. والبحرين تقدم نموذجًا مثاليًا لدراسة مماثلة، أولاً، لأنّها لا تزال تستضيف الوجود البحري الأمريكي منذ العام 1947، وهي مدّة أطول من مدة وجودها في أي بلد آخر في المنطقة، وثانيًا، لأنّها مرّت بفترة وجيزة من التحوّل الديمقراطي بعد نيلها الاستقلال من بريطانيا العظمى في العام 1971، وتلاه سبع وعشرون سنة من الحكم الاستبدادي. وحتى الآن، لم تحدث إلّا محاولات قليلة لشرح إحدى عمليات إبطال التحوّل الديمقراطي الأكثر جذرية في الشرق الأوسط6.
يتناول هذا المقال استدلالين يتعلقان بتاريخ السياسة المثيرة للجدل في البحرين، وتاريخ وجود البحرية الأمريكية في الخليج. ففي ظل زوال الإمبراطورية البريطانية، تخلّت لندن عن السلطة على ممتلكاتها الاستعمارية، وسحبت الكثير من قواعدها العسكري في الخارج. وبما أنّ الاقتصاد البريطاني الهش افتقر إلى الموارد للحفاظ على المكانة السابقة للإمبراطورية البريطانية، فإنّ قرار الانسحاب من البحرين كان مدفوعًا بالضغوط الاقتصادية والسياسية داخل بريطانيا أكثر من كونه مدفوعًا بالضغوط المناهضة للاستعمار7. وغالبًا ما كان يتم فهم الانسحاب البريطاني من الخليج على أنّه ناتج عن "التوسع الإمبريالي المفرط"، وهو مصطلح عمّمه بول كينيدي في كتابه "قيام وسقوط القوى العظمى". ويشير هذا المفهوم إلى جنوح القوى المهيمنة إلى التوسع عسكريًا إلى درجة تفوق قدراتها لدعم هذا التوسع اقتصاديًا. وإذا ازداد التضارب بين المصالح العالمية والقدرة على الدفاع عنها كثيرًا، فمن الممكن أن يطلق هذا الأمر عنان دينامية التقهقر. وعلى الرغم من أن كينيدي لم يكن مهتمًا بالتركيز على سياسات إنشاء القواعد بحدّ ذاتها، إلا أنّه لم يفته ذكر جنوح الحكومة الأمريكية إلى امتلاك أصول في الخارج ومن ثمّ التّمسّك بها. أبدى كينيدي، بطريقة ارتجالية تقريبًا، ملاحظة تفيد أنّ الخرائط التي تبيّن انتشار القوات الأمريكية حول العالم بدت "مماثلة بشكل استثنائي لسلسلة القواعد والحاميات التي كانت تمتلكها القوّة العالمية السابقة، بريطانيا العظمى، في ذروة توسّعها الاستراتيجي"8.
لم تكن هذه الخرائط تظهر تشابهًا فحسب، بل ذكر كينيدي أيضًا أنّه في العام 1985، كان للولايات المتحدة الأمريكية 520 ألف جندي منتشر في الخارج، بما فيهم 65 ألفًا في البحر، وهم "أكثر بكثير من عدد القوّات العسكرية والبحرية التابعة للإمبرطورية البريطانية، والتي كانت منتشرة في الخارج خلال أوقات السلم عندما كانت الإمبراطورية البريطانية في ذروة قوتها"9.
فبينما كان البريطانيون ينسحبون من الخليج الفارسي كجزء من سياسة "شرق السويس"، كان نظراؤهم الأمريكيون يخطّطون للبقاء، مع نيّة التمسك بالقاعدة البحرية في المنامة. وبعد مواجهتهم معارضة الكونغرس للاحتفاظ بالقاعدة وبالتالي تولّي دور بريطانيا في الخليج، سعى المسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية إلى تبيان الفرق بين الوجود الأمريكي والوجود الاستعماري البريطاني السابق، بالاحتجاج بأنّ العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والبحرين مبنية على أساس احترام سيادة هذه الدولة التي نالت استقلالها حديثًا. وعلى وجه الخصوص، كان يتم إظهار استمرارية وجود البحرية الأمريكية، على أنّه وجود غير مثير للمشاكل، إذ يتّصف بأنه، أولاً، عملية "رفع علم" رمزية غير مسؤولة عن ضمان الأمن الخارجي للبحرين، وثانيًا، هو بمعزل عن السياسة الداخلية للجزيرة، وثالثًا، هو محدود النطاق بموجب اتفاق تعاقدي يمكن إلغاؤه رسميًا من قبل أي من الجانبين. وعلى الأغلب، وافق الباحثون على هذه الرواية، محتجّين بأنّ المسؤولين الأمريكيين قرروا "عدم ملء الفراغ " الذي خلّفه البريطانيون، وأنّ تدخل الولايات المتحدة المتزايد في المنطقة لم يبدأ حتى اندلاع حرب الخليج الأولى في العام 199010.
لماذا كان مسؤولو وزارة الدفاع حريصين جدًا على الحفاظ على مركزهم العسكري في شبه الجزيرة العربية؟ ففي النتيجة، كان حجم التهديد السوفياتي للمنطقة يُعتبر فقط متوسطًا11، وقد كان هذا قبل انطلاق الثورة الإيرانية بسنوات عدّة. وقد قدم جيمس أر. بلايكر، الذي شغل سابقًا منصب نائب مساعد وزير الدفاع لتحليل السياسات، أحد أشمل التحليلات حول تغيّر استراتيجيات إنشاء القواعد العسكرية الأمريكية خلال القرن العشرين12.
بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية، أجمع خبراء الدفاع على ضرورة سعي الولايات المتحدة إلى تحصيل المزيد من المنشآت في الخارج في أيِّ وقتٍ متاح، وذلك من أجل توفير خيارات للتراجع. ببساطة، كان ذلك يعني أن إنشاء الكثير من القواعد أفضل من القليل، وهي فكرة عُرِفت بـ"الإنشاء الفائض للقواعد". ويلخص بلايكر آثار هذا "الإنشاء الفائض للقواعد" على النحو التالي:
وجهة النظر هذه رفضت الفكرة التي تقول إنّه ينبغي تحديد بنية القواعد الخارجية وطابعها وفقًا لردود فعل الدول الأخرى تجاه هذه القواعد، واستعاضت عنها بتأكيد مختلف كثيرًا وهو أنّ: القواعد تكون وفقًا لكيفية تكوين الولايات المتحدة لطابع الدول الأخرى13.
ومعنى هذا أنّ استراتيجيات إنشاء القواعد التي تتبعها الولايات المتحدة تنطوي على الحفاظ على المنشآت الخارجية حتى وإن كانت فائضة في الأساس وإن كانت لا تحظى بشعبية في البلدان التي تستضيفها. وبعد سنوات عدّة، أصبح تشالمرز جونسون من أكثر الناقدين للمقاربة الأمنية الأمريكية جرأةً ، وأعاد، صراحةً، صياغة ما كان مُضمَرًا في تقييم بلايكر بالقول إنّ: "النسخة الأمريكية للمستعمرة هي القاعدة العسكرية"14. وعلى الرغم من أنّ هذه التصريحات كانت استفزازية، إلا أنّها لا تقدّم الكثير من الشرح حول كيفية اكتساب القواعد العسكرية في الخارج لمواصفات البنية الاستعمارية أو الظروف التي يمكن فيها فعل ذلك.
ومن خلال دراسة مفصّلة، سأبيّن كيف أنّه يمكن، حتّى للمنشآت العسكرية التي كانت متوارية عن الأنظار وبريئة من مزاعم الإمبريالية، التّورط في السياسة الداخلية للبلد المضيف. وخلال أوائل السبعينيات، كان الوجود البحري الأمريكي في البحرين صغيرًا ويخدم إلى حد كبير أغراض "رفع العلم" (وجود شكلي). ولم تكن هذه البحرية تملك القدرة على خوض حرب حقيقية كما أنّها لم تكن جزءًا من احتلال عسكري. ولم يكن لديها التزام قانوني بمعاهدة لتأمين الحماية للبحرين من أي عدوان خارجي. كما إنه لم يكن لديها أي التزام بحماية الأسرة الحاكمة من منافسيها في الداخل. وأخيرًا وليس آخرًا، كانت الولايات المتحدة تفتقر إلى الطموحات الاستعمارية لسلفها البريطاني. ومع ذلك، كما سيُظهر التحليل التالي، أصبح الوجود البحري الأمريكي، خلال أربع سنوات فقط- بين العامين 1971 و1975- متورطًا في السياسة الداخلية للبحرين، وساهم، في نهاية المطاف، في فصل النظام عن الضّغوط لإرساء الديمقراطية.
فما الذي حدث خلال هذه السنوات الأربع؟ بعد نيل البحرين استقلالها، انتقلت البحرين من كونها محمية تابعة للإمبراطورية البريطانية الاستعمارية إلى دولة ذات سيادة تستضيف منشأة بحرية أمريكية صغيرة في ميناء العاصمة. وفي حين كانت علاقة البحرين ببريطانيا علاقة محمية بقوة استعمارية، يمكن وصف العلاقة بين الولايات المتحدة والبحرين بأنها علاقة بين راعي بالزبون. والزبائنية بتعريف غازيوروسكي هي "علاقة أمنية متبادلة المنفعة بين دولتين، أي ما يُعرف بالراعي والزبون، اللذين يختلفان اختلافًا كبيرًا في الحجم والثروة والقوة العسكرية والسياسية"15. عندما يقدّم الراعي الدعم العسكري أو المالي، أو يسمح للزبون بشراء الأسلحة، فإن هذا قد يقوّي النظام في وجه المجتمع المدني، ما يجعله أكثر استقلالية وأقل مسؤولية بنظر الشعب. وعلى الرغم من ذلك، يؤكد غازيوروسكي أن آثار الزبائنية على الديمقراطية والاستبدادية غامضة بعض الشيء: لأنها تعمل على تقوية الدولة في وجه الفئات الاجتماعية المحلية، وستدعم الزبائنية أي نظام قائم في المجتمع، سواء كان ديمقراطيًا أو استبداديًا16.
ويبدو أنّ كينت كالدر وأليكس كولي يوافقان على هذا التقييم، وهما من بين الباحثين القلّة الذين درسوا التّقاطع بين الاستراتيجيات الأمريكية لإنشاء القواعد والسياسات الداخلية للبلدان المضيفة. إذ يحاجج كولي بأنّ نظام البلد المضيف سيعترض على الوجود الأمريكي على الأرجح، عندما يشهد مرحلة تحوّل ديمقراطي، لا سيما إذا تمّت اتفاقيات إنشاء القواعد قبل التحول الديمقراطي17. ويعترف كالدر بإن "السياسة الأمريكية تميل إلى دعم الدكتاتورية إذا تعلّق الأمر (بإنشاء) قواعد"18. ولكن، على غرار غازيوروسكي، لا يفترض أيّ منهما أنّ الوجود الأمريكي نفسه قد يؤثر على طبيعة النظام المضيف، أو قد يؤدّي دورًا في تحديد حصيلة فترة انتقالية غير مؤكدة.
وسيقتفي استدلال آخر في هذه الدراسة أثر تاريخ حركة إرساء الديمقراطية التي أدت إلى إجراء الانتخابات العامة الأولى وتشكيل أول برلمان في العام 1973. وبشكل عام، لاقت مسألة إرساء الديمقراطية اهتمامًا علميًا أكبر بكثير من عملية الإطاحة بالديمقراطية العكسية.
وفقًا للراحل تشارلز تيلي من الممكن أن يكون هذا الأمر مقترنًا بفهم عملية إرساء الديمقراطية على أنّها مفتاح تشغيل، إن تمّ وصله لا يمكن فصله من جديد. وقد اقترح، بدلاً من ذلك، الاعتبار أنّ عملية إرساء الديمقراطية بمثابة مقياس حراري، الذي قد يرتفع أو ينخفض مع تغير الدرجات19. واستنادًا إلى تيلي، تتبع عملية إرساء الديمقراطية أربعة مسارات متوازية. ويُعرّفها بأنها تعاظم في أبعاد السلطة السياسية الأربعة:
(1) السعة: ضم مجموعة أوسع من الأصوات الشعبية.
(2) المساواة: تحقيق المزيد من المساواة بين تلك الأصوات.
(3) الربط: زيادة ربط خطوات الحكام بالصوت الشعبي.
(4) الحماية: حماية الصوت الشعبي بشكل أكبر من إجراءات الحكام التعسفية.
فإذن، تنطوي عملية الإطاحة بالديمقراطية على تقلّص السعة وتراجع المساواة والربط والحماية. وبعبارة أخرى، من الممكن لكل من أبعاد السلطة السياسية الأربعة أن يتّسع أو يتقلّص. يحاجج تيلي بأنّها عملية خلاف بين الحكام والمحكومين، التي يمكن أن تؤدي إلى تغيير في أي من الإتجاهين. وللأسف، خصّص اهتمامه لمسألة إرساء الديمقراطية أكثر من مسألة تفكّكها. ففي الديمقراطية، يشرح تيلي بشكل مقتضب، نوعًا ما، أنّ الإطاحة بالديمقراطية تحدث من خلال ثلاث عمليات في الدول الديمقراطية القوية نسبيًا: إما من خلال الغزو الخارجي، أو نتيجة انشقاق النخبة ورجوعها عن المواثيق الديمقراطية، أو الأزمات الإقتصادية. أما في الدول الضعيفة، يضيف احتمال رابع، وهو ظهور محاولات من قبل منافسين محليين للاستيلاء على السلطة، التي من الممكن أن تتدهور وتؤدي إلى حروب أهلية20. وباختصار، يرى تيلي، بحق، أنّ عملية إرساء الديمقراطية هي عملية داخلية طبيعية. ويعتقد أنّ عملية الإطاحة بالديمقراطية العكسية هي أيضًا بمعظمها عملية داخلية طبيعية، إلا في حالات الغزو الخارجي. ولكن، لا يُظهر السجل التاريخي أنّ الأمر دائمًا على هذا النحو.
وفي حالة البحرين، كان البرلمان يتحدى سلطة الأسرة الحاكمة في جبهات عدة، منها: الميزانية الوطنية والأمن الداخلي وعلاقاتها الخارجية وخصوصًا الوجود البحري الأمريكي في البحرين. ولعل الصراع الناتج كان أحد أكبر التحديات بالنسبة للنظام السياسي في المنطقة آنذاك، حيث كانت بنى السلطة المحلية وعلاقات البحرين الخارجية موضع خلاف. وبعد أن انجلى الغبار واستقرت الأمور، استطاعت القاعدة البحرية أن تصمد بخلاف البرلمان الذي حله الأمير في العام 1975. ولم تتم إعادة العمل به حتّى العام 2002. لذا، ما ينبغي شرحه ليس غياب الضغوطات من أجل إرساء الديمقراطية، بل شرح الأسباب وراء سحق التجربة الديمقراطية. أبرهن أن المسؤولين الأمريكيين أعطوا الأولوية لحماية قاعدتهم على دعم البرلمان. ومن خلال فعلهم هذا، انتهكوا ادّعاءهم باحترام الحدود التعاقدية لاتفاق القاعدة عبر رفض الانسحاب على الرغم من تلقيهم، لا إشعارًا واحدًا فحسب، بل إشعارين رسميين من الحكومة البحرينية بانتهاء خدمتهم21. والأهم من ذلك هو أن الحكومة الأمريكية أصبحت متورطة في عملية الإطاحة بالديمقراطية في البحرين.
تظهر حالة البحرين أنه أثناء حدوث عملية إرساء الديمقراطية نتيجة الصراع الداخلي بين الأسرة الحاكمة وخصومها، لم تكن عملية الإطاحة بالديمقراطية مجرد انعكاس للعملية السابقة، بل شملت الدعم الضمني للولايات المتحدة الأمريكية. وكان خطأ تيلي هو اعتباره أن الإطاحة بالديمقراطية هي مجرد انعكاس لعملية إرساء الديمقراطية، وفي استخفافه بدور القوى الخارجية.
يرتكز الدليل العملي على مقابلاتٍ أُجرِيت في البحرين والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى بين يناير/كانون الأول 2010 وربيع الـعام 2013، بالإضافة إلى وثائق رُفِعَت عنها السرّيّة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي والبحرية الأمريكية وجلسات الكونغرس مؤخرًا من العام 1970 إلى العام 1977.22 ولإعطاء دلالة على حجم المواد التي تم مراجعتها في السنوات الثلاث فقط بين العام 1974 و1976، وجدت 3332 وثيقة من وزارة الخارجية حول البحرين، ولم يُذكر إلّا قسم صغير منها مباشرة هنا.
القاعدة البحرية الأمريكية في ميناء سلمان، البحرين |
3. الصراع في مجلس الشيوخ الأمريكي على القاعدة في البحرين
حافظت الولايات المتحدة الأمريكية على وجود عسكري دائم في البحرين منذ العام 1947، وهي مدة أطول من مدة وجودها في أي بلد آخر في الخليج.23 وخلال الحرب العالمية الثانية، أُنشِئَت قوات الشرق الأوسط بهدف تأمين وصول عتاد الحرب إلى الاتحاد السوفييتي.24 وبعد انتهاء الحرب، أعيد نشر الأكثرية الساحقة من هذه القوات الـ 40000 خارج المنطقة، بينما بقيت وحدات القوة البحرية الصغيرة المعروفة بقوات الشرق الأوسط في البحرين. كانت أصغر قوة بحرية إقليمية. وتضمنت المهمة الرسمية للقاعدة البحرية في الجفير أعمالًا عدة؛ كان أهمها زيارة الموانئ و"تطبيق مبادئ السلام لبثّ النوايا الحسنة وجعل الوجود الأمريكي معروفًا من خلال رفع العلم".25 وكانت المهمة الإجمالية ذات طابع دبلوماسي، بشكل أولي، من دون أي قدرة قتالية حقيقية.
وعندما أعلنت بريطانيا عن خطتها للانسحاب في يناير/كانون الثاني من العام 1968، لم تكن البحرين تمتلك بعد قوتها العسكرية الخاصة لأنها كانت تعتمد بشكل كامل على الحماية البريطانية. وبعد مرور شهر، أي في فبراير/شباط من العام 1968 26، تمّ تشكيل قوات الدفاع البحرينية. وعلى أثر مغادرة البريطانيين، خطط مسؤولو الدفاع الأمريكيين لتدريب قوات محلية والاعتماد على إيران والسعودية كـ "ركيزتين" للاستقرار القومي. وقد خضع بعض الضباط الأساسيين في قوات الدفاع البحرينية لتدريباتٍ في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان من بينهم ابن الشيخ الحاكم ووزير الدفاع، الذي أمضى عامًا في كلية القيادة والاركان العامة في فورت ليفنورث، كانساس.27
وبسبب إدراكه للخسائر الأمريكية في الفيتنام والتوسع الإمبريالي المفرط الذي انقاد له البريطانيون، وعد الرئيس نيكسون في خطاب حالة الاتحاد في يناير/كانون الثاني من العام 1970 "بالحد من تدخلنا ووجودنا في شؤون الدول الأخرى".28 ووفقًا لجون لويس غاديس، كانت عقيدة نيكسون "مهمة"، لأنه كان الاعتراف الرسمي الأول له بأن "الولايات المتحدة لم تستطع تحمل نشر التزامات خارجية إلى أجل غير مسمى".29 ومع ذلك، بعد مرور 11 شهرًا، في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1970، أصدر نيكسون مذكرة قرار الأمن القومي 92 تحت عنوان "سياسة الولايات المتحدة تجاه الخليج"، التي أوضحت أن الرئيس قد:
اتخذ قرارًا في المبدأ بعدم الحد من الوجود البحري للولايات المتحدة في الخليج في الوقت الحالي، إلا في حال أثبت الاستقصاء اللاحق أنه أمر غير مقبول سياسيًا بالنسبة إلى أصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة. وفي هذه الحالة، لا بد من تقديم تقرير خاص للرئيس.30 [التأكيد مضاف]
وكما سنرى، ثبت أن الوجود البحري الأمريكي غير مقبول سياسيًا لكل من البحرينيين، والكثير من الدول المجاورة لهم في المنطقة. في الواقع، بعد ستة أيام فقط، قرر المسؤولون في سفارة الولايات المتحدة الأمريكية أنّهم سيخبرون الدول الساحلية الأخرى بقرار الحفاظ على الوجود البحري بدلًا من طلب موافقتها، لأنهم شكّوا بأن هذه الدول لا تحبذ بقاء الأسطول البحري.31 وكما وثّق غريغ غوز، فإن عملية انسحاب البريطانيين نفسها غيّرت مواقف الأنظمة في الخليج: وبحلول العام 1970، اقتنعت كل من الكويت والسعودية وإيران بأنه من الأفضل أن تنسحب القوات البريطانية كما كان مقرّرًا.32 ويبدو أن المسؤولين الأمريكيين في المنامة، الذين يدركون جيّدًا تبدّل الرياح السياسية في الخليج، افترضوا مسبقًا أنهم قد يواجهون مقاومة.
وبحلول ربيع العام 1971، كانت المباحثات مع آل خليفة قد أصبحت قيد الإجراء. وكان من أهداف الولايات المتحدة الأساسية التأكد من أنّ الاتفاق القانوني حول الوجود البحري لا يملي عليها التزام فعلي بالدفاع عن البحرين في حال نشوب أعمال عدائية. ووفقًا لمذكرة مشتركة صادرة عن وزارة الخارجية والدفاع في 20 مايو/أيار:
لا يجب أن يشير العنوان ولا اللهجة إلى أن هذا الاتفاق مفاده قاعدة مقابل حقوق، بناءً على قاعدة شيء مقابل آخر. فضلًا عن ذلك، ليس لدينا أي التزام أو اتفاق دفاع مضمر مع البحرين، ولا ينبغي أن يسفر الاتفاق عن أي التزام أو يشير إليه.33
ومن الفوائد الأخرى، من وجهة نظر البنتاغون، حصول الولايات المتحدة الأمريكية على حق استخدام مرافق المرفأ التجاري التجاري والمطار في البحرين بدلًا من الحصول على إذن في كل مرة. ووفقًا لتأكيد السفير السابق للولايات المتحدة في البحرين، كان هذا الأمر مهمًا بما أنّ "اتفاقيات مركز القوات قد تكون قضايا حساسة في الشرق الأوسط، مستعيدًا إلى االذهن الصور السياسية للاستسلامات للقوى الغربية.34
أصبحت القاعدة البحرية في الجفير معنية بصراع السلطة الضروس بين الفرع التنفيذي والكونغرس حول توجّه السياسة الخارجية الأمريكية. وتوصل عدد متزايد من أعضاء الكونغرس إلى خلاصة تفيد بأنّ الرئيس حصل تدريجيًا على نفوذٍ تزايد أكثر فأكثر في صياغة السياسة الأمريكية الخارجية، على حساب الكونغرس. وبحسب تقديرهم، بدأ البيت الأبيض منذ بداية الحرب العالمية الثانية باستغلال نفوذه لتوقيع اتفاقيات تنفيذية أسفرت عن عددٍ مفرط من الالتزامات في الخارج. والأمر الذي دفع أعضاء مجلس الشيوخ- من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء- إلى التحقّق من صلاحيات الرئيس في الحرب، هو ما يرون فيه أخطاء ارتُكِبَت في الفيتنام. فالصراع حول "الرئاسة الإمبريالية" لم يندلع فقط في الفيتنام بل أيضًا في الخليج وفي البحرين على وجه الخصوص.
وكانت الشخصيتان البارزتان في هذا الصراع السيناتور وليام فولبرايت (ديمقراطي)، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، والسيناتور كليفورد كايس (جمهوري). وقد أدرج الأخير قرار كايس الذي نص على تقديم اتفاقية القاعدة مع البحرين كمعاهدة إلى مجلس الشيوخ للمشورة والموافقة، وإلا سيتم وقف تمويل بناء القاعدة. وحثّ فولبرايت الحكومة صراحةً على الانسحاب من البحرين. أما ديفيد أبشاير، مساعد أمين سر الشؤون البرلمانية، فادعى أنه ليس من الضروري الحصول على موافقة الكونغرس لأن البحرين والولايات المتحدة لا تريدان معاهدة، بل أن كلا الطّرفين يفضلان اتفاقية تنفيذية. إذ حاجج بأنّ معاهدة تتضمن التزامًا بالدفاع، وهو أمر كانت الولايات المتحدة حريصة جدًا على تجنّبه، بالاضافة إلى استمرار بعلاقات رسمية مع الغرب، وهو الأمر الذي أرادت البحرين تجنّبه أيضًا. بالفعل، لم يرد آل خليفة أن تكون هناك نسخة باللغة العربية عن الاتفاقية على الإطلاق. وربما يكون الأمر الأكثر إيلامًا أن رسالة أبشاير أنكرت وجود تبعات أكبر للمعاهدة: "لا نية لدينا لتبنّي الدور البريطاني السابق في الخليج".35
وفي مطلع فبراير/شباط من العام 1972، عقد مجلس الشيوخ جلسات استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية حول القرار 214.36وخلال جلسات الاستماع هذه، حاجج الفرع التنفيذي بأن انسحاب البريطانيين بعد أكثر من قرن لم يسبّب فراغًا في السلطة، وأن الولايات المتحدة لا تسعى للحصول على الدور البريطاني السابق وأن المرافق في البحرين لا تشكل "قاعدة"، وأن لا التزام سياسي أو دفاعي للولايات المتحدة تجاه البحرين، وأن الاتفاق لم يتضمن أي سياسة جديدة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي النهاية، لم يكن مبدأ نيكسون ولا الرأي البرلماني الذي حدد سياسة الولايات المتحدة تجاه البحرين- بل رغبة البحرية في الحفاظ على القاعدة. عندما غادرت البحرية الملكية قاعدة الجفير في العام 1971، دخلت البحرية الأمريكية. وهكذا حصلت عملية انتقال السيطرة على الخليج من البريطانيين إلى الأمريكيين.
4. التجربة الديمقراطية
في 15 أغسطس/آب من العام 1971، أصبحت البحرين مستقلة، مع تخلي بريطانيا العظمى عن العلاقة التعاقدية الخاصة التي كانت تُحَمّلُها مسؤولية تولي العلاقات الخارجية. وكما ناقشنا باختصار أعلاه، فإنّ حكّام الدول العربية في الخليج "لم يسعوا إلى الاستقلالية عن لندن".37وعلى الرغم من أن الحركات المناهضة لبريطانيا كانت في البحرين أقوى من مثيلاتها في أي دولة أخرى في المنطقة، لم يسفر نيل الاستقلال عن ظهور قيادة معادية للاستعمار كما حصل في الدول أخرى التي حصلت على استقلالها حديثًا. وعلى النقيض من ذلك، بقي نفوذ آل خليفة الذين حكموا الجزيرة منذ العام 1820 كما هو: فأصبح الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أميرًا، وأصبح ابنه الشيخ حمد وزيرًا للدفاع، وأصبح الشيخ خليفة بن سلمان، أخو الشيخ عيسى، رئيسًا للوزراء. وكان هناك أيضًا استمرارية في النفوذ البريطاني. وعلى الرغم من أنّ الكثير من البريطانيين الذين يبلغ عددهم ثلاثة آلاف مدنيًا، والذين كانوا يقيمون في البحرين في ظل ظروف وصفها فريد هاليداي بـ "الظروف الاستعمارية القديمة"، غادروا البحرين في نهاية المطاف، إلا أنّ عددًا منهم بقي في الجزيرة وظلّوا يشغلون مراكز عليا في دواوين الدولة والشركات الخاصة.38
لم تظهر المعارضة ضد القاعدة في مجلس الشيوخ فحسب، انما اكتسبت زخمًا في البحرين نفسها. إن الشعور المناهض للبحرية الذي اجتاح الجزيرة في بداية العام 1970 يجب أن يُفهَمَ في السياق الأكبر للسياسات المثيرة للجدل في المنطقة. وعلى الرغم من اقتصاد البحرين الريعي، كان الاضطراب العمالي ميزة متكررة في الحياة العامة.
بين العامين 1936 و1937، وفي غضون سنوات قليلة فقط من اكتشاف النفط، تضاعفت نسب إيرادات نفط الدولة من 32.6% إلى 64.3%.39 وقد حدث أول إنجاز صناعي في العام 1943 في شركة نفط البحرين (بابكو). وبحلول الخمسينيات والستينيات، أُلغِيَت ضرائب سابقة وأصبحت البحرين دولة ريعية.40 غير أن ذلك لم يؤدِّ إلى خلق شعب خاضع أو هامد. على غرار الكويت، كانت البحرين واحدة من أوائل الدول في الخليج التي تأثرت بالأيديولوجيات القومية المُنبَعِثة من القاهرة وبغداد وكذلك الأيديولوجيات الاشتراكية الصادرة من موسكو وبكين. وقد حصلت خطوة كبيرة نحو التضامن بين طوائف المجتمع في العام 1954 في ظل تأسيس لجنة الاتحاد الوطني. وكان حلّ النزاعات السنية الشيعية شرطًا أساسيًا وضروريًا لخلق معارضة متّحدة ضد البريطانيين وحكم آل خليفة.41 وبالتالي، تُرجمت "الوحدة الوطنية" إلى سياسات معادية للاستعمار والطائفية. وفي العام 1955، تمّ تأسيس جبهة التحرير الوطني، وتم نشر أول برنامج رسمي لها في العام 1963. وكان من أبرز مطالبها الدعوة إلى التخلّص من الوجود العسكري البريطاني في البحرين. ونشأ بعد ذلك تيار راديكالي سمي بالجبهة الشعبية، وتعود جذوره الأيديولوجية إلى جورج حبش الذي أسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.42
اندلعت الاحتجاجات في الجزيرة خلال حرب السويس في العام 1956، وعقب تسريح مئات العاملين في شركة بابكو في العام 1965، وفي ربيع العام 1972 في ما يُعرَف بـ "انتفاضة مارس". وكان هذا مثالًا واحدًا فقط على تفاقم الاضطرابات العمالية في أوائل السبعينيات بزعامة اللجنة التأسيسية للعمال البحرينيين واتحاد المهنيين الذي مثّل اتحادًا بين جبهة التحرير الوطني والجبهة الشعبية. وتضمنت المطالب الأساسية تشريع النقابات وتحسين قوانين العمل والإفراج عن المعتقلين السياسيين. وردّت الحكومة بإرسال الشرطة وقوات مكافحة الشغب والجيش. كانت هذه المرة الأولى التي استُخدِمَت فيها قوة دفاع البحرين ضد المتظاهرين منذ تأسيسها في العام 1968.43وتزامنت حملة القمع مع احتمال إجراء العملية الانتخابية الأولى، التي كانت ستجري في ديسمبر/كانون الأول في العام 1973. وإضافة إلى الضّغط الشعبي، قد يكون الانقسام الذي حصل في داخل الأسرة الحاكمة ساهم في خلق ثغرة سياسية نتج عنها التقدّم الديمقراطي.44
وكان لحرب العام 1973 العربية-الإسرائيلية دورٌ في تحويل المشاعر المعادية لبريطانيا إلى مشاعر معادية للولايات المتحدة الأمريكية في كل أنحاء المنطقة. ولعلّ حظر النفط على الولايات المتحدة الأمريكية ومن ثمّ الارتفاع التّالي في أسعار النفط كانا أبرز المظاهر الحقيقية لامتعاض عربي ملموس من حيث تبعاته على الشعب الأمريكي. مع ذلك، لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد على النفط فحسب بل على حقوق النفاذ إلى القواعد ومنشآت الموانئ في كل أنحاء الشرق الأوسط أيضًا. وقرر عدد من الدول في المنطقة التأكيد على معارضة سياسات الولايات المتحدة من خلال قدرتهم على سحب هذه الحقوق. فأغلقت 11 دولة في الشرق الأوسط 28 مرفأ للولايات المتحدة الأمريكية، ردًا على دعمها لإسرائيل45 ولم تكن البحرين استثناءً. ففي 19 أكتوبر/تشرين الأول احتشد أكثر من 500 متظاهر في السوق مطالبين بإغلاق القاعدة الأمريكية، لذا قرر مجلس الوزراء تنفيذ المادة 14 من اتفاقية التمركز وأُمهِلَت البحرية الأمريكية سنة واحدة للانسحاب من الجفير.46 وشكل هذا الإشعار الرسمي بالإخلاء خسارة دراماتيكية للبحرية الأمريكية أكبر بكثير من خسارة إغلاق المرفأ فحسب وأظهر أيضًا أنّ القادة البحرينيين لا يخجلوا من ممارسة سيادتهم التي تمّ ترسيخها حديثًا.
وبعد شهرين من ذلك، في ديسمبر/كانون الأول من العام 1973، تم إجراء الانتخابات البرلمانية الأولى بعد استقلال البحرين. ودعا الدستور الجديد إلى إنشاء مجلس وطني، تألّف من ثلاثين عضوًا منتخبًا وأربعة عشر مسؤولًا معينًا، وأصبح وزراء الحكومة تلقائيًا أعضاء في البرلمان. وأسفرت انتخابات ديسمبر/كانون الأول من العام 1973 عن تشكيل ثلاث جماعات سياسية في البرلمان وهي: الكتلة الشعبية والكتلة الدينية وجماعة المعتدلين أو المستقلين. فازت الكتلة الشعبية بثمانية مقاعد وتشكلت من اشتراكيين وشيوعيين وقوميين عرب، فضلًا عن الجناح البحريني من الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي.47 أما الكتلة الدينية، فحصلت على ستة مقاعد ومثّلت الطائفة الشيعية في البحرين، في حين تألفت جماعة المستقلين من أفراد من طبقة التجار والتكنوقراط.48
واذا تذكرنا استدلال تيلي حول عملية إرساء الديمقراطية، نرى أنه تم دعم ثلاثة على الأقل من أصل أربعة أنواع من السلطة السياسية: إذ حصل اتساع في رقعة أصوات الشعب، وزيادة في المساواة بين هذه الأصوات، وزيادة في ربط الخطوات التي يتّخذها الحاكم بالبرلمان.
ولعلّ نجاح اليسار يثير الدهشة أكثر، إذ كانت الكتلة الشعبية قد قاطعت الانتخابات التي وصفتها بالتضليلية. وبدلًا من المشاركة، مارست الجبهة الشعبية تأثيرها بطرقٍ أخرى: فتولّت إدارة معظم فروع اتحاد طلبة البحرين في الخارج، وكان لها تأثير على الحركة العمّالية.49 وبالإضافة إلى الأيديولوجيات القومية العربية والاشتراكية، كانت الانتفاضة المسلحة في ظفار مقاومة تشجّع الشعوب على مقاومة الأسر الحاكمة في المنطقة. وكان قرار تغيير اسم هذه الجبهة في العام 1971 من جبهة تحرير ظفار إلى الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل أحد المؤشرات على انتشار تأثيرها.50
وعلى الرغم من كون التيارات السياسية راديكالية في البحرين إلا أنها لم تكن ثورية كالتي كانت في عمان واليمن. فالبرلمان المنتخب حديثًا في البحرين لم يكن يهدف إلى الإطاحة بحكم آل خليفة، وإنما إلى كبح جماح سلطتهم. وكانت القضايا الثلاث الأكثر إثارة للجدل آنذاك: إصلاح الأراضي وسياسة الموازنة والقاعدة البحرية الأمريكية في الجفير. وعلى الرغم من أن مناقشة هذه القضايا تمّت بشكل منفصل، إلا أنها كانت مترابطة في الواقع.
بالنسبة للقضية الأولى، طالبت الكتلة الشعبية بتحويل جميع الأرضي إلى ملكية عامة للدولة، بدلًا من بقائها ملكًا للأمير، الذي كانت لديه صلاحية بالتصرّف بالأراضي كما يحلو له، إذ كان يرى في الأرخبيل ملكًا خاصًا له. وكانت صلاحية الأمير بمنح الأراضي شكلًا من أشكال المحسوبية، فكان يوزع حصص الأراضي مقابل الولاء له أو مقابل خدمات أخرى. أما بخصوص قضية الموازنة، فقد أقرّ البرلمان مشروع قانون يمنح الأمير 6 ملايين دينار من مجموع ميزانية تبلغ 26 مليون دينار، غير أن الأمير عارض الأمر معتبرًا أن هذه الميزانية الشخصية غير مناسبة، وكذلك اعترض على الرقابة البرلمانية للميزانية الوطنية. وأخيرًا، ازدادت المشاجرات حول قاعدة الولايات المتحدة البحرية في الجفير. ولم يتم تسييس هذه القضية للغاية بسبب حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 فحسب، بل لتداخلها أيضًا مع القضيتين الخلافيتين الأخريين؛ أي إصلاح الأراضي وسياسة الميزانية.
وكانت العلاقات الأمريكية البحرينية تخضع كذلك لتحوّلٍ كبير. إذ رأت وزارة الخارجية الأمريكية أنه من الضروري أن تحسن علاقاتها الدبلوماسية مع البحرين، فعيّنت جوزيف توينام كأول سفير للولايات المتحدة في البحرين في صيف العام 1974.51 ومنذ ذلك الحين فصاعدًا، لم تعد البحرية الأمريكية المؤسسة الوحيدة التي تمثل حكومة الولايات المتحدة. ومع استمرار النزاعات السياسية في البرلمان، اقترب الموعد النهائي لانسحاب قوات الشرق الأوسط. فبذلت البحرية الأمريكية قصارى جهدها وأرسلت المسؤول الأرفع مستوى لديها إلى الجزيرة الصغيرة، وهو وزير البحرية ويليام ميديندورف، حاملًا مهمة إقناع البحرين بإلغاء إشعار الإخلاء.52 وفي 23 يوليو/تموز في اجتماعٍ بين السفير توينام، والعميد البحري روبيرت هانكس، ووزير الخارجية الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، تمّ الاتّفاق على إمكانية بقاء البحرية في المنامة. ولكن كان لهذا الاتّفاق الجديد ثمن وهو: زيادة بدل الإيجار بـ 600%، لذا باتت الدفعة السنوية تساوي 4 مليون دولار أمريكي. وقد وافق البنتاغون على دفع هذا المبلغ الزائد.53 وناقش عدد من العلماء قرار الولايات المتحدة بـ"عدم ملء الفراغ" الذي خلّفته بريطانيا في أوائل السبعينيات. اتبع غوز نويز في تقييمه أن "شعور الرأي العام الأمريكي بعد الفييتنام وحده يستبعد دور الولايات المتحدة العسكري المباشر بحيث تحل قواتنا مكان القوات البريطانية".54 وعلى الرغم من الرأي العام الأمريكي ومعارضة الكونغرس، وعلى الرغم من مبدأ نيكسون واستراتيجية "الرّكيزتين"، استطاعت البحرية النّجاح في سعيها إلى الحفاظ على منشآتها في البحرين.
وفي الوقت نفسه تقريبًا، أصدر الأمير "مرسومًا بخصوص أمور متعلقة بأمن الدولة"، والذي سمح لوزير الداخلية باعتقال وحجز أي شخص لمدة تصل إلى ثلاث سنوات في حال وجود سبب للاشتباه بأنّ هذا الشخص "يعرّض أمن الدولة للخطر أو يخطط لفعل ذلك أو يخلّ بالنظام العام".55 وقد شكلت موجة الاعتقالات والاحتجازات التي كانت تتم من دون محاكمات فضيحة كبرى لكون جهاز الأمن الداخلي تحت إدارة الكولونيل إيان هندرسون، وهو مواطن بريطاني. وكان الكولونيل هندرسون تسلّم هذا الدور في العام 1966 وبقي في منصبه حتّى العام 1998، عندما تم عزله.56
كانت المعارضة ضد وجود البحرية الأمريكي تكتسب زخمًا أيضًا. وكان لكل من الكتل السياسية الثلاث في المجلس الوطني سببها الخاص في الرغبة في التخلّص من القاعدة البحرية. ففي الوقت الذي رأت فيها الكتلة الشعبية شكلًا من أشكال الإمبرالية الغربية، اعترض المحافظون الشيعة على الأمر بسبب تأثيره المدمر على المجتمع التقليدي. أما الكتلة الوسطية أو المعتدلة فلم تمتلك سببًا قويًا لدعم طرد القاعدة البحرية. واستنادًا إلى مسؤولين في سفارة الولايات المتحدة، فإن المعتدلين تأثروا "بمشاعر القوميين العرب".57
وفي تصويتٍ شبه مجمع عليه، صوّت 29 من أصل ثلاثين عضوًا في البرلمان على إنهاء الاتفاقية مع البحرية الأمريكية. ووفقًا للمؤرخ البحري ديفيد وينكلر، لم يلقَ الإعلان البحريني اهتمامًا كبيرًا في واشنطن، خارج دوائر البحرية. إذ ذكر ما كتبه قائد البحرية كراو:
"...لا يبدو أنه كان هناك فهم واضح لسبب وجودنا هناك في الأصل...ونوعًا ما، كان بقاؤنا في الخليج أمرًا اعتدنا عليه أكثر من كونه سياسة." ومن "وجهة نظر قتالية، كان من الصعب بالنسبة للبحرية تبرير (وجود) قوات الشرق الأوسط التي كانت سرية "لرفع العلم". ولكن من حيث المبدأ العام، لم تكن البحرية تريد تترك مكانًا سبق لها أن أقامت فيه."58
أرسل سفراء الولايات المتحدة من الدول الخليجية المجاورة رسائل مفصلة حثّوا فيها بشدّة وزارة الخارجية على الانصياع لقرار البرلمان والمباشرة بالانسجاب. وفي 30 يوليو/تموز من العام 1975، بعث سفير الولايات المتحدة في الإمارات العربية المتحدة، مايكل ستيرنر، رسالة مطوّلة قال فيها إنّ:
عرب الخليج يتذكّرون الزمن الذي تمركزت فيه القوات البريطانية في البحرين ويميلون إلى أن يروا في وجود الولايات المتحدة هناك تذكرة عالقة عن الاستعمار القديم [...] والسؤال الأساسي بالنسبة إلى حكومة الولايات المتحدة الآن هو ما إن كان الحفاظ على وجودٍ يسير عكس هذه التيارات السياسية الجديدة (أو يُنظر إليه على أنه كذلك من قبل دول المنطقة) يستحق العناء. نحن نظن أن الأمر لا يستحق الجهد، وأنّ القرار الأكثر حكمة سيكون بالتأكيد استجابة حكومة الولايات المتحدة لطلب حكومة البحرين بخروج قوات الشرق الأوسط من البحرين في العام 1977.59
وبعد أيام قليلة، بعث سفراء الولايات المتحدة في عمان وقطر رسائل عبروا فيها عن دعمهم لاقتراح ستيرنر الذي يقضي بانسحاب البحرية من البحرين.60 وتوافق مسؤولو السفارة في المنامة مع نظرائهم في المنطقة. وفي مذكرة كتبت في 6 أغسطس/آب 1975، ذكر أنه "لدى قوات الشرق الأوسط أنصار أشداء خارج قصور آل خليفة".61 وبعد أسبوع، في 12 أغسطس/آب، صدر إشعار رسمي آخر بالإخلاء، أوجب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية بحلول 30 يوليو/تموز 1977.62
الأمير السابق عيسى بن سلمان |
وبدا أن آل خليفة قد رضخوا لسلطة المجلس الوطني، إذ حدّدوا موعدًا نهائيًا لانسحاب الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أنّه بدا وكأنّ ذلك مثّل ما يشبه انتصار داوود على جالوت بالنسبة للبرلمان الصغير، في مواجهة أقوى جيش في العالم وفي مواجهة قرون طويلة من تقاليد سلطة مضعضعة في البحرين، فإنّ أيام البرلمان كانت في الواقع معدودة.
5. الإطاحة بالديمقراطية
تم القضاء على التجربة الديمقراطية في البحرين عبر ثلاث خطوات. أولًا: خلال ليلتي 22 و23 أغسطس/آب تم إلقاء القبض على قادة يساريين من الجبهة الوطنية اليسارية والجبهة الشعبية. وبعد أن اعتقل آل خليفة المعارضة المُنَظّمة، تمكنوا من البدء بالخطوة الثانية من انقلابهم المُخَطّط بكل حذر. فقدّم رئيس الوزراء رسالة استقالته إلى أخيه الأكبر، الأمير في 24 أغسطس/آب. ومع استقالة رئيس الوزراء، استقال مجلس الوزراء المؤلّف من 14 عضوًا، تحت ذريعة عدم تمكنه من القيام بمهام مجلس الوزراء بسبب "نشاطات أعضاء المجلس الوطني غير المتعاونة والمعادية للقومية".63 وبدلًا من الموافقة على استقالته، أصدر الأمير مرسومًا إلى أخيه الأصغر يأمره بتشكيل مجلس وزراء جديد وبتقديم اقتراحات لتعديل الدستور وإزالة "العيوب والثغرات". أما الخطوة الثالثة والأخيرة فاتخذت في 25 أغسطس/آب عندما عمل الأمير بنصيحة أخيه، رئيس الوزراء، وحلّ المجلس الوطني. وبذلك بقيت ثغرة واحدة. إذ تنص الفقرة الثانية من المادة 65 من الدستور البحريني أنه في حال حلّ المجلس، لا بد من إجراء انتخابات في غضون شهرين من تاريخ الحل. وفي حال عدم حدوث ذلك، يعاد المجلس ويستعيد كامل صلاحيته الدستورية.64غير أن الأمير أعلن أيضًا أن هذه المادة باطلة وملغاة، وأرجأ الانتخابات الجديدة إلى أجل غير مسمى. وبعد يوم واحد، أي في 26 أغسطس/آب، أدّى مجلس الوزراء "الجديد" اليمين الدستورية، وتضمن هذا المجلس الأعضاء القدامى بالإضافة إلى اثنين من كبار البيروقراطيين اللذين كانا يرأسان وزارات في الحكومة السابقة. وبما أن هذا الأمر كان يجري خلال العطلة الصيفية، كان الكثير من أعضاء البرلمان خارج البلاد. غير أن أحد أبرز قادة الكتلة الشعبية، علي ربيعة، كان في البحرين وأرسل برقية إلى الاتحاد البرلماني الدولي، احتجاجًا على حلّ البرلمان، إلا أنه سرعان ما تم اعتقاله. وعقب عودة عبدالهادي خلف، الذي فاز بمقعد في البرلمان، إلى البلاد، تم اعتقاله على الفور.65 وفي ظل وجود المعارضة في السجون، وحلّ البرلمان وإرجاء الانتخابات إلى أجل غير مسمى، بسط آل خليفة سلطتهم من جديد وسحقوا منافسيهم. وهكذا أنهوا التجربة الديمقراطية في البحرين.
وقد كان مسؤولو السفارة الأمريكية الذين كانوا يراقبون ما اعتبروه "رقصة منيوويت" (أي رقصة كلاسيكية) سياسية حذرين في ما يتعلق بفهم أهمية توقيت الأحداث. وأظهرت الوثائق الداخلية أن المسؤولين رأوا أنه لا يمكن للحكومة قمع اليساريين طالما أنّ قضية مستقبل بقاء البحرية لم تُحَل بعد. وبالتّالي، أرسل آل خليفة في البدء إشعارًا بإنهاء الإيجار إلى السفارة ومن ثم استأنفوا القمع من أجل "إزالة هذه القضية من السياسات المحلية".66 وعلى الرغم من أن عددًا من البحرينيين ما زالوا يتهمون حكومة الولايات المتحدة "بتدبير" قرار حل البرلمان، إلا أن توقيت الأحداث جعل الاتهامات أقل تصديقًا. وبعد يومين من حل البرلمان، صرح رئيس الوزراء أن الحكومة لم تتخلَّ عن الديمقراطية البرلمانية بل إنها ستعود إليها بعد أن يتاح لها أخذ "قسط من الراحة". وأضاف المسؤول في السفارة الذي كان يكتب المذكرة التعليق التالي: "يعرف البحرينيون من سلالة غواصي اللؤلؤ بقدرتهم على حبس أنفاسهم لفترات زمنية طويلة".67
وقد دام "حبس الأنفاس" هذا سبعة وعشرين عامًا. فلم تُجرَ الانتخابات حتى العام 2002 وبعد سلسلة من الثورات في منتصف التسعينيات. كيف أثّر هذا التحول الدراماتيكي للأحداث على قاعدة الولايات المتحدة في الجفير؟ لم يتلق المسؤولون الأمريكيون إشعارًا واحدًا بالإخلاء، بل إشعارين، أحدهما في العام 1973 والآخر في العام 1975. إلا أن ردة فعل حكومة الولايات المتحدة الأولى كانت بعدم إبداء أي رد فعل على الإطلاق. وخلال الاجتماع الذي عُقِد بعد أسبوعين من حلّ البرلمان، أكد سفير الولايات المتحدة لوزير الخارجية "أنه لن يكون هناك رد فعل عام من قبل حكومة الولايات المتحدة" وأنه "واثق أنّنا اعتبرنا هذا القرار شأنًا بحرينيًا داخليًا".68 ولعلّ هذا الأمر يكون جديرًا بالملاحظة أكثر عندما يلاحظ المرء أن مسؤولي السفارة كانوا مدركين تمامًا أن حل البرلمان واعتقال قادة المعارضة لم يؤديا إلى حرمان اليساريين من حقوقهم فحسب بل طالا أيضًا الأغلبية الشيعية في البلاد. إذ لم يكن لدى الشيعة أي أحد ليمثلهم وهم فضلًا عن ذلك خسروا تأثيرهم على الحكومة عندما تم حل المجلس الوطني.69 وكذلك كان مسؤولو السفارة مدركين أنه لم يكن هناك "تهديد واضح لأمن الحكومة" وأن آل خليفة بحثوا فقط عن عذر لتبرير قرارهم بالقضاء على التجربة الديمقراطية.
وبعد مرور عام على تسلمها الإشعار بالإخلاء، لم يكن لحكومة الولايات المتحدة سياسة موحّدة حول التصرف إزاء الأمر. وبدا واضحًا وفقًا لوثائق رسمية أن البحرية كانت مصممة على البقاء في البحرين بغض النظر عن عدد الإشعارات التي تسلمتها الحكومة. وحاول السفير توينام أن يؤكد على مصالح البحرية الأمريكية خلال اجتماع عقده مع وزير الخارجية في 3 أغسطس/آب من العام 1976 وذلك بعد سنة من تسلم الإشعار بالإخلاء ومن حل البرلمان. وردًا على طلب الولايات المتحدة التمديد، قال وزير الخارجية أنه من غير الممكن تغيير الموعد النهائي المحدد في العام 1977. وأضاف قائلًا إنه بينما اتخذ قرار 1973 "بتسرع وبدافع العواطف"، فإنّ قرار 1975 اتّخذ بتروٍ أكثر، ولا يمكن للحكومة أن تتراجع عن قرارها. وقد عارض توينام الأمر قائلًا إن:
...في الوقت الذي كانت فيه حكومة الولايات المتحدة متفهمة تمامًا لعناصر الضغوطات الداخلية والإقليمية على البحرين حول هذه القضية، شعرنا صراحةً أن حكومة البحرين تبالغ في تقدير هذه الضغوطات السياسية.
ردّ وزير الخارجية على الأمر قائلًا إنّ موقع حكومة البحرين يتيح لها فهم الظروف أكثر من مسؤولي الولايات المتحدة. وزعم أن الدول المجاورة للبحرين "جميعها" لا تزال تحث البحرين على إنهاء الوجود البحري.
وبعد سلسلة زيارات رفيعة المستوى من قبل نائب وزير الدفاع ومفاوضات أخرى، توصل آل خليفة إلى تسوية مع حكومة الولايات المتحدة، مفادها أنه مقابل تأمين البحرية الأمريكية مساعدة عسكرية وإمدادًا بالأسلحة الأأمريكية، يمكنها البقاء في المنامة-مع وجود قيود-. وأثناء إعداد البحرين للائحة الأسلحة المطلوبة، كانت مروحية بيل 212 أولوية لها بهدف إنشاء أسطول من المروحيات. ومن الجدير ذكره أن الحصول على هذه المروحيات كان يتعلق بالأمن الداخلي أكثر منه بالأمن الخارجي وذلك لأن المروحيات كانت تستخدم للمراقبة خلال التظاهرات أو أشكال أخرى من الاضطراب الاجتماعي.70 وفي المقابل وافقت البحرية على حد عدد البحارة على الشاطئ إلى 75 بحارًا في أي وقت من الأوقات. ولم تسمح لعائلاتهم بالسكن في البحرين ولا برسوهم لأكثر من 120 يومًا في السنة. وعليه، لن تنتزع حكومة البحرين أيًا من عقارات البحرية الأمريكية لأن هذه المرافق تبقي بحارتها "بعيدين عن الأنظار ومشغولين". وفي النهاية، تم تخفيض الإيجار من 4 مليون دولار إلى مليونين لتتمكّن البحرين من التبرير للدول المجاورة لها بأن الوجود الأمريكي قد تقلّص إلى حد كبير. فضلًا عن ذلك، تغير اسم قاعدة البحرية إلى وحدة الدعم الإداري البحرين.71 وقد لخّص السفير السابق توينام الوضع بالتالي: "لم يعد للولايات المتحدة، نظريًّا، ما وصفه العرب بـ"حقوق المعاهدة" "للقاعدة" الموجودة في البحرين. وفي الواقع، لم يتغير إلّا القليل."72
6. الملاحظات الختامية
ومن أجل تحقيق هدفها بالحفاظ على القواعد البحرية الأمريكية غير الضرورية والفائضة، تغلّبت البحرية الأمريكية أوّلًا على المعارضة لاستمرار الوجود البحري في مجلس الشيوخ الأمريكي ومن ثم واصلت تغلبها على المعارضة في مجلس الوزراء البحريني في العام 1973 ومن ثم في البرلمان البحريني في العام 1975، واللذين أصدر كل منهما إشعارًا بالإخلاء. لم تفشل الولايات المتحدة في احترام قرار دولة ذات سيادة فحسب، بل فشلت أيضًا في انتقاد قرار حلّ البرلمان البحريني وإسكات المجتمع المدني علنًا. وقد ساعدت هذه الخطوات على إعادة ترسيخ سلطة أسرة آل خليفة الحاكمة، التي شكّك البرلمان في سلطتها. والجدير بالذكر هو أن الولايات المتحدة قد قامت بكل هذا من أجل مهمة "رفع العلم" فقط وليس من أجل قاعدة تعتبر، بأي شكل من الأشكال، ذات أهمية لأهداف حربية.
وفي الوقت الذي ينص فيه مبدأ الزبائنية على أن الزبون قد يمتلك الصلاحية لدعم نظام الدولة التابعة، يزعم هذا المبدأ أنّ الزبائنية تدعم أي نظام موجود في المجتمع؛ سواء كان ديمقراطيًا أو مستبدًا. آمل أن أكون قد تمكّنت من إظهار أن الولايات المتحدة الراعية قد أثرت في طبيعة نظام البحرين التابع وأنها قد تكون لعبت دورًا مهمًّا في تحديد حصيلة الفترة الانتقالية المبهمة. ففي فترة التأرجح بعد التقدّم الديمقراطي وقبل تثبيته، كان دور القوى الخارجية مهمًا على نحوٍ خاص.
وفي ما يتعلق بالقضية الكبرى حول انتقال الخليج من سيطرة البريطانيين إلى سيطرة الأمريكيين، فقد يكون هناك استمرارية أكثر من الذي ظُّن سابقًا. وخلال مباحثات مجلس الشيوخ في العامين 1971 و1972، زعم مسؤولو الدفاع أن لا قاسم مشترك بين منشآت البحرية الأمريكية في البحرين والوجود الاستعماري البريطاني السابق، وأن الولايات المتحدة لم تكن تسعى إلى لعب الدور البريطاني السابق في المنطقة. وقد اعتمدت هذه المزاعم بشكل أساسي على ذريعة أن الوجود البحري للولايات المتحدة لا يضمن أمن البحرين وأنه ليس معنيًّا بسياسة الجزيرة الداخلية ولا يتدخل بها، وأنه ليس وجودًا دائمًا بل من الممكن إلغاؤه من قبل أحد الطرفين. ومع ذلك، رأينا كيف أصبحت قاعدة الولايات المتحدة متورطة في الصراع السياسي بين آل خليفة ومنافسيهم، وكيف أنّها تجاهلت إشعارات الإنهاء، وكيف أنه من خلال موافقتها على تزويد النظام بالسلاح، بدأ الوجود الأمريكي يؤدّي دورًا في ما يتعلق بأمن البحرين الخارجي والداخلي.
التاريخ: 25 يونيو/حزيران 2014
* آيمي أوستن هولمز، زميلة ما بعد الدكتوراه في جامعة براون، رود أيلند، في الولايات المتحدة الأمريكية، وأستاذة مساعدة في علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية في القاهرة.
ملاحظة المؤلف: تمكنت من إجراء بحثي في البحرين والولايات المتحدة الأمريكية، جزئيًا، بفضل هبة من الجامعة الأمريكية في القاهرة.
______________________
الهوامش :
[1] : Abshire (Asst. Secretary for Congressional Relations) to Fulbright (Chair: Senate Committee on Foreign Relations), 17 Dec. 1971.
[2] : Onley, "Britain and the Gulf Shaikhdoms, 1820-1971: The Politics of Protection", CIRS Occasional Paper 4 (2009).
[3] للاطّلاع على تاريخ البحرين القديم أكثر:
Khuri, Tribe and State in Bahrain: The Transformation of Social and Political Authority in an Arab State (1980); Zahlan, The Making of the Modern Gulf States: Kuwait, Bahrain, Qatar, the United Arab Emirates and Oman (1989); Fuccaro, Histories of City and State in the Persian Gulf: Manama since 1800 (2009(
[4]: Lutz, The Bases of Empire: The Global Struggle against US Military Posts (2009(
[5] يدرس أليكس كولي أنماط الأنظمة الديمقراطية الانتقالية التي تستضيف قواعد عسكرية أمريكية من أجل إدراك الظروف التي يمكن يتم فيها تسييس المسألة. ولكنّه لا يفسّر كثيرًا إلى أي مدى يمكن أن يؤثر الوجود الأمريكي نفسه على عملية إرساء الديمقراطية.:
Cooley Base Politics: Democratic Change and the US Military Overseas (2008(
[6]: Khuri, Tribe and State in Bahrain (1980); Nakhleh, "Political Participation and the Constitutional Experiments in the Arab Gulf: Bahrain and Qatar", in Social and Economic Development in the Arab Gulf, ed. Niblock (1980); Lawson, Bahrain: The Modernization of Autocracy (1989(
[7] للاطّلاع على نقاش مفصّل حول عملية صنع القرار البريطاني بخصوص هذا الأمر:
Gause "British and American Policies in the Persian Gulf, 1968-1973", Review of International Studies 11.4 (1985), pp. 247-73.
[8]: Kennedy, The Rise and Fall of Great Powers: Economic Change and Military Conflict from 1500 to 2000 (1987), p.
[9] المصدر نفسه، ص. 521
[10]: Cordesman, Bahrain, Oman, Qatar, and the UAE: Challenges of Security (1997); Sick "The United States in the Persian Gulf: From Twin Pillars to Dual Containment", in The Middle East and the United States: A Historical and Political Reassessment, ed. Lesch (2007).
[11] على الرغم من أنّ السوفياتيين حاولوا نيل حقوق قواعد دائمة في الهند، والعراق وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وغيرها من الدول في المحيط الهندي، فقد تم رفضهم من الجميع، باستثناء الصومال:
Noyes, The Clouded Lens: Persian Gulf Security and US Policy (1979), p. 51; Gause, "British and American Policies in the Persian Gulf, 1968-1973", p. 261.
[12]: Blaker, United States Overseas Basing: An Anatomy of the Dilemma (2009). For other analyses of US basing strategies, see: Harkavy, Bases Abroad: The Global Foreign Military Presence (1989); Sandars, America's Overseas Garrisons: The Leasehold Empire (2000); Cooley, Base Politics; Calder, Embattled Garrisons: Comparative Base Politics and American Globalism (2009); Holmes, Social Unrest and American Military Bases in Turkey and Germany since 1945 (2014(
[13]: Blaker, United States Overseas Basing (1990), p. 29.
[14]: Johnson, The Sorrows of Empire: Militarism, Secrecy, and the End of the Republic (2004(
[15] : Gasiorowski "Dependency and Cliency in Latin America", Journal of Interamerican Studies and World Affairs 283 (1986), pp. 47-65.
Gasiorowski "Dependency and Cliency in Latin America", Journal of Interamerican Studies and World Affairs 283 (1986), pp. 47-65.
[16] انظر المصدر نفسه.
[17]: Cooley, Base Politics (2008).
[18]: Calder, Embattled Garrisons (2007), p. 117.
[19]: Tilly, Democracy (2007), pp. 59-60.
[20] انظر المصدر نفسه ص. 174-175.
[21] أصدر الإشعار الأول بالإخلاء في العام 1973 من قبل الحكومة، وأصدر الإشعار الثاني في العام 1975 من قبل البرلمان.
[22] كان أعضاء سابقون في البرلمان البحريني وجماعات معارضة مختلفة من ضمن الذين أجريت معهم المقابلات
[23] في العام 1945، اتفق المسؤولون في الولايات المتحدة والسعودية على بناء مطار في الظهران، إلا أنه أغلق في العام 1962. وعلى الرغم من أن الاتفاقات الجديدة وُقِّعت لاحقًا إلا أن الولايات المتحدة لم تحافظ على وجود عسكري مستمر في السعودية كما حالها في البحرين. انظر ساندارس America's Overseas Garrisons ، ص. 287
[24] سيك، "الولايات المتحدة في الخليج الفارسي"
[25] " سياسات تسلح الولايات المتحدة في الخليج الفارسي ومناطق البحر الأحمر: الماضي والحاضر والمستقبل"، تقرير بعثة استقصاء الموظفين إلى أثيوبيا وإيران وشبه الجزيرة العربية، ديسمبر/كانون الأول 1977.
[26] شكل معهد القوات العسكرية أحد الطرق التي أدت إلى الانفصال بين الأسرة الحاكمة السنية والأكثرية الشيعية من السكان، فالشيعة ممنوعون من العمل في الجيش في الوقت الذي يتم فيه تعيين المسؤولين من أفراد الاسرة الحاكمة أو عائلات التجار المخلصة. أنظر غينغلر "التحزب الملكي، الخوالد والتوريث "مشكلة الشيعة" في البحرين"، مجلة الدراسات العربية3.1 (2013)، ص. 69.
[27] بالنسبة إلى خلف، إن الهدف من عدد من التحضيرات العسكرية الأولية هو الحماية من التهديدات الداخلية والخارجية [خلف، "حركات العمال في البحرين"، تقرير الشرق الأوسط 132 (1985)].
[28] غاديس، استرتيجيات الاحتواء: النققيم النقدي لسياسة الأمن الوطني الأمريكي خلال الحرب الباردة (2005)، ص. 296.
[29] المصدر نفسه
[30] قرار الامن القومي مذكرة 92 في شأن "سياسة الولايات المتحدة تجاه الخليج الفارسي"، 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970
[31] الدول المشتركة/ مذكرة وزارة الدفاع، 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970
[32] غوز، "السياسات البريطانية والأمريكية في الخليج الفارسي، 1968-1973"، ملخص الدراسات الدوليو (1985)، ص. 255
[33] الدول المشتركة/ مذكرة وزارة الدفاع، 20 أيار/ مايو 1971
[34] توينام، الخليج والتعاون والمجلس: وجهة نظر أمريكية (1992)، ص. 93.
[35] أبشاير (مساعد أمين عام العلاقات البرلمانية) إلى فولبرايت (رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ)، 17 ديسمبر/كانون الأول 1971.
[36] عرف القرار بقرار القضية بعد أن رعاه السيناتور الجمهوري. جلسات الاستماع أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، 92 كونغرس، الجلسة الثانية، 1-3 فبراير/شباط 1972.
[37] غوز، العلاقات الدولية للخليج العربي (2010)، ص. 7.
[38] قبل استقلال البحريب ببضعة أشهر، أخبر مسؤول بريطاني مراسل أمريكي في مجلة نيو يورك تايمز أن: "إن البحرين مكان جميل، إنها تبدو كما كانت الهند". ورد في هاليداي، الجزيرة العربية من دون السلاطين: دراسة حول عدم الاستقرار السياسي في العالم العربي (1975)، ص. 475.
[39] لوسون، البحرين: تحديث الاسبداد (1989)، ص. 49.
[40] لوسون، البحرين: تحديث الاسبداد (1989)، مانسفلد وونكلر، "دور الصناعة السياحية في نقل الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد قابل للاستمرار على المدى الطويل: حالة البحرين"، القضايا الراهنة في مجال السياحة 11 (2008).
[41] خلف، "تحركات العمال في البحرين".
[42] مقابلة مع عضو سابق من الجبهة الشعبية، في المنامة، يناير/ كانون الثاني 2010.
[43] خلف، "تحركات العمال في البحرين".
[44] لمراجعة أي تفصيل صغير عن الانقسام داخل عائلة آل خليفة، انظر نخلة، "المشاركة السياسية والتجارب الدستورية في الخليج العربي: البحرين وقطر"، في التطور الاجتماعي والاقتصادي في الخليج العربي، المحرر نيبلوك (1980).
[45] إلى جانب البحرين كانت المطارات التي متحت في وجه الولايات المتحدة مطار لويس في موريشيوس؛ وكراتشي في باكستان وكولومبو في سريلانكا والمطارات الايرانية في بندر عباس وبندر شهبور [وينكلرو أمراء وقادات بحرية وبحارة صحراء: البحرين والبحرية الأمريكية والخليج العربي (2007)، ص. 70]
[46] انظر وينكلرو أمراء وقادات بحرية وبحارة صحراء: جويس، البحرين من القرن العشرين إلى الربيع العربي (2012).
[47] تنبأ العقيد إيان هندرسون، الذي كان رئيس جهاز الأمن الداخلي منذ العام 1966 والذي كان يعتبر عالمًا بالوضع السياسي، بفوز الجبهة الشعبية بمقعدين فقط في البرلمان. مقابلة مع عضو سابق في البرلمان في لندن، يوليو/تموز 2010.
[48] فخرو، "انتفاضة البحرين: تقييم"، في الخليج الفارسي في اللألفية: مقالات حول السياسة والاقتصاد والامن والدين، المحرران سيك وبوتر (1997).
[49] وفقًا لتقرير بعثة مسح الموظفين من ممثلي البيت الأبيض فإن لدى الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي خلايا في الصناعات الرئيسية ووزارات الدولة والجيش ["سياسات تسلح الولايات المتحدة في الخليج الفارسي ومناطق البحر الأحمر: الماضي والحاضر والمستقبل"، تقرير بعثة استقصاء الموظفين إلى أثيوبيا وإيران وشبه الجزيرة العربية، ديسمبر/ كانون الأول 1977].
[50] حدث التغير الثاني في الاسم بعد اتحاد آخر بين دول الخليج الشمالي ودول الخليج الجنوبي وتحول بذلك الإسم إلى الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي. لمعرفة المزيد عن هذه الجبهة انظر هاليداي: الجزيرة العربية من دون سلاطين.
[51] كان هناك في السابق سفير أمريكي واحد مسؤولًا عن الكويت وقطر وعمان والبحرين والامارات العربية المتحدة. جوزيف توينام هو أول سفير أمريكي مقيم في المنامة.
[52] بدت مهمته صعبة جدًا بسييي تصريحات هنري كيسنجر التي أدلى بها قبل بضعة شهور. في مقابلة أجريت مع بيزنس ويك في يناير/كانون الثاني 1974 لم يستبعد كيسينجر امكانية استخدام القوات المسلحة الأمريكية للاستيلاء على منشآت النفط في الخليج في حال أدى حظر النفط إلى ضغوطات اقتصادية.
[53] "تاريخ قوات الشرق الأوسط، 1974"، تقرير مكتب رئيس العمليات ىالبحرية، من قائد قوات الشرق الأوسط إلى مدير التاريخ البحري، 15 أبريل/نيسان 1975؛ وينكلرو أمراء وقادات بحرية وبحارة صحراء (2007)، ص. 73.
[54] نويز العدسة المظلمة (1979)، ص. 54؛ غوز، "السياسات البريطانية والأمريكية في الخليج العربي، 1968-1973".
[55] خلف: "التحركات العمالية في البحرين" (1985)
[56] قبل أن يصبح مسؤولًا عن الشرطة السرية في البحرين، عمل هندرسون كمسؤول استعماري في كينيا حيث شارك في قمع انتفاضة ماو ماو.
[57] مذكرة من سفارة الولايات المتحدة إلى المنامة، مايو/ أيار 1975.
[58] مذكور في وينكلرو أمراء وقادات بحرية وبحارة صحراء (2007)، ص. 75.
[59] رسالة من ستيرنر (سفير الولايات المتحدة، أبو ظبي)، 30 تموز/ يوليو 1975.
[60] رسالة من سفارة الولايات المتحدة، الدوحة، 2 آب/ أغسطس 1975؛ رسالة من سفارة الولايات المتحدة، مسقط، 5 آب/ أغسطس 1975.
[61] رسالة من سفارة الولايات المتحدة، المنامة إلى وزير الدولة، 6 آب/ أغسطس 1975.
[62] "تاريخ قوة الشرق الأوسط، 1974"، تقرير مكتب رئيس العمليات البحرية 5750، من قائد قوات الشرق الأوسط إلى مدير التاريخ البحري، 15 أبريل/ نيسان 1975.
[63] مذكرة من سفارة الولايات المتحدة، المنامة إلى وزير الخارجية، 24 آب/ أغسطس 1975.
[64] للنظر في دستور البحرين، راجع بارولين، " توليدات دساتير الخليج: المسارات والمنظورات"، في الاصلاح الدستوري والمشاركة السياسية في الخليج، الحرران خلف ولوسياني (2006) الصفحات 51-87.
[65] عبدالهادي خلف الذي ينتمي إلى الكتلة الشعبية ربح مقعدًا في البرلمان غير أن قاضيًا ألغى فوزه بالانتخابات.
[66] مذكرة من وزير الخارجية، 25 آأغسطس/آب 1975.
[67] مذكرة من سفارة الولايات المتحدة في المنامة إلى وزير الخارجية، 27 أغسطس/آب 1975.
[68] مذكرة من سفارة الولايات المتحدة في المنامة إلى وزير الخارجية، 11 سبتمبر/أيلول 1975.
[69] مذكرة من سفارة الولايات المتحدة في المنامة إلى وزير الخارجية، 12 سبتمبر/أيلول 1975.
[70] "سياسيات تسلح الولايات المتحدة في الخليج الفارسي ومناطق البحر الأحمر: الماضي والحاضر والمستقبل"، تقرير بعثة استقصاء الموظفين إلى أثيوبيا وإيران وشبه الجزيرة العربية، ديسمبر/ كانون الأول 1977. تدرب وزير الدفاع في ذلك الوقت، الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، في الغرب ليصبح طيار مروحية.
[71] وينكلرو أمراء وقادات بحرية وبحارة صحراء (2007)، ص. 81.
[72] توينام، الخليج والتعاون والمجلس (1992)، ص. 95.
- 2024-11-13وسط انتقادات للزيارة .. ملك بريطانيا يستضيف ملك البحرين في وندسور
- 2024-08-19"تعذيب نفسي" للمعتقلين في سجن جو
- 2024-07-07علي الحاجي في إطلالة داخلية على قوانين إصلاح السجون في البحرين: 10 أعوام من الفشل في التنفيذ
- 2024-07-02الوداعي يحصل على الجنسية البريطانية بعد أن هدّد باتخاذ إجراءات قانونية
- 2024-06-21وزارة الخارجية تمنع الجنسية البريطانية عن ناشط بحريني بارز