» رأي
سدنة العبودية
عباس المرشد - 2011-10-28 - 8:44 ص
الحراك نحو الديمقراطية لا يتطلب تعديلات هيكلية في النظام السياسي وحسب بل يتطلب أيضا وبصورة أكثر إلحاحا مواجهة أرضية الاستبداد وتعريتها وبعبارة أدق مواجهة سدنة العبودية والمروجين لها كنسق ثقافي وممارسات اجتماعية وسياسية. فتغيير الأطر القانونية والدستورية أو إجراءا انتخابات وتشكيل أجزاب سياسية لا يعني القدرة على إنجاز ثورة ديمقراطية ما لم يتم استئصال سدنة الاستبداد وبالتالي شل قدرتهم على إفراغ الأدوات الديمقراطية من مضمونها.
سدنة العبودية والاستبداد يمتلكون القدرة على المشاغبة والتخريب عبر بيانات الكراهية والتحريض ضد الديمقراطية والمطالبة بها، ونظرا لعجزهم وخوائهم المعرفي يمكنهم الالتفات لتوافه الأمور وشكلياتها وتحويل ذلك لأزمات وإشكاليات حياتية واجتماعية تصل لحد الاحتراب الدموي والتطهير العرقي والديني. الدور الوظيفي الذي يقومون به يماثل تماما دور البلطجية، فمهتهم الوحيدة هي إثارة الفوضى وتمييع القضايا وتشتيت الانتباه وحرفه عن المطالب الأساسية. أما الوسيلة والأداة فهي الصراخ والأخذ بالصوت والاندفاع نحو الاحتراب الجسدي رغم عجزهم وضعفهم بل وجبنهم عن مواجهة استحقاق مثل ذلك إلا أن تيقنهم من أن دعاة الديمقراطية أكثر حلما وأكبر عقلانية وأشد خوفا على التماسك الاجتماعي، تراهم ينفخون في أنفسهم ويهدودن بالوعيد والقصاص والضرب من حديد.
اختلاف العبودية عن سدنة العبودية لا يقع في تقديم الخدمة للسيد من قبل العبد، بل يقع في فناء العبد الذاتي وتأسيس شخصيته على أوامر وشخصية السيد، فعبر هذه العلاقة فالعبد لا يرى لنفسه استحقاق الوجود والحياة إلا من خلال إعطاء السيد له سلطة الهيمنة والسيطرة والحرية المطلقة، في حين يتمع العبد بما يفيضه عليه السيد من خيرات ونعم.
الاختلاف الثاني والأهم هو النزوع نحو الحرية، فالعبد الذي أصله حر يعشق الحرية ويرى في العبودية حالة طارئة ومؤقتة تسببها الأحداث والظروف، لذا فهو يسعى بكل ما يملك لأن يتخلص من العبودية وقد كفل نظام العبودية هذا الحق وهذه الرغبة ووضع شروطا وإن كانت مجحفة لتلبية نزعة الحرية لدى العبيد. فالأفارقة الذين أخذوا قهرا وظلما للقارة الأمريكية، ظلوا أحرارا في داخلهم وظلوا ينزعون نحو استعادة كرامتهم وحقوقهم حتى حصلوا عليهم قانونيا وعمليا. في حالة سدنة العبودية الوضع مختلف جدا فالأصل فيهم الخضوع والرغبة في الدونية، وبقول المغالين فإن أصولهم الجينية لا تحتوي على جينات الحرية والكرامة التي لو تحققت لديهم لرفضوها وفضلوا البقاء تحت سياج الاستبداد والعبودية.
المعادلة السياسية في البحرين هي تحقيق جيد لمثل هذه القصة، فقوى الموالاة تتقن مهارة القيام بدور سدنة العبودية وهي تعرف تماما الدور والوظيفة والغرض والأدوات التي يمكن استخدامها في مواجهة الثورة الديمقراطية ومطالب الحرية والكرامة. إذن هناك قصة طويلة في صياغة أولئك السدنة الذين يبدون معتوهين وسفهاء ويثيرون السخرية والازدراء.
خطورة سدنة العبودية تمكن في قدرتهم على تحويل الانشداد نحو الديمقراطية من حيزه السياسي المحدد إلى حيز طائفي بغيض، وفي حالة البحرين تبدو خريطة سدنة العبودية واضحة أنها تتوجه دائما نحو الداخل البحريني عبر تخويف أهل السنة من الشيعة ومحاولة تغييب الضمانات التي تقدمها الثورة الديمقراطية لوجودهم ومصالحهم، وفي المقابل فإن سدنة العبودية يخوفون دول المنطقة من قيام ديمقراطية يقودها الشيعة في البحرين وفي كلا المسارين يأخذ سدنة العبودية من إثارات التشيكيك في وطنية وولاء الثوار عباءة يتدثرون بها للإكثار من عبارات التخوين والعمالة ولإخفاء أسس حملاتهم الرخصية ضد الثورة الديمقراطية.
الخطورة الثانية لسدنة العبودية هي قدرتهم على التلون والاستجداء، وهي قدرة مستمدة من خلوهم من أي معيار للقيم والمبادئ، فكل ما يحركهم هو بقاء مصالحهم والخيرات التي يدلي بها أولياء النعم عليهم، فهم ينعمون بصب القهوة للاسياد ويرون أنفسهم في هذا الحقل لدرجة أن أسموا أنفسهم بفداوية الشيوخ في إشارة واضحة لخلوهم من أي معايير أو مبادئ يمكن الاتفاق عليها واحترامها. وعبر هذه الخصلة الشنيعة يمكنهم تحويل مواقفهم والانقلاب على تعهداتهم ويلجأون للكذب والافتراء.
الخطورة الثالثة لسدنة العبودية سعيهم الدائم للمزايدة في المواقف حسب متطلبات تحويل الأدوار والمواقف. والمزايدة لا تقع منهم كمبادرة بل هي في الأساس طلب وأمر يأتمرون به من قبل الأسياد أو ما يسمونه من جهات عليا (من فوق) فقناعتهم الراسخة هي أن الشيوخ يرون ما لا يراه الآخرون.
وفي هذا الصدد تذكر طرفة في أحداث الخمسينات أن أحد الشيوخ قال للثوار الديمقراطيين إن الشيوخ يرون ما لا ترونه أنتم فأجابه بسرعة البديهة أن الأشياء التي يراها الشيوخ ولا نراها هي الأعضاء الداخلية فبهت وغضب. لذا فإن المزايدة المطلوبة من سدنة العبودية هي لتخفيف الضغط على الأسياد وتشتيت الانتباه بفقاعات سخافاتهم.
* كاتب بحريني
اقرأ أيضا
- 2024-11-23التعايش الكاذب وصلاة الجمعة المُغيّبة
- 2024-11-20دعوة في يوم الطفل العالمي للإفراج عن الأطفال الموقوفين لتأمين حقهم في التعليم
- 2024-11-18النادي الصهيوني مرحبا بالملك حمد عضوا
- 2024-11-17البحرين في مفترق الطرق سياسة السير خلف “الحمير” إلى المجهول
- 2024-11-13حول ندوة وتقرير سلام تعزيز الديمقراطية.. أمل قابل للتحقيق