المعارضة البحرينية والوفاق وجدل المراوحة والتغيير
إيمان شمس الدين - 2015-01-09 - 2:47 ص
إيمان شمس الدين*
كشفت مجريات الربيع العربي عن عورات بعض الثورات وأسباب فشلها أو الالتفاف عليها، وأهم هذه العورات غياب القيادة الفاعلة والمؤثرة والجامعة، وتعطيل مؤسسات المجتمع المدني، وكلها تحت إرهاب القمع الأمني وحجة السيادة والتدخل الخارجي. إضافة لعدم وجود استراتيجية واضحة للمعارضين وأهداف مشتركة ورؤية جامعة للبديل في الدولة.
وجاء التصعيد الأخير من قبل النظام البحريني باعتقال أمين عام الوفاق ورمز المعارضة السلمي الشيخ علي سلمان ليطرح تساؤلات وجودية ومصيرية على المعارضة البحرينية من جهة وعلى الحراك المطلبي من جهة ثانية وعلى جمعية الوفاق من جهة ثالثة.
تكمن أهمية الشيخ علي سلمان كونه مايسترو الحراك السلمي وقائد أقوى الجمعيات البحرينية المعارضة من حيث الجمهور والتأثير السياسي والاجتماعي، فامتلاك القدرة على إدارة النفوس والقلوب يختلف عن امتلاك القوة على إدارة الأجساد، مما يجعل من اعتقاله مأزقا للسلطة من جهة وللحراك والوفاق من جهة أخرى، بل يدفع بالمعنيين في الوفاق والحراك السلمي المطلبي للتقييم النقدي البناء، وإعادة موضعة الحراك بما يتناسب المستجدات الزمكانية ولا يضر بالأهداف والغايات الاستراتيجية لكليهما.
فجمعية الوفاق مؤسسة مجتمع مدني ذات فعالية شعبية كمية ونوعية، من حيث قدرتها على تحريك الشارع ونوعية تأثيراتها على مستوى القرار في الدولة وفي الحراك الشعبي المطلبي على مستوى المعارضة،
وأغلب رموز المعارضة باتوا معتقلين فيأتي اعتقال الشيخ علي سلمان في إطار سياسة السلطة الأمنية في مواجهة الحراك المطلبي المحق بالقمع والعنف، ساعيًا لتفريغ الساحة الحراكية من قياداتها ومن ثم الانقضاض على الجمعيات المدنية بالإغلاق والتفكيك أو بتقييد حراكها ورهن استمرارها بالرضوخ لإملاءات السلطة، خاصة فيما يتعلق بالأمانة العامة والشخصيات التي يجب أن تتسنم القيادة فيها.
مأزق السلطة:
يعتبر الشيخ علي سلمان بوابة السلطة نحو المعارضة، كونه رجل سلمي بامتياز، يمتلك قدرة على ضبط نفسه وضبط الانفاعالات الشعبية والسياسية من قبل رموز الحراك، له تاريخ ثقيل في العمل البرلماني وعلى علم دقيق بزواريب السلطة ويعي طرقها والتفافاتها، معمم ومن يفهم بنية تفكير المجتمع البحريني وخاصة المعارض يعرف ماذا تعني العمامة له وما هو ثقلها وتأثيرها. معارض سلمي لا يؤمن بالعنف كمنهج في تحقيق مطالب الشعب السياسية، إضافة لإيمانه بمبدأ الشراكة مع النظام وليس مبدأ الإسقاط وتهديد الوجود، أي من المنادين بالإصلاح لا بالإسقاط للنظام. منفتح على الجميع بالحوار المنطقي، ودبلوماسي يملك مفاتيح الإقناع دون التنازل عن مطالب الشعب ولا عن مبادئه. ليس من دعاة الفتنة بل شخصية أحد أهم ميزاتها تأثيره في نشر لغة التعايش والتسامح الاجتماعي على أساس إيمانه العميق بمبدأ الدولة الدستورية والمواطنة.
له صولات حوارية مع الملك السعودي عبر وسطاء، ومع الأمريكي ومع كل المحاور المؤثرة سياسيًا وإقليميًا بما يعكس قدرة على تدوير الزوايا بما يتلاءم مع الواقع المحيط خليجيًا وإقليميًا، ودون أن يمس بمصالح دول محورية عظمى أو يغير من المطالب الأساسية في الحراك أو يمس مبادئ الثورة.
صمام أمان لعدم انفلات الحراك المطلبي نحو مآلات تؤدي لتقويضه والانقضاض عليه بضربة قاضية، حيث يمثل ورقة ضامنة لاستمراية سلمية الحراك بطريقة شكلت حرجًا للسلطة من جهة وللحكومات الغربية من جهةأخرى تحت ضغط المنظمات الحقوقية، التي استطاعت أن تثبت من واقع الميدان والتوثيق سلمية الحراك وحقانيته من خلال حراك مهم للمعارضة وخاصة للوفاق بهذا الصدد.
طبعا لسنا بصدد تأليه الشخص، وإنما بصدد قراءته من واقع مارسه ومعطيات عملانية هي من رسمت معالم شخصيته التي بكل تأكيد تتشاور مع أصحاب القرار في الوفاق والمعارضة، وتستفيد من الآراء والتجارب وتراكم على ما تملكه.
وهو ما يعني أن السلطة حرقت أوراق مهمة كانت تعتبر ذات وزن سياسي لأي محاولات مستقبلية للحل، وانتقلت بالحراك نحو خيارات قد تكون مفتوحة على كل التوقعات، وهو ما يثقل الاقتصاد البحريني في ظل انخفاض كبير لأسعار النفط، وفي ظل استنكار واسع غربي لمنظمات حقوقية ولجهات سياسية لاعتقال الشيخ سلمان، بما قد يعود سلبًا على أي استثمارات داخلية من قبل شركات غربية أو جارة.
هذا فضلًا عن استمرار دوامة عنف السلطة بل تصاعدها مع تصاعد عجلة الحراك ردًا على الاعتقال، وهو ما يسبب استنزافًا حقيقيا لقوات الأمن ولموازنتها المالية، بل الاعتقال بث روح جديدة في الحراك لم تحسب السلطة تداعياتها ومآلاتها حيث إنها هي من اعتقلت الشيخ وامتلكت زمام مبادرة التصعيد، لكنها لا تمتلك أبدا زمام السيطرة على ارتدادات هذا الاعتقال ومآلاته.
على مستوى الوفاق:
جاء الاعتقال بعد نجاح جمعية الوفاق بانتخابات الجمعية العمومية حيث فاقت نسبة التصويت توقعات المراقبين والسلطة، إضافة لإعادة انتخاب الشيخ علي سلمان أمينا عاما للجمعية، وهو بمثابة تجديد الثقة من قبل قاعدة الوفاق رغم كل محاولات التشويه التي قادتها أدوات السلطة في داخل جسد المعارضة بحق الشيخ علي سلمان، ومن جهة أخرى هو تثبيت لنهج الشيخ السلمي كخيار واقعي وحقيقي لاستمرار الحراك المطلبي، خاصة لما للوفاق من تأثير قوي في قرار القوى المعارضة والجمعيات السياسية.
انتخاب الشيخ علي سلمان من قبل القاعدة العريضة للوفاق يطرح تساؤلا مهما حول من هو البديل المقبول والمؤثر بعد الشيخ سلمان في حال لم يتم الافراج عنه في المدى المنظور، وما هي استراتيجية الوفاق بعد اعتقال أمينها العام ذو الكاريزما الشخصية والمنهجية المؤثرة بشكل كبير في إدارة الحراك المطلبي والتأثير فيه؟
وهل البنية الداخلية في الوفاق قائمة على أساس مؤسسي محكم بحيث لا يؤثر فيها اعتقال قيادتها سواء على مستوى أدائها الداخلي أو أدائها في ساحة الحراك المطلبي؟ أي هل المسلك القائم داخليًا وتنظيميًا مسلك قائم على أشخاص أو على عمل جماعي مؤسسي وعلى منهج معتمد للجمعية وسياسات واضحة يمكنها الاستمرار كمسلمات دون التأثر بغياب أحد الرموز والقيادات ؟
وفي حال اتخذ النظام قرارا بحل الجمعية فما هي الخيارات التي وضعها القائمون في الوفاق وتشكل بديلا ناجحًا وفاعلًا على مستوى قاعدة الوفاق ومستوى الحراك المطلبي والجمعيات السياسية ؟
الوفاق كجمعية معارضة لها ثقل كبير في الحراك المطلبي ،وعلى مستوى جمعيات المعارضة ومستوى الجماهير، وعليها اليوم مسؤوليات جسام، ومن المؤكد أنها في ظل 3 سنوات من تصعيد النظام ضد الحراك وفقدان خطوط حمراء في المناورة السياسية، فمن المؤكد أن لديها استراتيجيات بديلة للعمل ضمن توقعات الاعتقال والقتل والتغييب وهي احتمالات يفترض أن تكون واردة في ظل نظام تعسفي واجه الحراك السلمي بالسلاح والقمع والقتل وتزوير الحقائق وتحويل القاتل ضحية والضحية قاتل.
على مستوى الحراك والجمعيات المعارضة:
أغلب قيادات الجمعيات السياسية المعارضة المشاركة في الحراك المطلبي السياسي باتت تقبع في سجن السلطة، واليوم اعتقال الشيخ علي سلمان وما يمثله من ثقل كشخصية وكجمعية جاء ليكمل عملية تفريغ الحراك من القيادات، خاصة في وسط اجتماعي يؤمن كثيرا بالرموز والقيادات، عملية التفريغ المنهجي هذه للحراك من قياداته المهمة يدفع بالحراك والجمعيات المعارضة لإعادة النظر في التكتيكات الآنية والاستراتيجيات المرحلية للحراك المطلبي على ضوء تطورات الداخل ومعطيات الخارج الإقليمية، خاصة بعد دخول بريطانيا بشكل مكشوف في عداء واضح مع الحراك بل ومع رموزه، خاصة أنها من أعطت الضوء الأخضر لاعتقال الشيخ علي سلمانباصطفاف مخل مع النظام، فالعمل على نفس النهج وهو منهج القيادة والجمهور ومنهج الرموز بات عرضة للتقويض وقد يشكل عبئا على الحراك المطلبي في ظل تصدي النظام أمنيا للرموز والقيادات حتى السلمية منها، وهو ما يفتح الأفق أمام طرق جديدة للعمل ضمن منظومة جديدة، بحيث تحافظ على كيانية كل جمعية على حدة من جهة، ومن جهة أخرى تتحول كجمعيات معارضة إلى مؤسسة مدنية كبرى تنتخب مجلس تنسيقي يضم أهم الشخصيات الفاعلة من كل جمعية على حدة، فتصبح قيادة الحراك قيادة جماعية تتبنى السير على منهج متفق عليه وهو الحراك السلمي الإصلاحي ضمن خطة عمل يتوسع فيها الحراك ميدانيًا وجيوسياسيًا، معتمدًا في الجانب الجيوسياسي على التوعية والتعريف بحق الشعوب في الشراكة السياسية وحقها في المشاركة بالقرار، وهو ما يمكن أن تقوم به من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وشبكة العلاقات التي تربطها بالفاعلين من النخب الخليجية في مواقع القرار أو في بلدانهم، من حيث تبني مشروع إصلاحي سلمي، إضافة إلى ضرورة العمل على تفكيك الروابط البنيوية التي قامت عليها الأنظمة الخليجية منذ تسنمها السلطة وهي تحالف السلطة مع القبيلة مع المؤسسة الدينية القائم على أساس عصبيات تُحَدّد فيها الولاءات على أساس النسب وبالمال وتوزيع المناصب وبسلطة الفتوى.
وعلى المستوى الميداني إعادة توسيع الحراك ميدانيا بما يضمن ظهور تأثيراته في العاصمة المنامة، وتنويع أشكال الحراك ومصاديقه ليصل إلى كافة مؤسسات الدولة ومرافقها باستخدام الفن بكافة أشكاله، والتوعية الحقوقية غير المباشرة، والخلاقة بوسائل تتناسب والمكان الذي تطرح به. المهم كسر التأطير الذي مارسته السلطة بحق الحراك الميداني، وإفشال كل محاولات تحجيمه مناطقيًا.
فاليوم التحدي الكبير أمام جمعية الوفاق والمعارضة بكافة مشاربها هو كيفية تحويل عملية اعتقال الشيخ علي سلمان إلى محطة جديدة للانطلاق ولتنشيط الثورة وبث روح جديدة في طرق تفعيلها، بل الانتقال لها ميدانيًا لتعمم كمشروع يتم تبنيه في دوائر شعبية أو دوائر مؤسساتية مدنية أوسع من البحرين، ليكون، وإن على المدى البعيد، هناك مسار تفكيكي للبنية التي تأسست عليها الأنظمة في الخليج.
*كاتبة كويتية.
echamseddin@gmail.com