» تقارير
"أبو غايب" البريء من "القتل العمد": اعتقال، إطلاق سراح فاعتقال وحرية
2011-10-10 - 3:53 م
مرآة البحرين (خاص): تمثل قصة اعتقال الرادود "أبو غايب" واتهامه ومحاكمته دليلاً على الأساليب المعتمدة من قبل السلطات البحرينية، حيث دهمت أجهزة الأمن منزله واعتقلته ثم أفرجت عنه، بعدما اعتقلته ثانية، وذلك في قضية "القتل العمد" لآسيوي.
ما إن تلفظ كنيته حتى يعرفه الجميع. منشد ديني، يُعرف بالرادود "أبو غايب"، أسمه علوي سيد محسن العلوي. يحرص دائما على تأدية الواجبات الاجتماعية ولديه علاقات واسعة مع الناس بكل مستوياتها. محبوبٌ وورعٌ ومتدين. لحق بركب الزوجية متأخرا، ولديه إبنة ثلاثة أولاد.
حل العلوي (50 عاماً) "ضيفُا" دائمًا على سجون النظام متى عصفت بالبلاد أية أزمة أومنعطف سياسي، ليس لأنه سياسي ولكن يبدو أن مكانته الاجتماعية لها أثر واضح، علاوة على أثر الكلمات والأناشيد الدينية التي تُصنفها الحكومة في خانة السياسة. وقد صُمِدت عيناه في التسعينات داخل المعتقل لحوالي خمسة شهور وانتهت بتمزق في شبكة العين، وما زال الرجل أسير سجون النظام .
حادثة 13 مارس
بعدما انتشرت بلطجية النظام في كل المناطق والمدن لإثارة الرعب في الأهالي لحرف مطالب المحتجين السياسية وتحويلها إلى حرب طائفية، بُيعت وقتذاك ضمائر بعض العمالة الآسيوية بحفنة من المال لترويع الآمنين، ما اضطر الأهالي إلى التصدي لها. وفي إحدى أحياء أحياء المنامة عند الثامنة مساء، كان "أبو غايب" يتناول العشاء مع العائلة في شقتنا في الدور الأول.
سمعنا أصوات أقدام تجري، فأطل من النافذة ونزل مُسرعاً وعاد بعد أقل من عشر دقائق، قائلاً إن بعض الأسيويين حاولوا الاعتداء على الأهالي فتصدوا لهم، ثم أمسك الهاتف وطلب الإسعاف، وأطل من النافذة مرة أخرى حين سمع صوها ليرى الآسيويين وهم يركبون سيارة الإسعاف.
ليلة الاعتقال: 17 مارس
في أعقاب موجة التمشيط والمداهمات والاعتقالات التي بدأت بعد دخول القوات السعودية، بدأت أخاف من اعتقال زوجي، لكنه كان يُطمئنني: لم أفعل شيئا، لست سياسيا، أزيحي الوساوس من رأسك. وتلك الليلة كنا نياماً، غير أن صوتاً عالياً أشبه بالانفجار أيقضنا مذعورين، حيث تبينّ أن العسكر يداهم باب العمارة حيث نسكن. وما إن مضت ثوان حتى بدأوا بطرق الباب الخشبي وركله بالسلاح.
وما إن فتحه زوجي حتى أصيب بضربة قوية في البطن من ملثم أمام مرأى أطفاله الأربعة الذين تكوموا على بعضهم بعضاً، وأنتشر بعدها بقية الملثمين وعددهم 12 في شقتنا الصغيرة، وأخذه اثنان منهما بلباسٍ عسكري إلى مكان مجهول، واعتقلوا جارنا الذي يسكن في الأعلى. والغريب أنهم أعادوا الكرّة بعد أربعة أيام من المداهمة حيث دهموا الشقة ثانية بحثا عنه، وكسروا بابها وبعثروا محتوياتها، وسرقوا مبلغاً مالياً كان خبأه "أبو غايب" لدي كأمانة.
بقي شهرين في ملابس النوم، فحسبته ميتًا، ومرت كل الكوابيس بذاكرتي حتى تلقينا اتصالاً بإحضار ملابس له في دائرة التحقيقات الجنائية، فشعرتُ بالارتياح عندها لأنه لا يزال على قيد الحياة. وقبل إكمال شهره الثالث في المعتقل، وردنا اتصال الساعة 10 مساءًا، قائلا "غدًا في الثامنة صباحًا ستتم المحاكمة، عليكم بتوكيل محامي". أصابتني صعقة، فأين أجد محامي في تلك الساعة، ومن سيكون جاهزاً للمرافعة عنه، وما هي التهمة الموجهة إليه؟ وأسئلة أخرى بلا إجابة تدور في رأسي كأنها الموت.
وبعد الغيبة الطويلة التقينا في المحكمة، فبدا نابضاً، وأدركنا هناك فقط التهمة الموجهة إليه: "القتل العمد"، وما عُدت أعبأ بشئ ما دام في تلك اللحظة بقربي. وسمح في المحكمة لنا بالحديث معه لـ10 دقائق كفيلة لأرقب عرجه، لكنه وكعادته كان يخفي ألمه وراء ابتسامته.
وصدر أمرٌ ملكي بإلغاء المحاكم العسكرية، وتلقينا اتصالاً آخر قبل النطق بالحكم بجلسة واحدة، الساعة الثانية والنصف صباحاً ينبئنا بالإفراج عنه. فسارعنا نسابق خطواتنا لأخذه، وأمضى "أبو غايب" معنا أقل من 24 ساعة، إذ أن زوار الفجر لم يمهلونا حتى عادوا في الموعد نفسه وأخذوه ثانية "ليُكمل بقية الإجراءات وسيعود بعد قليل، حسبما قالوا. إلا أن القليل امتد لأكثر من ثلاثة أشهر أخرى في سجن الحوض الجاف، حيث انتظمت هناك الزيارات والاتصالات.
وكان كل الضباط يعدوننا بالإفراج عنه في كل أسبوع حتى جاء موعد إصدار الحكم في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر الحالي، متيقنة من أنه لن يتعدى الدقائق، فهي ساعاتٌ تفصلنا عن الغد بيد أنها أضحت دهرا. إما يعود معنا أو يذهب إلى مكانٍ خبره جيدا عندما كان شابا.
الرواية الرسمية: المتهمون جميعاً
وجاء في الرواية الرسمية أن "المتهمين" قتلوا عمداً وآخرين مجهولين آسيويا باستخدام "ألواح خشبية وسيوف وأسياخ حديدية" عند خروجه من منزله هارباً فانهالوا عليه بأسلحتهم، واتلفوا محتويات المبنى كافة وبابه الخارجي، كما اعتدوا بالضرب على آسيوي أخر.
وقد أثيرت تساؤلات أثناء جلسات المحاكمة، واكثرها إثارة هو ضابط التحري الذي اعتمد في تحرياته على "المصدر السري" ولم يكلف نفسه عناء معاينة مكان الجريمة، فضلا عن خلوه أية أدلة أو بصمات أو آثار، وبالتالي لم يتم التحقق من تهمة إتلاف محتويات المنزل. وبدا التباين واضحاً بين شاهد الإثبات (شقيق المجني عليه) وبين المتهمين بشأن مكان وقوع الحدث، ذلك أن الشاهد ذكره في داخل الشقة خلافا للواقع، حسب المتهمين، أي خارج المنزل، بينما أثبت تقرير الطبيب الشرعي أن الإصابات نتجت عن المصادمة والاحتكاك، ما يناقض إفادة الضابط المسؤول.
وكانت الحادثة التي رواها المتهمون جميعم قد وقعت في مجمع "301"، في حين أن شاهد الإثبات ذكر أنها وقعت في مجمع "304". وقد ثبت تقرير الطبيب الشرعي تعرض المتهمين للتعذيب المادي والنفسي القاسي لانتزاع الاعترافات، إضافة إلى أن المحاكم العسكرية غير مختصة بالتحقيق في هذه الجرائم المدنية.
النطق بالحكم
وطال الإنتظار في المحكمة حيث بدأت الجلسات بقضيتين أحدهما متعلقة بطلبة الجامعة الذين نالوا حُكما بالسجن 15 عاما. فغصت النساء بصراخهن، وعلا صوت الأم الجريحة: "لم لا يحكم بالمؤبد"، تشير إلى ابنها الوحيد ما أدى إلى إخراجها من قاعة المحكمة.
وبعدها حلت الكآبة في المكان، فالأحكام القاسية لا تنذر بخير، وأتى دور قضية متهمي المنامة بقتل آسيوي، وبدأ القاضي يتلو لائحة الاتهام: المتهم من 1 إلى 15 مؤبد. سكت القاضي، وأفقت على صوته يكمل باقي الحكم: "ما عدا المتهم الثامن براءة"، ففرحت لأنه علوي "أبو غايب" المتهم الثامن.
وتلفتُ حولي كل الوجوه واجمة، أي فرح مجنون لا يشاركك فيه الناس، فقد ركنوا صدمتهم جانبًا وجاءوا يباركون فرحي، في لحظات صعبة تخجل من فرحك في حضرة الأحكام القاسية، شكرت فيها المحامي، ولم أضف شيئا. ومضيتُ وورائي المحكمة بكل أجوائها المشحونة والمشاعر المختلطة. الصياح الآن هو الفرح.