» تقارير
أصفار الانتخابات: بعد موت تيار الموالاة الشيعي...من هم المشاركون؟
2011-10-09 - 10:32 ص
مرآة البحرين (خاص): أغرب النتائج التي أفرزتها الانتخابات داخل الدوائر 18، أن عدد المصوتين في هذه الانتخابات يناهز عدد الأصوات الخاسرة في انتخابات 2010 في نفس الدوائر، أي ما نسبته 23% من الكتلة الانتخابية التي شاركت في 2010 وذهبت أصواتها هدراً.
ويعطي هذا مؤشراً على أن هؤلاء "قد" يكونون هم من شارك اليوم أيضاً، باعتبار معظم أصواتهم قد ذهبت خارج خط المعارضة حين ذاك (عدا الأصوات التي ذهبت لقائمة البديل الوطني التي دخلت في مواجهة الوفاق)، وباعتبار أن جزءا كبيرا من المرشحين في هذه الانتخابات ترشحوا سابقا في هذه الدوائر ومنوا بالخسارة.
وتضم الدوائر 18 اختلاطا نسبيا بين الطائفتين (وقد رجحت فيها الأقلية السنية فوز 8 مرشحين منها بعد أن قتلت المقاطعة حظوظ المرشحين الشيعة)، وظهرت هذه الأقلية كذلك في الدوائر التي فاز فيها 6 مرشحين شيعة، وخصوصا في ثانية العاصمة، تاسعة الشمالية، ثانية الوسطى وخامسة الوسطى، ولكن بشكل أقل وضوحا، لضعف وجودهم هناك من جهة، ولانعدام المرشحين السنة أو ترشح واحد على الأكثر من جهة أخرى، وهو ما يفسر بلوغ المشاركة في هذه الدوائر الست مستويات أشد ضعفا.
يضاف إلى القوى الحاضرة في انتخابات هذه الدوائر، ما يستقطبه المتبقي من تيار الموالاة الشيعي (جمعية الرابطة وحزب محسن العصفور وبعض العوائل المعروفة) بالإضافة إلى بعض ذوي التوجهات المستقلة أو المناكفة للمعارضة أو التي لا يعجبها خط جمعية الوفاق.
الأقلية الخاسرة تفوز
مع أن هذه القراءة غير دقيقة تماماً، إلا أن حصيلتها هي أن هؤلاء أقلية شاركت في انتخابات 2010 وكانت خسارتها محتومة، لكنها وبعد عام واحد، تنجح في السيطرة على استحقاقات هذه الكتلة الانتخابية، ليكون المشهد "الديمقراطي" المذهل هو حكم الأقلية للأكثرية الساحقة، وفرض تمثيلها لهذه الكتلة، بفوزها على خيارهم السياسي!
وقد يدفع آخرون بأن المشاركين قد يكونون "جزءا" من الذين قاطعوا الانتخابات السابقة لثقتهم بأن أصواتهم كانت ستذهب هدرا لأنهم عاجزين عن إيصال مرشح معين يمثل توجههم في قبال مرشحي جمعية الوفاق المعارضة.
والقياس السابق ينطبق تماماً على هذه القراءة أيضاً، كون هؤلاء أيضاً وبحسب الأرقام التي أفرزتها تلك الانتخابات، أقلية بسيطة جداً في هذه الدوائر، وهم كذلك إما من الموالين للنظام (وغالبيتهم العظمى من الطائفة السنية) أو من الذين لا يستهويهم خط المعارضة، ويشعرون بالعجز عن مواجهته، وسينتج عن هذه القراءة محصلة أخرى وهي أن "الكتلة المؤثرة" التي شاركت في الانتخابات السابقة (2006 و2010) قد قاطعت هذه الانتخابات بشكل كامل!
وزير العدل يفشل في إرهاب المقاطعين
أما أن يكون المشاركون "جزءا" من الأصوات الفائزة في الانتخابات السابقة (تيار المعارضة) أو "جزءا" من الذين قاطعوا تلك الانتخابات بناء على توجهاتهم المختلفة وعلى خلفية اعتقالات "خلية 25" التي سبقت الانتخابات، فذلك احتمال منعدم، سواء كان هؤلاء من أنصار حركة حق وحركة الوفاء، أو من أنصار الجمعيات السياسية الذين كانوا محبطين من تجربة المشاركة السابقة ومآلات الوضع السياسي.
فبالرغم من الوسائل المتعددة التي استخدمتها الحكومة لترهيب الناخبين من المقاطعة، كإجبار الخارجين من بعض القرى على الذهاب للتصويت ليسمح لهم بالمرور من نقاط التفتيش أو مصادرة بطائقهم الخاصة في حال رفضهم، وكالتقرير الذي نشرته إحدى الصحف عن تباحث السلطات فرض عقوبات على المقاطعين تشمل حرمانهم من الخدمات والحقوق، وانتظار وزير العدل حتى عصر يوم الانتخابات لنفي ذلك، إلا أن مستوى القمع الذي تعرضت له جماهير المعارضة والاستفزاز الذي صنعته رسالة الوزير للشيخ عيسى قاسم، كان كفيلا بأن لا يتأثروا بهذه التهديدات، ولا يعطوها أي اعتبار.
ويمكن أن يدفع المراقبون بأن يكون المشاركون فئة من الذين قاطعوا سابقاً لأن الشأن السياسي لم يكن يهمهم ولا يجتذبهم، وكانوا يعيشون منشغلين عنه، وكان موقفهم نوعا من الحياد السلبي، ثم شاركوا اليوم بدافع الترهيب أو أية دوافع وقناعات أخرى.
وهذا احتمال غير وارد بتاتا، نتيجة لتغير نمط التفكير بشكل واسع وراديكالي جدا في هذا المجتمع بعد احتجاجات 14 فبراير، بحيث يندر أن يكون هناك أحد لا زال بعيدا عن الهم السياسي، خصوصا بعد أن طال ضرر حملة القمع وتأثيرها كل شرائح المجتمع والشيعة منهم خصوصاً دون استثناء، فإذا كان ثمة انعكاس سيحصل على هؤلاء فلن يكون سوى قصد المقاطعة بدلا من كونها سابقا مجرد تجاهل ولا مبالاة منهم.
ويبطل تماما أثر الترهيب الذي مارسه وزير العدل على الناخبين لدفعهم للمشاركة، أن عدد المشاركين لم يختلف بين الجولة الأولى والثانية في الدوائر التي حصلت فيها الإعادة، وخصوصا في الدوائر التي فاز فيها المرشحون الشيعة، في حين كان يستطيع هؤلاء أن يكتفوا بختم جوازاتهم في الجولة الأولى كتأكيد على مشاركتهم في هذه الانتخابات، وسد باب العقاب المزعوم عليهم، فمن هم الذين صوتوا في هذه الدوائر، ولماذا؟
القراءة المرجحة لأصوات المشاركة ودور المجنسين والعسكريين
مع أن رقم المشاركة الضعيف جدا لا يشكل أي فارق في كون الأغلبية الساحقة من الكتلة الانتخابية للدوائر 18 (موطن الغالبية الشيعية) قد قاطعت مقاطعة قاتلة، فإن القراءتين الأخيرتين وأي قراءة أخرى هي ضرب من المحال، فمجموع الأصوات التي شاركت هي 24097 صوت، ذهبت منها حوالي 14500 صوت إلى مترشحين سنة، وجاءت قطعاً من ناخبين يشكل أغلبيتهم الساحقة سنة موالون ومجنسون، فيما ذهب لكل المترشحين الشيعة في الدوائر 18 ما لا يتجاوز 9500 صوت موزعة على 30 مرشح.
وما ينسف كل القراءات الأخرى، هو أن هذا العدد 9500، هو الحد الأدنى الذي يمكن أن يعبر عن توزيع أصوات: تيار جميعة الرابطة وحزب محسن العصفور وبعض العوائل الشيعية الموالية للنظام وجزء من عوائل المترشحين، وهؤلاء جميعا لا تشكل نسبتهم شيئا أمام أهم 3 فئات من تركيبة المشاركين في هذه الدوائر، وهم:
أولاً: الموالون السنة الذين يسكنون في هذه الدوائر (إذ لم يجدوا مترشحين سنة في بعضها أو وجهت أصواتهم من قبل الحكومة لصالح مترشحين شيعة إلا أنها فشلت في 8 دوائر)
ثانياً: العسكريون الشيعة الذين أجبروا على التصويت.
ثالثاً: المجنسون الذين يعيشون هناك، وقد أظهرت الصور في ثانية العاصمة على سبيل المثال أنهم من شكل الغالبية العظمى من المشاركين
على ذلك، فإنه سيصح نسبة جزء من هؤلاء إلى الكتلة المؤثرة التي شاركت في انتخابات 2010 وحسمت فوز 18 نائباً معارضاً من الجولة الأولى، ونسبة الجزء الآخر إلى الذين قاطعوا الانتخابات السابقة لثقتهم بأن أصواتهم ستكون مهدرة في قبال مرشحي المعارضة، وهو ما ينتج أن الأصوات الخاسرة والعاجزة في انتخابات 2010 والتي لا تمثل سوى 13% من الكتلة، وعلاوة على كونها موجهة، فهي من رُجّحت في هذه الانتخابات الأخيرة، في حين أنها ليست إلا أصواتا زائدة في كتلة قسمت أساسا لتكون من نصيب الناخبين الشيعة.
تيار الموالاة الشيعي حصد أقل من 1000 صوت
وفي حين أكدت أنباء سابقة بأن جمعية الرابطة الإسلامية (تيار المرحوم المدني) وهي ممثل الموالاة في الشارع الشيعي لم تكن ترغب في خوض المعترك الانتخابي، بسبب المعارضة الكبيرة التي أبدتها جماهيرها وأعضاء في الجمعية، شاركت الجمعية بمرشح واحد فقط، ولم يحصل مرشحها الذي فاز في أولى الشمالية إلا على 831 صوتا فقط، بعد حملة خجولة ومرتبكة لم تلق أي صدى عند قواعدها، في حين أوصلت في انتخابات 2002 خمسة من أعضائها لمجلس النواب بسبب مقاطعة الوفاق، وحصل مرشحها شفيق خلف على1615 صوت في انتخابات 2006 رغم أنه نافس أمين عام الوفاق الشيخ علي سلمان
فيما فشل كاظم السعيد المرشح الخاسر من جمعية العدالة والتنمية (جمعية تأسست بعد حملة القمع ويقودها محسن العصفور المعروف بعدائه الشديد للوفاق وموالاته للنظام) في حصد أكثر من 365 صوتا، رغم محاولته استقطاب الناخبين السنة بدعوى محاربة الطائفية!
وانسحب النائب الأسبق الحليف لتيار الرابطة محمد عباس آل شيخ من المعترك الانتخابي لأسباب غير معلنة لكنها غير نظيفة، فيما لا يصنف كل المترشحين الشيعة الآخرين على أنهم حلفاء لتيار الرابطة، أو حتى من تيار الموالاة، وهم مجموعة من الشخصيات المغمورة، استغلت الظرف الراهن، وحصل بعضها على دعم واضح من النظام، ولا يمكن في كل الأحوال أن يعكس هؤلاء حقيقة أن يكونوا رَشَحوا من تيار موال للنظام داخل الشارع الشيعي، أو مناكف للمعارضة في حده الأدنى.
وسواء كان الذين شاركوا في هذه الانتخابات من الشارع الشيعي هم محسوبون على تيار الرابطة، أو محسن العصفور، أو العوائل الموالية، أو عوائل المترشحين، أو العسكريين المجبرين على المشاركة، أو أي من كان في موقف الحياد السلبي، فإن أصواتهم ليست فقط لا تشكل أدنى فارق في خيار المشاركة، بل هي أيضاً تعكس نهاية حقبة الموالاة أو الحياد في الشارع الشيعي، بعد الفرق الكبير الذي أحدثته مقاطعة 2011 بالنسبة إلى مشاركة 2002، التي رفدها هؤلاء بقوة، بل يرى مراقبون أن الذين شاركوا من هذا التيار لا يجب أن يحسبوا على الموالاة أيضا، فلم يدفعهم لذلك إلا العلاقة التاريخية والاجتماعية بالتيار، في حين أنهم لا يخفون معارضتهم الشرسة للنظام بعد حملة القمع.
إن موت تيار الموالاة داخل الشارع الشيعي، كان واضحا في مشاركة غالبيتهم العظمى في حراك اللؤلؤة، من التظاهر حتى الإضراب عن العمل، ما سبب عدم استثنائهم من حملة القمع كما في السابق إبان انتفاضة التسعينات، ومن ثم ابتعادهم كليا عن جمعية الرابطة واحتواءهم من المعارضة بعدة أوجه، وكذلك مهاجمة من تبقى من أتباع تيار المرحوم المدني جمعية الرابطة لانعدام دورها السياسي منذ إقصائها من مجلس النواب في 2006، وقرارها الأخير بالمشاركة في هذه الانتخابات، غير مراعية مشاعرهم المتأججة والأزمة القاسية التي يمرون بها، ورغم عجزها عن فعل أي شيء تجاه ذلك مع ما لها من حظوة لدى النظام.
ويدعم ذلك، استماتة النظام في سعيه بكل الطرق لبعث الحياة في هذا التيار دون جدوى، تارة عن طريق محسن العصفور وجمعيته الجديدة، وتارة عن طريق استقطاب الديوان لأي رجل دين شيعي مهما كان شأنه، وتارة أخرى بإعادة طبع كتاب يضم خطبا سابقة للراحل الشيخ سليمان المدني مؤسس التيار.
وإبان حملة القمع، أحدثت مواقف لشخصيات مهمة في هذا التيار فارقا فكريا عند قواعده لا يمكن تجازوه الآن، حتى لو تراجعوا هم عنها، وهي استقالة القضاة وأعضاء مجلس الشورى ومستشار الملك محمد علي الستري، بالإضافة إلى استقالة كل من الوزير مجيد العلوي والوزير نزار البحارنة المحسوبين على النظام ضمنا، وكذلك البيان التاريخي للشيخ أحمد العصفور (أعلى زعامة لتيار الموالاة في الوقت الحاضر) والذي أدان فيه النظام وأعلن فيه استقالته من كل مناصبه وحث كل أفراد عائلته من المسئولين والقضاة على الاستقالة.
وعلى هذا النحو، تأتي نتائج المشاركة في الانتخابات، التي مثل فيها الشيعة 2% فقط من كل الكتلة الانتخابية، لتحبط مزاعم أن الذين شاركوا في منتدى الحوار (الذي مثلت الانتخابات استفتاء عليه) هم من كل فئات المجتمع، مسقطة بذلك كل ما يتمخض عنه، بما فيها تركيبة المجلس المعاق.
لقد خسرت الدولة قواعد التيار الموالي في الشارع الشيعي، وهي تخسر تدريجيا وبأشكال متعددة تأييد ودعم الشخصيات المهمة الممثلة لهذا التيار، أو المتماهية معه من بعض رجال الدين والتجار ووجهاء العوائل وشخصيات المجتمع، وذلك بضغط من قواعدهم ودوائرهم الضيقة، لتعلن بذلك نهاية وجود التيار الشيعي الموالي على الأرض، وتكشف انخراط قواعده ضمن فريق المعارضة، متجاوزين خلافات الرؤية الدينية داخل الشارع الشيعي، ومتوحدين في الهم والألم، وفي مقارعة الظلم والاضطهاد، من منظور وطني، مع نظرائهم المقموعين شيعة وسنة، متدينين وعلمانيين، في مشهد يبين التعاضد الكبير الذي خلفته ثورة 14 فبراير بين شريحة كبيرة من المجتمع ضمت كل الشيعة والسنة الذين كانوا ضمن دائرة "الخونة" في حسابات النظام الخاسرة.
كم سيصمد هذا البرلمان؟ هذا هو سؤال الحلقة الأخيرة من هذا التقرير، الذي ستجيب عليه إحصاءاتنا بدقة، على هامش انعقاد الدور الجديد.
مرآة البحرين (خاص): أغرب النتائج التي أفرزتها الانتخابات داخل الدوائر 18، أن عدد المصوتين في هذه الانتخابات يناهز عدد الأصوات الخاسرة في انتخابات 2010 في نفس الدوائر، أي ما نسبته 23% من الكتلة الانتخابية التي شاركت في 2010 وذهبت أصواتها هدراً.
ويعطي هذا مؤشراً على أن هؤلاء "قد" يكونون هم من شارك اليوم أيضاً، باعتبار معظم أصواتهم قد ذهبت خارج خط المعارضة حين ذاك (عدا الأصوات التي ذهبت لقائمة البديل الوطني التي دخلت في مواجهة الوفاق)، وباعتبار أن جزءا كبيرا من المرشحين في هذه الانتخابات ترشحوا سابقا في هذه الدوائر ومنوا بالخسارة.
وتضم الدوائر 18 اختلاطا نسبيا بين الطائفتين (وقد رجحت فيها الأقلية السنية فوز 8 مرشحين منها بعد أن قتلت المقاطعة حظوظ المرشحين الشيعة)، وظهرت هذه الأقلية كذلك في الدوائر التي فاز فيها 6 مرشحين شيعة، وخصوصا في ثانية العاصمة، تاسعة الشمالية، ثانية الوسطى وخامسة الوسطى، ولكن بشكل أقل وضوحا، لضعف وجودهم هناك من جهة، ولانعدام المرشحين السنة أو ترشح واحد على الأكثر من جهة أخرى، وهو ما يفسر بلوغ المشاركة في هذه الدوائر الست مستويات أشد ضعفا.
يضاف إلى القوى الحاضرة في انتخابات هذه الدوائر، ما يستقطبه المتبقي من تيار الموالاة الشيعي (جمعية الرابطة وحزب محسن العصفور وبعض العوائل المعروفة) بالإضافة إلى بعض ذوي التوجهات المستقلة أو المناكفة للمعارضة أو التي لا يعجبها خط جمعية الوفاق.
الأقلية الخاسرة تفوز
مع أن هذه القراءة غير دقيقة تماماً، إلا أن حصيلتها هي أن هؤلاء أقلية شاركت في انتخابات 2010 وكانت خسارتها محتومة، لكنها وبعد عام واحد، تنجح في السيطرة على استحقاقات هذه الكتلة الانتخابية، ليكون المشهد "الديمقراطي" المذهل هو حكم الأقلية للأكثرية الساحقة، وفرض تمثيلها لهذه الكتلة، بفوزها على خيارهم السياسي!
وقد يدفع آخرون بأن المشاركين قد يكونون "جزءا" من الذين قاطعوا الانتخابات السابقة لثقتهم بأن أصواتهم كانت ستذهب هدرا لأنهم عاجزين عن إيصال مرشح معين يمثل توجههم في قبال مرشحي جمعية الوفاق المعارضة.
والقياس السابق ينطبق تماماً على هذه القراءة أيضاً، كون هؤلاء أيضاً وبحسب الأرقام التي أفرزتها تلك الانتخابات، أقلية بسيطة جداً في هذه الدوائر، وهم كذلك إما من الموالين للنظام (وغالبيتهم العظمى من الطائفة السنية) أو من الذين لا يستهويهم خط المعارضة، ويشعرون بالعجز عن مواجهته، وسينتج عن هذه القراءة محصلة أخرى وهي أن "الكتلة المؤثرة" التي شاركت في الانتخابات السابقة (2006 و2010) قد قاطعت هذه الانتخابات بشكل كامل!
وزير العدل يفشل في إرهاب المقاطعين
أما أن يكون المشاركون "جزءا" من الأصوات الفائزة في الانتخابات السابقة (تيار المعارضة) أو "جزءا" من الذين قاطعوا تلك الانتخابات بناء على توجهاتهم المختلفة وعلى خلفية اعتقالات "خلية 25" التي سبقت الانتخابات، فذلك احتمال منعدم، سواء كان هؤلاء من أنصار حركة حق وحركة الوفاء، أو من أنصار الجمعيات السياسية الذين كانوا محبطين من تجربة المشاركة السابقة ومآلات الوضع السياسي.
فبالرغم من الوسائل المتعددة التي استخدمتها الحكومة لترهيب الناخبين من المقاطعة، كإجبار الخارجين من بعض القرى على الذهاب للتصويت ليسمح لهم بالمرور من نقاط التفتيش أو مصادرة بطائقهم الخاصة في حال رفضهم، وكالتقرير الذي نشرته إحدى الصحف عن تباحث السلطات فرض عقوبات على المقاطعين تشمل حرمانهم من الخدمات والحقوق، وانتظار وزير العدل حتى عصر يوم الانتخابات لنفي ذلك، إلا أن مستوى القمع الذي تعرضت له جماهير المعارضة والاستفزاز الذي صنعته رسالة الوزير للشيخ عيسى قاسم، كان كفيلا بأن لا يتأثروا بهذه التهديدات، ولا يعطوها أي اعتبار.
ويمكن أن يدفع المراقبون بأن يكون المشاركون فئة من الذين قاطعوا سابقاً لأن الشأن السياسي لم يكن يهمهم ولا يجتذبهم، وكانوا يعيشون منشغلين عنه، وكان موقفهم نوعا من الحياد السلبي، ثم شاركوا اليوم بدافع الترهيب أو أية دوافع وقناعات أخرى.
وهذا احتمال غير وارد بتاتا، نتيجة لتغير نمط التفكير بشكل واسع وراديكالي جدا في هذا المجتمع بعد احتجاجات 14 فبراير، بحيث يندر أن يكون هناك أحد لا زال بعيدا عن الهم السياسي، خصوصا بعد أن طال ضرر حملة القمع وتأثيرها كل شرائح المجتمع والشيعة منهم خصوصاً دون استثناء، فإذا كان ثمة انعكاس سيحصل على هؤلاء فلن يكون سوى قصد المقاطعة بدلا من كونها سابقا مجرد تجاهل ولا مبالاة منهم.
ويبطل تماما أثر الترهيب الذي مارسه وزير العدل على الناخبين لدفعهم للمشاركة، أن عدد المشاركين لم يختلف بين الجولة الأولى والثانية في الدوائر التي حصلت فيها الإعادة، وخصوصا في الدوائر التي فاز فيها المرشحون الشيعة، في حين كان يستطيع هؤلاء أن يكتفوا بختم جوازاتهم في الجولة الأولى كتأكيد على مشاركتهم في هذه الانتخابات، وسد باب العقاب المزعوم عليهم، فمن هم الذين صوتوا في هذه الدوائر، ولماذا؟
القراءة المرجحة لأصوات المشاركة ودور المجنسين والعسكريين
مع أن رقم المشاركة الضعيف جدا لا يشكل أي فارق في كون الأغلبية الساحقة من الكتلة الانتخابية للدوائر 18 (موطن الغالبية الشيعية) قد قاطعت مقاطعة قاتلة، فإن القراءتين الأخيرتين وأي قراءة أخرى هي ضرب من المحال، فمجموع الأصوات التي شاركت هي 24097 صوت، ذهبت منها حوالي 14500 صوت إلى مترشحين سنة، وجاءت قطعاً من ناخبين يشكل أغلبيتهم الساحقة سنة موالون ومجنسون، فيما ذهب لكل المترشحين الشيعة في الدوائر 18 ما لا يتجاوز 9500 صوت موزعة على 30 مرشح.
وما ينسف كل القراءات الأخرى، هو أن هذا العدد 9500، هو الحد الأدنى الذي يمكن أن يعبر عن توزيع أصوات: تيار جميعة الرابطة وحزب محسن العصفور وبعض العوائل الشيعية الموالية للنظام وجزء من عوائل المترشحين، وهؤلاء جميعا لا تشكل نسبتهم شيئا أمام أهم 3 فئات من تركيبة المشاركين في هذه الدوائر، وهم:
أولاً: الموالون السنة الذين يسكنون في هذه الدوائر (إذ لم يجدوا مترشحين سنة في بعضها أو وجهت أصواتهم من قبل الحكومة لصالح مترشحين شيعة إلا أنها فشلت في 8 دوائر)
ثانياً: العسكريون الشيعة الذين أجبروا على التصويت.
ثالثاً: المجنسون الذين يعيشون هناك، وقد أظهرت الصور في ثانية العاصمة على سبيل المثال أنهم من شكل الغالبية العظمى من المشاركين
على ذلك، فإنه سيصح نسبة جزء من هؤلاء إلى الكتلة المؤثرة التي شاركت في انتخابات 2010 وحسمت فوز 18 نائباً معارضاً من الجولة الأولى، ونسبة الجزء الآخر إلى الذين قاطعوا الانتخابات السابقة لثقتهم بأن أصواتهم ستكون مهدرة في قبال مرشحي المعارضة، وهو ما ينتج أن الأصوات الخاسرة والعاجزة في انتخابات 2010 والتي لا تمثل سوى 13% من الكتلة، وعلاوة على كونها موجهة، فهي من رُجّحت في هذه الانتخابات الأخيرة، في حين أنها ليست إلا أصواتا زائدة في كتلة قسمت أساسا لتكون من نصيب الناخبين الشيعة.
تيار الموالاة الشيعي حصد أقل من 1000 صوت
وفي حين أكدت أنباء سابقة بأن جمعية الرابطة الإسلامية (تيار المرحوم المدني) وهي ممثل الموالاة في الشارع الشيعي لم تكن ترغب في خوض المعترك الانتخابي، بسبب المعارضة الكبيرة التي أبدتها جماهيرها وأعضاء في الجمعية، شاركت الجمعية بمرشح واحد فقط، ولم يحصل مرشحها الذي فاز في أولى الشمالية إلا على 831 صوتا فقط، بعد حملة خجولة ومرتبكة لم تلق أي صدى عند قواعدها، في حين أوصلت في انتخابات 2002 خمسة من أعضائها لمجلس النواب بسبب مقاطعة الوفاق، وحصل مرشحها شفيق خلف على1615 صوت في انتخابات 2006 رغم أنه نافس أمين عام الوفاق الشيخ علي سلمان
فيما فشل كاظم السعيد المرشح الخاسر من جمعية العدالة والتنمية (جمعية تأسست بعد حملة القمع ويقودها محسن العصفور المعروف بعدائه الشديد للوفاق وموالاته للنظام) في حصد أكثر من 365 صوتا، رغم محاولته استقطاب الناخبين السنة بدعوى محاربة الطائفية!
وانسحب النائب الأسبق الحليف لتيار الرابطة محمد عباس آل شيخ من المعترك الانتخابي لأسباب غير معلنة لكنها غير نظيفة، فيما لا يصنف كل المترشحين الشيعة الآخرين على أنهم حلفاء لتيار الرابطة، أو حتى من تيار الموالاة، وهم مجموعة من الشخصيات المغمورة، استغلت الظرف الراهن، وحصل بعضها على دعم واضح من النظام، ولا يمكن في كل الأحوال أن يعكس هؤلاء حقيقة أن يكونوا رَشَحوا من تيار موال للنظام داخل الشارع الشيعي، أو مناكف للمعارضة في حده الأدنى.
وسواء كان الذين شاركوا في هذه الانتخابات من الشارع الشيعي هم محسوبون على تيار الرابطة، أو محسن العصفور، أو العوائل الموالية، أو عوائل المترشحين، أو العسكريين المجبرين على المشاركة، أو أي من كان في موقف الحياد السلبي، فإن أصواتهم ليست فقط لا تشكل أدنى فارق في خيار المشاركة، بل هي أيضاً تعكس نهاية حقبة الموالاة أو الحياد في الشارع الشيعي، بعد الفرق الكبير الذي أحدثته مقاطعة 2011 بالنسبة إلى مشاركة 2002، التي رفدها هؤلاء بقوة، بل يرى مراقبون أن الذين شاركوا من هذا التيار لا يجب أن يحسبوا على الموالاة أيضا، فلم يدفعهم لذلك إلا العلاقة التاريخية والاجتماعية بالتيار، في حين أنهم لا يخفون معارضتهم الشرسة للنظام بعد حملة القمع.
إن موت تيار الموالاة داخل الشارع الشيعي، كان واضحا في مشاركة غالبيتهم العظمى في حراك اللؤلؤة، من التظاهر حتى الإضراب عن العمل، ما سبب عدم استثنائهم من حملة القمع كما في السابق إبان انتفاضة التسعينات، ومن ثم ابتعادهم كليا عن جمعية الرابطة واحتواءهم من المعارضة بعدة أوجه، وكذلك مهاجمة من تبقى من أتباع تيار المرحوم المدني جمعية الرابطة لانعدام دورها السياسي منذ إقصائها من مجلس النواب في 2006، وقرارها الأخير بالمشاركة في هذه الانتخابات، غير مراعية مشاعرهم المتأججة والأزمة القاسية التي يمرون بها، ورغم عجزها عن فعل أي شيء تجاه ذلك مع ما لها من حظوة لدى النظام.
ويدعم ذلك، استماتة النظام في سعيه بكل الطرق لبعث الحياة في هذا التيار دون جدوى، تارة عن طريق محسن العصفور وجمعيته الجديدة، وتارة عن طريق استقطاب الديوان لأي رجل دين شيعي مهما كان شأنه، وتارة أخرى بإعادة طبع كتاب يضم خطبا سابقة للراحل الشيخ سليمان المدني مؤسس التيار.
وإبان حملة القمع، أحدثت مواقف لشخصيات مهمة في هذا التيار فارقا فكريا عند قواعده لا يمكن تجازوه الآن، حتى لو تراجعوا هم عنها، وهي استقالة القضاة وأعضاء مجلس الشورى ومستشار الملك محمد علي الستري، بالإضافة إلى استقالة كل من الوزير مجيد العلوي والوزير نزار البحارنة المحسوبين على النظام ضمنا، وكذلك البيان التاريخي للشيخ أحمد العصفور (أعلى زعامة لتيار الموالاة في الوقت الحاضر) والذي أدان فيه النظام وأعلن فيه استقالته من كل مناصبه وحث كل أفراد عائلته من المسئولين والقضاة على الاستقالة.
وعلى هذا النحو، تأتي نتائج المشاركة في الانتخابات، التي مثل فيها الشيعة 2% فقط من كل الكتلة الانتخابية، لتحبط مزاعم أن الذين شاركوا في منتدى الحوار (الذي مثلت الانتخابات استفتاء عليه) هم من كل فئات المجتمع، مسقطة بذلك كل ما يتمخض عنه، بما فيها تركيبة المجلس المعاق.
لقد خسرت الدولة قواعد التيار الموالي في الشارع الشيعي، وهي تخسر تدريجيا وبأشكال متعددة تأييد ودعم الشخصيات المهمة الممثلة لهذا التيار، أو المتماهية معه من بعض رجال الدين والتجار ووجهاء العوائل وشخصيات المجتمع، وذلك بضغط من قواعدهم ودوائرهم الضيقة، لتعلن بذلك نهاية وجود التيار الشيعي الموالي على الأرض، وتكشف انخراط قواعده ضمن فريق المعارضة، متجاوزين خلافات الرؤية الدينية داخل الشارع الشيعي، ومتوحدين في الهم والألم، وفي مقارعة الظلم والاضطهاد، من منظور وطني، مع نظرائهم المقموعين شيعة وسنة، متدينين وعلمانيين، في مشهد يبين التعاضد الكبير الذي خلفته ثورة 14 فبراير بين شريحة كبيرة من المجتمع ضمت كل الشيعة والسنة الذين كانوا ضمن دائرة "الخونة" في حسابات النظام الخاسرة.
كم سيصمد هذا البرلمان؟ هذا هو سؤال الحلقة الأخيرة من هذا التقرير، الذي ستجيب عليه إحصاءاتنا بدقة، على هامش انعقاد الدور الجديد.