الشهيد أحمد القطان: أريد أن أتنفس
2011-10-08 - 9:09 ص
مرآة البحرين (خاص): "أريد أن أتنفس"، هي آخر كلماتٍ نطقها الشهيد وهو يتهاوى: هل كان يعني أن يملأ رئتيه بالهواء، أم يتنفس حرية، لا أحد يعلم، كان يوم الخميس، كعادة الشعب يصرخ كل مساء، فقط كي يقول ما زلنا هنا.
كان يتصدر المسيرات، أكثر من 70 متظاهرا، خرجوا في تلك الليلة، يعلنون وجودهم في الفضاء المفتوح، مشى بخطوات حذرة، يستطلع الطريق، التفت للخلف، نادى:"تقدموا يا شباب، المكان آمن" ما أن أعاد بصره، حتى كانت البنادق تصوب نحوهم، لم يطلقوا مسيلات الدموع، لم يطلقوا المطاط، بل بدأوها بالرصاص الانشطاري، بمسافة لا تزيد عن 10 أمتار، انطلقت شظايا الشوزن، تخترق الجسد العاري إلا من حب الوطن، وبطن أحد المتظاهرين، الذي كان يقف خلف الشهيد، أراد الشهيد أن يكون درعاً لمن خلفه، تراجع الشباب، اختبأوا، ركض مسافةً قصيرة، ثم سقط، قال وهو ينادي صاحبه: "أحمد، احملني، أريد أن أتنفس".
نداء
عبر التويتر، جاء النداء مخنوقاً "أرجوكم أرجوكم الصبي بأبوصيبع مصاب شوزن مايستجيب شكله مات ساعدونا ساعدونا"، كان النداء يائساً، وربما متأخراً، في هذا البلد الذي يمنع فيه المصابون من الحصول على حق الحياة، يغدو هذا النداء الخجول أقصى ما يمكنفعله، أول استجابة للنداء كانت من الحقوقي يوسف المحافظة بعد ربع ساعة، رد على التغريدة المخنوقة "أرسلت لك على الخاص"، العلاج الذي يصبح هنا جريمة، لا يمكن الإفصاح عن ملائكة الرحمة الذين يتنقلون خفيةً، يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعد دقائق يعلن المحافظة عبر تويتر عن وجود طلق في (ابو صيبع) على الشباب المتظاهرين، بعد ساعة يكتب مجدداً: "للتو خرجت من مستشفى البحرين الدولي اعلن لكم استشهاد الطفل أحمد علي القطان 16 عاما بعد إصابتة برصاص الشوزن في (ابو صيبع)"
صاحب النداء التقته مرآة البحرين، قال: "أرسلت نداء استغاثة إلى أشخاص محددين، من الحقوقين والوفاق وشبكة نسيج، كنا عاجزين كلياً، شعرنا أننا نفقده، لم نستطع استعادة أنفاسه، عوضاً عن نبضه، بعض النبض تبقى، لكنه ما لبث أن اختفى، كنا نمتلئ رعباً لأننا لم نعرف كيف ننقذه، لم يستجب لنا ولم يتحرك، لهذا أطلقت هذا النداء، سألته: هل كان خائفاً حين أصيب؟ قال: أبداً، لم يصرخ، لم يرتعب، هو فقط قال: أريد أن أتنفس، خلف غرفة توليد الكهرباء، اختبأ أحد المتظاهرين، شاب صغير السن، هرع إلى الشهيد حين سقط، حمله، وركض به، تلقفه بعض المتظاهرين ومضوا به بين المزارع، كنا نخشى أن نسلك الطريق العام كي لا تلحقنا قوات الشغب ويعتقلوه، قصدنا أحد بيوت القرية، حين حمله الشباب ومضوا به، تقدمت مجموعة أخرى من المتظاهرين لمنع القوات من التقدم، إلى حين نمضي بالشهيد لمكانٍ آمن، لقد كان نبضه يختفي، كما اختفت كلماته، المسعف والطبيب الذين عايناه، لم يجدا أثراً للنبض، لكنهما طلبا نقله للمستشفى، ربما يمكن إسعافه.
احملني أو تذكرني
صديقه الشخص الأخير الذي ناداه قائلاً:"أحمد، احملني، أريد أن أتنفس" يقول: قبل أيام بعث لي صورته على الهاتف، قال هي للذكرى، هل كان إنسانه يستشعر قرب الرحيل، عندما حملناه لم يكن يعرف أنه سيموت، لم نكن لنصدق أنه سيموت، نقلناه للمستشفى، وضعوا عليه الأجهزة، حاولوا إنعاشه، هي فقط ربع ساعة، وأعلنوا وفاته، طلبوا منا الرحيل بسرعة خشية اعتقالنا، هربنا، رغم أننا لم نقتل أحمد، وظل من قتله آمناً، لا يحتاج للهرب، كان يمضي نحو قدره، جميعنا استشعرنا الكمين، اختبأنا وتراجعنا، إلا هو، بقي يتقدم، كان يشده لهناك شيءٌ آخر، كان يتقدم وكأنما أراد حقاً أن يكون الشهيد التالي.
كان أخوه يهم للخروج من المنزل، حين جاءه شاب، طلب منه الحضور بسرعة، توجه للمستشفى الدولي، كان أحمد، الشقيق الصغير، قد فارق الحياة، حدث كل شيء بسرعة، لم يمنحهم القدر فرصة استيعاب كل ذلك، قال: "بعد حضوري، جاءت سيارة نقل الموتى، حملوه إلى مشرحة مستشفى السلمانية، هناك كان ينتظرنا نصيبٌ آخر من الوجع، توجهنا للمشرحة، مضت أكثر من 20 دقيقة، دون أن يسمح لنا بالدخول، حاولت أن أدخل فمنعني رجال الأمن، بعد مدة، حاولت مجدداً، فمنعني هذه المرة أحد رجال الحرس الوطني، بدأ بالصراخ عليّ، قلت له: أنا لا أصرخ في وجهك، أنا أكلمك باحترام، فلا تعاملني بهذه الطريقة، رد عليه: أنا عسكري، وبإمكاني فعل ما أريد بك الآن إن لم تتوقف عن محاولة الدخول!!.
المحامي الجشي
لم يكن كافياً بنظر قتلة أحمد مجرد قتله، كان جرح اهله أستكمالاً لظاهرة القتل التي تفشت، على مقربةٍ من أخ الشهيد، وقف أحد منتسبي وزارة الداخلية، بملابسه المدنية، يتحدث بالهاتف، قال دون خجل لمحدثه:" واحد من البحارنة ذلين ميت"، لم يعر وجود أخ الشهيد انتباها، وكأن قتل المعارضين لا يعدو كونه تخلص من كائن ضار.
بعد قليل، وسط انتظارٍ قاتل، لا يفضي إلى نهاية، يخرج أحد الشرطة المدنيين، يخبر العائلة بثقة أن الوفاة طبيعية، وأن المتوفى صدره خالٍ من الشوزن إطلاقاً، ونظيف من أي إصابة تذكر، ثم طلبوا إحضار ملابسه، لأنها تدخل ضمن فحص الطبيب الشرعي للوقوف على سبب الوفاة، منذ وقت إدخاله المشرحة لم يسمح لنا برؤيته الا في الصباح عند استلام الجثة.
عبر تويتر من جديد، العائلة تستغيث، تطلب من أي محامي أن يتواجد معهم، لم يمض وقت حتى كتب المحامي محمد الجشي عبر حسابه بتويتر: " من حق أهل الشهيد أن يحضروا جميع إجراءات الفحص والتشريح بنفسهم وبمن يرونه مناسبا لكي لاتضيع معالم الإصابات من التقرير الذي يعدة الطبيب الشرعي، إن عدم السماح لأحد من الحضور في داخل المشرحه يدعو للقلق من احتماليه التلاعب بنتائج الفحص" كانت مسافة الطريق تفصلهم عن الحضور، بوقت قصير، حضر (الجشي) برفقة أحد محققي لجنة بسيوني، اضطر العسكر للسماح للمحامي والمحقق بالدخول إلى المشرحة، من هناك كتب الجشي عبر حسابه بتويتر: " الآن أنا متواجد في مشرحة مستشفى السلمانيه برفقة لجنة بسيوني"، بعد وقت يكتب مجدداً: " عاجل الطبيب الشرعي يؤكد لنا بأن سبب الوفاه ناتج عن إصابه الشهيد بالطلقات الانشطارية، إحدى الطلقات اخترقت جسد الشهيد ووصلت إلى القلب وأدت إلى نزيف حاد في القلب مما أدى إلى وفاة الشهيد كسبب مباشر"
وزارة الداخلية
وزارة الداخلية أعلنت عبر حسابها بتويتر " تلقت غرفة العمليات بلاغاً من المستشفى الدولي يفيد بإحضار أحد المصابين، عقب ذلك تبين بأن الشخص توفي، حالياً جاري التحقيق لمعرفة أسباب الوفاة" ثم أضافت عبر تغريدة أخرى: "يشير تقرير المستشفى الدولي بأن سبب وفاة المدعو أحمد جابر يعود لهبوط حاد في الدورة الدموية والتنفسية مما أدى لتوقف القلب" الدكتور قاسم عمران يعلق عبر التويتر: " كل البشر تهبط دورتهم الدموية عند الوفاة. سبب الوفاة هو ذلك الذي يتسبب بهبوط الدورة الدموية عند المتوفى وفي حالة شهيد اليوم هو الرصاص" لم تلبث وزارة الداخلية أن عادت لديدنها المعهود، الأمر بحاجة إلى تدارك، تنشر مجدداً عبر تويتر: "تجمهر20شخصاً في ابوصيبع الساعة 21:18 وقيامهم بقطع الطرق ورشق رجال الامن بالحجارة والمولوتوف فتم التعامل معهم بمسيلات الدموع والطلقات الصوتية"، بعد إعلان المحامي الجشي أن سبب الوفاة هو الشوزن، الداخلية تعود لتدارك الأمر من جهةٍ أخرى قبل أن يتهاوى عليها، وعبر تويتر أيضاً: "تقرير الطبيب الشرعي للنيابة العامة يفيد بأن وفاة أحمد جابر نتيجة إلى إصابة نارية رشيه (شوزن)، وتعلن أخيراً:"وزارة الداخلية تبدأ بالتحقيق الفوري في واقعة وفاة أحمد جابر"
مشروع الموت
هل كان موت أحمد مفاجئاً له؟ هل حقاً كان خائفاً من الموت؟ أيريد النجاة مما لحق به؟ لا نظن ذلك فعلاً، فالشاب الشهيد لم يكن الأمس موعده الأول مع الموت، فقبل شهر من الآن، بالتحديد في السادس من سبتمبر أصيب برصاص الشوزن في أنحاء متفرقة من جسده، وقبلها كان له نصيب من ذلك أيضاً، الشهيد الشجاع اعتاد جسده تلقي الشوزن، من أجل الوطن، من أجل الحرية، من أجل الكرامة، من أجل الأجيال القادمة التي ستنعم بمساحة وطن فوق صدره العاري.