أصفار الانتخابات: الاستراتيجية الغبية في تحويل الغالبية إلى أقلية 1-4
2011-10-05 - 1:35 م
مرآة البحرين (خاص): بعد أن عانت المعارضة السياسية في البحرين طوال عقود من الاستهداف الطائفي والتمييز الممنهج ضد غالبيتها الشيعية، باحتكار العائلة الحاكمة وموالوها للسلطة التنفيذية والقضائية، وأهم المناصب والوظائف العليا في الدولة بالكامل، وبعد 4 سنوات من مقاطعة انتخابات السلطة التشريعية احتجاجاً على إلغاء الدستور الشرعي، اختارت المعارضة عام 2006 المشاركة في السلطة التشريعية لفرض وجودها المستهدف بكل الأشكال وعلى كافة المستويات، رغم ما فرضه التقسيم الطائفي المقيت والتوزيع الجائر للدوائر الانتخابية من عائق كبير يحول دون حصولها على أغلبية مستحقة في مجلس النواب، علاوة على مصادرة صلاحيات هذا المجلس وإضعافها من قبل الغرفة المعينة (مجلس الشورى) وتدخل السلطة التنفيذية والملك بنفسه في كامل اختصاصاتها أيضاً.
حصلت المعارضة السياسية ذات المكون الشيعي الغالب على 18 مقعداً من أصل 40، بناء على هذا التقسيم الجائر الذي أخذ في الاعتبار كون غالبية المعارضة الوطنية تنتمي إلى الطائفة الشيعية وكون الشيعة يسكنون في مناطق محددة.
في حين كان يجب أن تحصل المعارضة فقط من هذه الدوائر الثمانية عشر التي تشكل فيها غالبية ساحقة، على 23 مقعداً بناء على حجم الكتلة الانتخابية التي تمثلها، إضافة إلى إمكانية حصولها على 3 مقاعد أخرى لتصل مقاعدها المستحقة إلى 26 مقعدا، وذلك من الدوائر التي تشهد تنافسا بين التيار المعارض والموالي، وقد ترشح فيها فعلا رئيس جمعية وعد المناضل المعتقل إبراهيم شريف، وعضو جمعية وعد منيرة فخرو ورئيس جمعية المعلمين المعتقل مهدي أبو ديب، وكان احتمال فوزهم كبيراً جداً لولا تزييف النتائج من قبل الحكومة عن طريق مراكز التصويت العامة.
بعد ثورة 14 فبراير، تستقيل المعارضة، ثم تقاطع الانتخابات التكميلية آخر محاولات السلطة اليائسة لقمع مطالب التحول السياسي وطي صفحة فبراير، متوهمة أنها تستطيع غلق ملف الأزمة بإقصاء المعارضة وتيارها الكاسح مجددا، والتعامل معهم كخصم ضعيف خارج المسرح السياسي.
هكذا، وحده أفق مطالب الثورة بات حاضراً، وهو تمثيل الإرادة الشعبية في كل أجهزة الحكم وإدارة الدولة عبر المشاركة في جميع السلطات وبمبدأ صوت لكل مواطن.
المحصلة حتى اليوم، هي أن تعنت النظام، ومواجهته المطالب الشعبية، وتحوله إلى إدارة الأزمة بدلا من حلها، أسقطه في أكبر فخ صنعته انتفاضة 14فبراير، حين أصر على عقد انتخابات تكميلية، بدلاً من حل البرلمان الذي فقد شرعيته بحجب تمثيل أكثر من 57% من الكتلة الانتخابية الكلية وأكثر من 63% من الأصوات التي شكلته.
2% تمثيل الشيعة في البرلمان، والكتلة الانتخابية ممثلة ب7% من الأصوات فقط
هذا الفخ، مدعوما بالمزيد من نتائج الإحصاءات التي أعدتها (مرآة البحرين)، سيبين بوضوح كيف استهدف المكون الشيعي الذي يمثل غالبية السكان بحسب التقسيم الذي يصر عليه النظام وترفضه المعارضة، ولا ترى أي رابط له بإدارة الدولة ومفهوم المواطنة.
إذ كانت أولى نتائج هذه الانتخابات تحول الغالبية الشيعية (جسم المعارضة الأساس والمستهدف) إلى أقلية مطلقة يتمثّلها 10 نواب فقط أي ما يمثل 25% من تشكيلة المجلس الجديد. وهذا لا يحرم النظام من تصنع التوازن الطائفي الذي يتغنى به فحسب، بل يبين بشكل فاقع كيف صنع حالة من التغليب بين فئات المجتمع على أساس طائفي منبوذ، فقط وفقط لأن المعارضة السياسية لحكمه يشكل أغلبها المكون الشيعي، فكان أن حرمه حتى من حقه المنتقص أساساً، في أن يشارك ويمثل في السلطة التشريعية، السلطة الوحيدة التي يحصل فيها انتخاب مباشر وإن كان صوريا من حيث الصلاحيات.
وقد رجحت الأقليات السنية الموالية للنظام فوز 8 مرشحين منها على حساب الغالبية الشيعية الساحقة والتي قاطعت الانتخابات مقاطعة كاسحة تحت شعار (صفروها) في كل الدوائر 18، ولم يفلح المرشحون الشيعة الموالون للنظام أو المدفوعون بنزعة الانتهازية والمصلحة الشخصية، في نيل الأصوات التي تؤهلهم للفوز، نتيجة لعزوف الناخبين الشيعة الكامل عنها، علاوة على كون هؤلاء المرشحين بالإضافة إلى الفائزين من تيار الموالاة بعيدين تمام البعد عن المزاج والخط السياسي العام لهؤلاء الناخبين في كل الظروف.
أما في الدوائر العشرة المتبقية، فعلاوة على حصول 4 نواب شيعة على مقاعدهم بالتزكية، فإن الإحصاءات تقول إن الستة الآخرين من النواب حصلوا على 3143 صوت فقط أي ما نسبته أقل من 2% من مجمل الكتلة الانتخابية، وهذا يعني أن من يمثل هذه الكتلة الانتخابية التي يسيطر عليها المكون الشيعي لم يحصل إلا على ثقة 2% من مجمل الناخبين، وأن الشيعة اختزلوا في 3143 صوت أوصلت 6 نواب بالإضافة إلى 4 نواب مفروضين بالتزكية هي حصيلة تمثيلهم في المجلس "المنتخب".
لقد فشلت محاولات النظام في مساعيه التي جاهر بها لوصول أكبر عدد من المرشحين الشيعة إلى البرلمان تحقيقا لما يزعمه من توازن طائفي، فبعد التوجيه لتزكية أكبر عدد ممكن بشكل فاضح ومثير للسخرية، أخفق في رشوة بعض الشخصيات الشيعية للترشح ومن ثم تزكيتها أو ضمان فوزها، وعجز عن مواجهة نزعة الأقلية السنية الموالية للظفر بالمقاعد الخالية في هذه الدوائر.
إن تجاهل النظام مقاطعة المعارضة بشتى أطيافها وتركز دوائر المعارضة في المناطق ذات الكثافة الشيعية، سبب خللا كبيرا وفاضحا في تحقيق مستويات التمثيل التي إنما تطالب بها الأقلية لا الأكثرية، في المجتمعات التي تمثل بيئة خصبة للتصارع الإيديولوجي وخصوصاً حين يذكي النظام الحاكم هذا الصراع بسلطاته المطلقة لحساب بقائه في سدة الحكم.
إقصاء المعارضة كشف سوأة النظام الطائفي
تشير دراسة لمركز ACE المختص بالانتخابات والذي تشارك فيه منظمة الأمم المتحدة، إلى أن التوزيع الإيديولوجي من خلال ممثلين عن الأحزاب السياسية أو مستقلين أو خليط منهما هو أحد أشكال أربعة تحقق مستوى تمثيل الإرادة العامة للناخبين في بعض المجتمعات، والذي يمكن أن يتحقق أيضاً بأشكال أخرى كالتمثيل الجغرافي أو الحزبي أو الوصفي الذي يعكس التوزيع الديني والعرقي والقبلي للمجتمع.
في البحرين، يتغنى النظام الحاكم في حرمانه الأغلبية المعارضة لحكمه من حقها في نيل المقاعد التي تستحقها باعتماده النظام النسبي، رغم أن هذا النظام إنما يستخدم للحفاظ على حق الأقليات في أن تمثل في الانتخابات، لا تغليب الأقلية على الأكثرية، وتعميق التشطير داخل المجتمع، في أكثر الحالات الانتخابية غرابة وتزييفاً.
تقول الدراسة السابقة إن نظم التمثيل النسبي تمتاز بأنها تعمل على تفادي النتائج غير المرغوب بها لنظم التعددية/الأغلبية مما يجعلها صالحة لإفراز هيئات تشريعية تمثيلية بشكل أفضل، متفادية بذلك بعض النتائج المترتبة على نظم التعددية/الأغلبية الأكثر مدعاة للقلق والأقل عدالة.
وتضيف أن كثيراً من الديمقراطيات الناشئة، وخاصة تلك التي تواجه انقسامات اجتماعية حادة، قد تصبح مسألة إشراك كافة المجموعات والمكونات الاجتماعية شرطاً مفصلياً لا غنى عنه لتدعيم النظام الديمقراطي فيها بشكل عام. إذ إن الفشل في توفير الفرصة الحقيقية لكافة الأقليات، بالإضافة للأكثرية، للمشاركة في صنع القرار وتطوير النظام السياسي من شأنه أن يفضي إلى نتائج كارثية.
والكارثة اليوم، ليس بانهيار هذا النظام النسبي في البحرين وانكشاف حقيقته الخادعة، بل بتحويله الأكثرية إلى أقلية مطلقة من ناحية التمثيل، نتيجة رفضها المشاركة وخوضها صراعا سياسيا ضد النظام، ليكون من واجب الأكثرية هذه المرة أن تبحث عن حقها في التمثيل، بعد أن باتت أقلية مهمشة ومقصاة في المجتمع، بحكم هذا المشهد المزوّر والذي لا يبدو مقلوبا وساخرا فحسب، بل يكشف حقيقة ما تعانيه هذه الأكثرية من اضطهاد وإقصاء بشكل فاقع.
وفي هذا السياق، فإن الدراسة السابقة تؤكد أن الانتخابات قد لا تعني شيئاً للناخبين إذا تعذرت عليهم المشاركة أو إذا ما شعروا بأن لا قيمة لأصواتهم في التأثير في طريقة إدارة الشأن العام في بلدهم. وبحسب الدراسة فإن مستويات المشاركة في الانتخابات ترتفع عندما يتمخض عن نتائج الانتخابات تأثير فعلي في إدارة الحكم.
وتقول كذلك إن السلطة الفعلية التي تمارسها الهيئة المنتخبة قد تسهم في إضفاء مزيد من الاعتبار والأهمية على العملية الانتخابية بحد ذاتها، وأن الانتخابات الجوفاء التي يتم تنظيمها من قبل "الأنظمة الديكتاتورية" والتي لا تمنح الناخب أي خيار حقيقي، وحيث لا تمارس السلطة التشريعية المنتخبة أي تأثير في تشكيل الحكومة (السلطة التنفيذية) ولا في قراراتها، ليس لها أية أهمية ولا جذب، باعتبار أن لا دور لها فيما يتعلق بالقضايا الرئيسية لحياة المواطن اليومية.
وتخلص الدراسة إلى أن جعل الانتخابات ذات مـعنـى وفي متنـاول الجـميـع وحده ما يمكّن الحـكومـات الممثلة لإرادة الشعب مـن التـمتـع بالاسـتقـرار والكفـاءة
إحصاءات مرعبة أخرى أعدتها (مرآة البحرين) حول الانتخابات، وتنشرها في تقرير منفصل، ليرى العالم مصير من يصفهم بالأغلبية الشيعية، ويعرف لماذا يطالبون بدولة مدنية يكون فيها الشعب بأكمله مصدر السلطات جميعاً، وينتهي فيها الحكم القبلي والطائفي.