» تقارير
قصة اختطاف زهراء طاهر: زاهرة في العهد الزاهر
2011-09-29 - 6:50 ص
مرآة البحرين (خاص): ليس أرق من جناح الفراشة، ولا أسرع تمزقاً منه، هكذا بدا قلب زهراء طاهر البحراني أو زاهرة كما يحب الجميع أن يناديها، (مرآة البحرين) التي قصدت منزل الفتاة من أجل الحقيقة، وجدت نفسها وسط أجواء حميمية البيت الصغير ودفئه، كانت وفود الصديقات تتسابق نحو مسكنها، البعض يحمل بيده باقات الورد، وأخريات يحملن الشوكولا، وقريبات يحملن قلبهن إليها، التقينا بها وسط لفيف الأهل والصديقات، بدت هادئة، رقيقة، ذات نظرات خجلة.
زاهرة الفتاة الناشطة اجتماعيا ذات العشرين ربيعاً، طالبة كلية تقنية المعلومات في جامعة البحرين ، خرجت تقصد جامعتها، وعادت تبحث عن كل شيء، إلا الطريق الذي يأخذها للجامعة، كان يومها الأول، بعد الانسحاب من الفصل السابق، مرعوبةٌ من العودة بعد أزمة مارس، ليست وحدها، بل الكثير من الطلبة، رغم التوتر كان يوماً يفترض أن يكون عادياً، لولا أن رُسم له سيناريو آخر.
القرآن آخر ما أمسكت يدها
آثار القيد في يدها.. آثار الحرية |
يا بنت الدوار
بعد صمت لحظات قالت:"كنت مكبلة اليدين، في غرفة لا تتعدى 3*3 أمتار، خالية من الأثاث إلا من كرسي ينتصف في وسطها، كنت أجلس عليه"، قاطعتها: هل كانت تلك مكاتب الموظفين الخلفية؟ فالوصف والمنطق لا يذهبان بنا إلا إلى هناك، قالت: "لا أعرف، لم أعرف قبل الآن أن هناك مكاتب خفية"، صمتت قليلاً، أمسكت بيد ابنة عمها وصديقتها المقربة وكأنها تستقوي بها ثم قالت: "كان يحيط بي خمسة أشخاص مقنعين، اثنان منهما يرتديان زي رجال أمن الجامعة"، ميزت زيهما بلونيه الكحلي والأبيض، لا شيء آخر يذكر، تختفي الملامح خلف القناع، أجسامهم متقاربة، يتحدثون اللهجة البحرينية، ألوانهم السمراء ليست شيئاً مميزاً في جزيرة الشمس، لكن كلماتهم مميزة، يا بنت الدوار، انتم بنات زنا، لستم إلا للمتعة، كانت الشتائم شريطاً يعاد، ليست مجرد فاصل بين اللكمات لا الكلمات، اللكمات التي انهالت على بطنها دون رحمة، قال أحدهم: "أنا... أنا.. دكتور،،، سوي روحج شاطرة هالمرة"، من بين كل ما قيل كانت تلك الكلمات تؤكد معرفة الخاطف بها، وربما كان أحد زملائها، لكن من منهم يا ترى، الذاكرة الآن لا تسعفها على استحضار أي صوت سوى صوت بكائها، لم تستطع تذكر الكثير، أجهشت بالبكاء، وتوالت الأفكار، مرعبة، هي النهاية إذاً، هكذا ستكون، ماذا بعد، أينتهي الأمر بالضرب فقط، ماذا بإمكاني أن أفعل، ماذا لو...، الأفكار كثيرة، ومتعاقبة، وبدت الساعات طويلة، إذاً كيف انتهى الأمر؟ قالت: "في لحظةٍ ما لم أعد أشعر بشيء، توقف كل شيء حين تقيأت، عصبوا عيني، واقتادوني للخارج، المسافة التي تفصل المكان عن السيارة قصيرة، لا أتذكر أن بالجامعة مواقف بهذا القرب، إلا إن كن استخدم الأمن نفوذهم".
بيل جيتس
معصوبة العينين حشرت بين رجلين، لا تعرف يقيناً عدد الموجودين بالسيارة، لا تذكر إن كانت صغيرة أم كبيرة، جيب أو صالون، كل ما تعرفه أنها كانت خائرة القوى، تمشي أحياناً وتُرفع أحياناً أخرى، في الطريق كانت الأفكار تراودها، هل سينتهي الأمر بسلام، ماذا يريدون بالضبط، هل تحدثوا بشيء فيما بينهم؟ ردت: بل ساد صمت غريب، لا حوار، لاشيء أبداً، فقط صوت أنفاسي تذهب وتجيء، والكثير من الأسئلة، ترى أين تكون المحطة القادمة، لست أدري.
لم يمضِ وقتٌ طويل حتى توقفت السيارة، نزل أحدهم، جرها من مكانها، فك وثاقها البلاستيكي، وترك قطعة القماش التي تربط يديها، القى بها في الشارع، قبل أن يمضوا، رمى أحدهم هاتفها النقال، قال جملة أخيرة:"اخذي يمكن يتصلج بيل جيتس"، تذكرت تلك الكلمات، لقد كان يرددها أستاذ الكمبيوتر حين تستأذنه للرد على مكالمة، مرةً أخرى يتبين أن من فعل ذلك هو زميل، لكن من يكون، لا تعرف، على الأقل الآن، رفعت غطاء عينيها بيديها المكبلتين، ثم افلتتهما من قبضة القماش المهترئ، حاولت فتح هاتفها والاتصال، لم تفلح، اضطرت لحمل جسدها المتعب، وبدأت السير، هي تعرف على الأقل أن دوار الساعة خلفها، وأمامها طريقٌ طويل، اختارت ان تمضي عكس منطقة الرفاع، لعل في ذلك أمان لها.
البحث في الأسماء
في الطريق كانت تبكي بحرقة، ماذا حدث لها قبل أن تفتح عينيها، هل كان ما تدرك يقيناً أنه حدث، هل هو كل ما حدث حقاً؟، واصلت السير، على يسارها تقع مديرية شرطة المحافظة الجنوبية، لكنها لا تعرف ذلك، عبرت الشارع نحو الفلل، كانت تقرأ أسماء أصحابها، خشيت أن تدق الأبواب فلربما لا يتعاطف معها أصحابها، تبحث عن اسمٍ مألوف بين الأسماء، لم تجد ففضلت السير علها تصل لبيوتٍ أصغر تلتمس منهم المساعدة، توقفت قربها سيارة بها شاب، عرض عليها توصيلها، رفضت، ربما تعاطف معها لشدة بكائها، وخوفاً عليها بقي يراقبها من بعيد، ارتابت فقررت الانعطاف، وجدت بقالة لكن لسوء الحظ لم يكن هناك هاتف عمومي، خرجت لتجد سيارة متوقفة بها امرأة وطفلة، أحست بالاطمئنان، طلبت منها استخدام هاتفها، اتصلت بوالدها، ومضت مع المرأة بيتها، استلمها والدها وتوجه بها لمديرية أمن المحافظة الشمالية، كانت الساعة 9:34 مساءً، بعد سرد القصة أخبروهم أن عليهم التوجه لأمن الجنوبية، منذ العاشرة وحتى الثانية فجراً سردت زاهرة تفاصيل ما حدث لعدة أشخاص ومسئولين، ثم طلب منها التوجه للمستشفى للكشف عليها، استمر ذلك منذ الثانية والنصف فجراً حتى التاسعة صباحاً، كل شيء كان طبيعياً، لا آثار لوجود مادة مخدرة، أو إصابات خطيرة، تم توثيق آثار القيد في المعصمين، وبعض الرضوض نتيجة الضرب، أصر الأطباء على فحصها للتأكد من عدم الاعتداء عليها، لكنها رفضت، قالت إنها تقوم بربط الحزام بالبنطلون بطريقة مميزة، كان ذلك أول ما تأكدت منه ولهذا هي واثقة من أن أحداً لم يقدم على ذلك.
لم زاهرة؟
تم توثيق المحضر، ووعدوها بالمتابعة والاستعانة بتسجيل كاميرات الجامعة، وكل ما يساهم في الاستدلال على الخاطفين، أخيراً عادت للمنزل، بعد يومٍ كامل لم يهيئها أحد لاستقباله، يوم كان من المفترض فيه أن تحتفل بعيد ميلادها العشرين مع أهلها وصديقاتها، لكنه الآن اقترن بحادثة مرعبة، ستظل لصيقةً به أبدا.
سؤالٌ أخير طرحناه قبل الرحيل: لم زاهرة بالذات؟ قالت: ربما أهم سبب لتعقبي واختياري هو بروزي بشكلٍ واضح في إسعاف الجرحى في واقعة الجامعة منتصف مارس، وقد يكون نشاطي بجمعية الوفاق سبباً في ذلك، لست واثقة، لكن الأكيد أن الاختيار لم يكن عشوائياً.
وسط حشد من الأحبة والمقربين أطفأت زاهرة شموعها، وربما أطفأت معها رعب عامٍ مضى، من بعيد رأينا هذا الحشد من القلوب المحبة التي أحاطتها، واحتضنتها، عرفنا عندها أنها ستتعافى مما حدث سريعاً، لكن سيسجل التاريخ للبحرين أول عملية اختطاف أنتجها الفرز الطائفي، وأبواق المؤزمين.
تحدي أم تواطؤ
انتهت تفاصيل اليوم الأسود في صفحة حياتها البيضاء، مخلفةً وراءها الكثير من علامات الاستفهام، كيف امتلك المجرمون الجرأة لإتمام جريمةٍ كهذه وسط الحرم الجامعي وفي وقت لا يخلو من الكثير من الطلبة؟ وما سر الأخبار المتضاربة التي انتشرت عبر البلاك بيري وتفيد بعملية إخلاء أمني للمكتبة؟ إن لم يكن المجرمون من داخل الحرم الجامعي فكيف عبروا إليه رغم الإجراءات الأمنية المشددة؟ هل يقتصر الأمر على رجلي الأمن الذين رأتهما أم أن الأمر أكبر من ذلك؟ كيف عادت البطاقة الجامعية إلى محفظة زاهرة رغم وجودها بعهدة موظف المكتبة؟ والأهم من كل ذلك لم اختاروا إلقاءها أمام مديرية أمن المحافظة الجنوبية؟ أهو تحدٍ، أم تواطؤ؟