التعليق السياسي: هل يمكن المشاركة في انتخابات لا تؤمن الحد الأدنى من المشاركة في السلطة؟
2014-09-25 - 11:12 م
مرآة البحرين (خاص): لماذا مقاطعة الانتخابات البرلمانية 2014؟
أي مشروع، لا يمكنه أن يحقق قدراً، ولو نسبياً، من النجاج، مالم يتوفر على "حد أدنى" من متطلبات هذا النجاح. التدرج دائماً يبدأ من "حد أدنى" ليمكنه الوصول لما هو أعلى، وربما بقدر ما، نحو "الحد الأقصى" الذي يُتأمل منه أو إليه.
هي سنّة حياتية محسومة؛ العمل الوظيفي يتطلب حداً أدنى من المهارات والقدرات بداية، لتكون ممراً سالكاً (قابلاً) للتطوير، قبل أن يُتوقع من الموظف أن يكون ناجحاً أو متميزاً، فضلاً عن نجاح العمل والمؤسسة بشكل عام. والزواج يتطلّب حداً أدنى من القبول والانسجام بين الشريكين، قبل أن يُتوقع لهذ الشراكة أن تتطور إلى حب أو مودة أو سكن، بل قبل أن يكيّف كل الشريكين نفسه مع "الحد الأدنى" الذي عند الآخر، ليؤسسا حياة أكثر انسجاماً وتوازناً، ويسهما في تأسيس بيت سعيد أو مثالي. هذان مثالان من عشرات الأمثلة المشابهة التي لا يمكن عرضها في هذه المساحة الصغيرة.
بدون "الحد الأدنى"، يكون من العبط أو السذاجة الدخول في أي مشروع يراد له النجاح. فالنتيجة بدون هذا "الحد الأدنى" يدركها أي عاقل مسبقاً: الفشل وتضييع الوقت والجهد. بل أكثر من ذلك، تكون هذه المشاريع سبباً لتفاقم حالات من الإحباط واليأس وتحطيم الآمال وتبديدها، وربما كرّست لأزمات (شخصية أو نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية) لا يمكن معالجتها فيما بعد.
ما علاقة هذا بمقاطعة الانتخابات البرلمانية، والموقف من مشروع ولي العهد ذو النقاط الخمسة؟
النقاط الخمس التي عرضها ولي العهد لا تقدم الحد الأدنى من مطالب الشعب، بل إنها تمعن في تكريس "الحد الأقصى" من استبداد السلطة واحتكارها للحكم وتعزيز الانقسامات الفئوية، يأتي استمرار ذلك في بلد مأزوم سياسياً ومشلول ديمقراطياً ومشحون بانفجارات عقدية (كل 10 سنوات) متتالية بسبب تفرّد السلطة وتعنّتها ورفضها الدخول في حل تشاركي حقيقي مع الشعب.
الانفجارات الشعبية العارمة التي تتكرر في مشهد تراجيدي كل 10 سنوات، وتصاعد انعدام الثقة بين الشعب والنظام القائم، والإحباط المتراكم الجاثم على صدر هذا الشعب تجاهه، واليأس الذي تحمله فئات من الشعب ضد إمكانية التصالح مع النظام أو التعامل معه، هي نتائج تكرار التسويات الشكلية التي تعرضها السلطة، والتي لا تتوفر على "الحد الأدنى" من الإصلاحات الديمقراطية الحقيقية، لم ينتج عنها سوى تراكم الأزمات السياسية وتعمّقها واستفحالها أكثر.
لقد حاول الشعب، غير ذات مرّة، تكذيب عقله وتصديق أمنيته، بالمشاركة في مشاريع السلطة المعروضة للتسويات، مرّة باعتقاده أنها قد توفر له "الحد الأدنى" من المشاركة السياسية التي يمكن البناء عليها، كما حدث في كذبة "الميثاق" في 2001، الذي روّج لها الملك باعتبارها مشروعه الإصلاحي، قبل أن ينقلب على وعوده بعد أقل من شهر من منح الشعب ثقتهم له وتصويتهم على الميثاق بنسبة 98.4، إذ فاجأ الشارع بدستور منحة وبمجلس شورى معين تكافئ أصواته أصوات النواب المنتخبين، وبرلمان فاقد الصلاحيات.
المرّات الأخرى، شارك الشعب والقوى المعارضة، متأملين أن يستطيعوا التغيير من الداخل، ولو من أجل منع ما يمكن من الفساد، رغم علمهم بعدم توافر "الحد الأدنى" لهم للرقابة والتشريع والتمثيل المتوازن والمتكافئ للشعب، كما حدث في انتخابات 2006 و2010، فكانت النتجة المزيد من التكبيل والمزيد من الإحباط وتعزيز الانقسامات الفئوية، وكان حصادها المزيد من الاضطرابات والانفجارات واليأس من التغيير عبر برلمان شكلي منتهك الصلاحيات.
الآن، وبعد أكثر من 3 أعوام من ممارسة السلطة لـ"حدها الأقصى" من التنكيل بالشعب والاستعداء له والتطهير والتهميش والعقاب الجماعي والقتل والتعذيب والسجن والتشريد وقطع الأرزاق والإقصاء من مواقع القرار، يريد البعض منا أن ندخل في انتخابات صورية عبر مشروع ولي العهد ذي النقاط الخمس "وثيقة الأعيان"!
حسناً، مالذي تتضمنه هذه النقاط الخمس؟ أليست تقدم "حداً أدنى" من التوافقات يمكن التفاوض عليها، لعبور ولو متدحرج، للأزمة السياسية المستدامة في البحرين؟
الجواب: بل قل تقدم تغييرات شكلية، تسلب في واقعها، حتى "الأدنى من الحد الأدنى" الذي كان محل مطالبة بتعديله فيما سبق، مقابل إعطاء صلاحيات جديدة للملك بدلاً من الشعب. فالمراسيم الملكية الأخيرة بتعديل الدوائر الانتخابية، وبدلاً من أن تجعل الدوائر "أكثر توازنا" كما وعدت بذلك رسالة الديوان الملكي للمعارضة، فإنها قلّصت فعلياً حظوظ المعارضة في الأصوات الانتخابية أكثر.
في المقابل، أبقت هذه النقاط على مجلس الشورى المعين من قبل الملك بعدد يساوي عدد النواب الذين ينتخبهم الشعب. وأبقت الحكومة المعينة من قبل الملك ورئيس الوزراء، بل أعطت الملك صلاحية حل "البرلمان" إذا رفض رئيس الوزراء المعين، وهو مالم يكن موجوداً قبل. كما أضافت الرسالة وزارة جديدة للوزارات السيادية وهي "المالية" بعد أن كانت تقتصر على الدفاع والداخلية.
باختصار، تزيد هذه النقاط من "الحد الأقصى" لاستفراد السلطة باللعبة السياسية، وتقلّص "الأدنى من الحد الأدنى" الذي كان موضع تفاوض المعارضة ومطالبتها، فيما لا يزال بعد هذا، يأتي من يصف قوى المعارضة التي ترفض المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، بأنها متصلبة وغير مرنة ولا تريد التنازل عن "الحد الأقصى" الذي تطرحه من أجل حلحلة الوضع المتأزم في البحرين.
هل هو حقّاً تصلّب وتمسك بـ"الحد الأقصى" من التسويات لصالح المعارضة؟ أم أنها ما زالت تبحث عن "الحد الأدنى" المفقود، والذي ما زال بعيد المنال، في مشروع السلطة؟