الأعيان في خدمة السلطان: ابصموا على شرعية الدكتاتور
2014-09-19 - 9:33 م
مرآة البحرين (خاص):
"من أجل تعزيز مسيرة النماء والتطور بقيادة صاحب الجلالة الملك بن حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، وبناء على ما تم عرضه علينا من نقاط حول ما يمكن التوافق عليه بين الاطراف المشاركة بالحوار الوطني في المحور السياسي، ومن منطلق حرصنا على مستقبل الوطن وكافة مكوناته، ندعو جميع أبناء الوطن للتكاتف معاً للحفاظ على تماسك النسيج الاجتماعي والتعايش الإنساني والحضاري والسلم الأهلي لمملكتنا الغالية، ونحثهم على المشاركة الايجابية في المسيرة الديمقراطية عبر الانتخابات البرلمانية القادمة"
هذا هو نص الوثيقة التي وقع عليها 131 ممن أسماهم ولي العهد بالأعيان: تجار وشخصيات ووزراء سابقين ونواب ومثقفين أيضاً، وهي وثيقة تحمل استخفافا فاقعاً، لا بمطالب الشعب فقط ، بل بالأعيان الذين وضعوا بصمتهم التاريخية عليها. الاستخفاف يظهر بشكل خاص في هذه العبارة تحديداً "وبناء على ما تم عرضه علينا من نقاط حول ما يمكن التوافق عليه بين الأطراف المشاركة بالحوار الوطني في المحور السياسي"، وما هو هذا المعروض؟ الوثيقة لا تقول شيئاً منه، أي أنهم وضعوا بصمتهم مفتوحة للسلطة تفعل بها وباسمها ما تشاء.
يدرك هؤلاء(الأعيان) جيداً قيمة بصمتهم التي يضعونها على الأوراق، بمعنى أنهم راشدون ويعرفون قيمتهم، ويعرفون ماذا يُراد منهم ولماذا أحضرتهم السلطة، ولذلك صاروا أعياناً، فتلك الميزة هي جزء من (عينيتهم) وإلا صاروا رعاعاً. ويدرك هؤلاء أن ما قاموا بإمضائه هنا لا يعدو أن يكون تقديم مباركة مفتوحة للملك وما يطلق عليها بـ (مسيرة النماء والتطور بقيادة صاحب الجلالة الملك)، وأن وثيقتهم هذه لا تقدم أكثر من هذه المباركة، فما تم عرضه عليهم من كلام ووعود هي تمريرات شفاهية لا وجود حقيقي لها على الورقة التي تهافتوا (تحت هاجس الرغبة أو الرهبة أو البلادة)، للبصم عليها، شأنهم شأن من لا يتقن القراءة ولا الفهم ولا حيل السلطة وألاعيبها الخبيثة التي تتقن استخدام من تريد وقتما تريد.
الاستخفاف الآخر بهؤلاء الأعيان هو طريقة الاستدعاء والمباغتة المخلة، ففي منتصف ليل الثلاثاء 16 سبتمبر قرابة الواحدة فجراً، بدأ الاتصال بعدد منهم وفي الصباح تم الاتصال بعدد آخر. وبلا مقدمات، المطلوب: هو الحضور عند الساعة الواحدة ظهراً، لا عنوان لهذه الدعوة سوى الاجتماع بولي العهد. ولي العهد قابل الأعيان (المنتجبين) بالحفاوة البالغة، وبطريقة "من اختصصته فقد ملكته"، خصّهم بالثقة والشكر وبما يعوّل عليهم لمستقبل البحرين ووحدتها، ثم باعهم وعوده الشفاهية وكلامه الوديع، قبل أن يُلقي إليهم ورقته الفارغة للتوقيع، وليبدو بعدها من يرفض التوقيع وكأنه مشكك في وعود ولي العهد ونواياه، أو غير مستحق لهذا الاجتباء، وشاذ عن الباقين في عدم حرصه على "مستقبل الوطن وكافة مكوناته".
نعم، لقد باغت ولي العهد (الأعيان) أو ربما عددا منهم، ونجح في خطف أكثر من 131 توقيع (تقريبا بما يعادل عدد الشهداء) وجعلهم يبدون كبصّامين، وهي سقطة كبيرة خاصة لبعض الأسماء التي لم يكن متوقعاً أن تقبل استخدامها بهذه الركاكة.
بعد أكثر من 3 سنوات من تصاعد حدة الأزمة السياسية العارمة في البحرين، وبعد أكثر من 100 ضحية دفعوا حياتهم ثمناً لمطالب سياسية مشروعة وعادلة، وآلاف المعتقلين والمحتجزين والمتضررين والمطاردين والمهجرين ثمناً لمطالبات التغيير الديمقراطي في البحرين، يبارك هؤلاء الأعيان خطوات النظام الإصلاحية الجديدة. وما هي هذه الخطوات الإصلاحية الجديدة؟ أوضحتها لنا جيدا رسالة الديوان الملكي للمعارضة: حكومة معينة من قبل الملك ورئيس الوزراء، ومجلس شورى معين من قبل الملك، دوائر انتخابية (أكثر توازناً)!!! ما هذا الهراء؟ وأين الإصلاح وأين الجديد في هذا؟ هل هذه نكتة ساخرة؟ لا بل إن هذا (الهراء) هو حقيقة موقعة في وثيقة.
لقد استخدم ولي العهد هذه المجموعة من الأسماء لتمرير ذلك (الهراء) الذي عرضه باسم توافقات الحوار الوطني. الحوار الذي يعلم الجميع، بمن فيهم تلك الأسماء المستخدمة، أنه لم يحدث لأن النظام، استنكف أن يكون طرفاً فيه، وكما يعلم هؤلاء أن التوافق لم يكن يوماً، وأن الوثيقة لا تتضمّن سوى التسليم للنظام والتوافق مع ما يريده. لقد قبلت هذه الأسماء لنفسها أن تستخدم في تكريس غطرسة النظام.
وثيقة الأعيان، سواء أقصدوا ذلك أم لم يقصدوه، هي مباركة للنظام على استمرار تفرده بالحكم وتعنته واستبداده ورفضه الاستجابة لأبسط حقوق شعبه الديمقراطية المشروعة، هي مباركة القمع والقتل والإذلال والتنكيل والسجن والاعتقال والتهميش والإقصاء والفساد والتجنيس السياسي واستبدال الشعب بشعب خارجي ميزته الوحيدة هي استعداده لتقديم ولاء أعمى للقبيلة، هي مباركة التطهير الطائفي الذي ظهر بأبشع صوره منذ أكثر من 3 سنوات وأظهر بشاعة وجه النظام القائم الذي يكفيه أن تواجهه سياسياً ليمحوك، وقد كاد أن يفعل لولا فزعة المجتمع الدولي.
هي مباركة النظام الذي جيّر أصحاب الفتن من رعاع الطائفيين وأطلق ألسنتهم ليخونوا المعارضين وينالوا من عقيدتهم ودينهم وشرفهم وأخلاقهم، هي مباركة ما قام به النظام من انتقام هستيري مسعور لأن شعبه خرج يطالب بحقوقه المسلوبة، هي مباركة مستوى التدني الفاقع في مؤشرات احترام حرية الرأي والفكر والمعتقد في البحرين، هي مباركة حكم القبيلة مقابل حكم الشعب.
لقد بارك هؤلاء الأعيان والشخصيات كل ذلك بتوقيعهم تلك الوثيقة التي أُريد لهم أن يمضوها في لحظة خاطفة، لا أن يكتبوها.