» رأي
وفاء العم: تغريدات وزير الخارجية! (1-2)
مقالات أخرى - 2011-09-16 - 9:27 ص
وفاء العم*
"لا تنظروا إلى الكأس إن كان نصف مليان أو نصف فارغ .. انظروا إلى الكأس بنصفيه ملئه وفراغه" هذه الجملة التي كتبها الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير الخارجية على حسابه الخاص في التويتر نقلا عن ياسر الحارب، لا تخلو من مغزى سياسي حصيف أو رسالة تعبر ربما عن وجهة نظر رسمية أو شخصية، ولكن السؤال الذي ما لبث أن ألقى بنفسه علينا في ظل واقع مرير يحمل تحت عباءته عتاد حرب أهلية أكثر جمراتها التهابا إعلام رسمي ضرب بعرض الحائط كل الثوابت الوطنية، وكسر كل الركائز المجتمعية متحللا من أدنى أخلاقيات العمل المهني! هل كُسر الكأس أم إننا لم نعد قادرين على رؤية النصف المملوءة منه؟
لم أجد أعمق من كلمة سمو ولي العهد حينما قال بفزعة بحرينية أصيلة ورشيدة لحظة دخوله تلفزيون البحرين داعيا الجميع إلى الهدوء قبل أن يتحول هذا الجهاز إلى ثكنة عسكرية ابتداء من رأسه الإداري – وإن كان اللباس مدنيا- وصولا إلى البوابة، إن هناك من لا يرى أفقا أو مستقبلا له في هذا الوطن، قال إن عجلة التنمية بطيئة قالها بإدارك ومسئولية لا مجاملة ولا استدارك، في الحقيقة هو أكثر شخص منتمٍٍ إلى مؤسسة الحكم هدوءا خلال الأزمة وهو ذلك الصوت المغيب قسرا ليس فقط عن مؤسسة الحكم وإنما عن المجتمع بأكمله .. فمزامير الجنون والفوضى لم تترك له مكانا.
نعم يا معالي الوزير، هناك من لا يرى الجزء المملوءة من الكأس، أو لم يعد لديه زوايا يرى منها لأن هذا الكأس ببساطة بملئه وفراغه قد كسر بالنسبة له! لم يعد في واقعه كأس وإنما بقايا. عن أي كأس نحدثه وهو يشعر أن لا مكان له في النصف المملوءة أصلا، لقد عوقب العامة منهم بذريعة أخطاء خاصتهم، ومزاعم مؤامرة هشة كهشاشة التراجع عنها، وإذا ما افترضنا أن هناك فعلا من حاول استثمار احتجاجاته من الخارج فلا معنى لإقحامه في نسيج علاقات دولية فشلتم في إدارتها، فلسنا بمعزل عن الأطماع الخارجية ولكن لما يتحمل وزرها مواطنون يريدون مزيد من الشراكة السياسية وأن لم يخلُ حراكهم من الأخطاء، ثم أن من يواجه خطر الخارج من الأولى به حماية بيته من الداخل لا تكسير أركانه وإثارة النعرات بين أبنائه.
يا معالي الوزير أبناء طيف في هذا الوطن، واقعهم بلا كأس يتلمسون زواياه، بعد إعلام اعتبرهم خارج منظمومته، وهل يعقل أن يتهم آلاف من المواطنين بالعمالة للخارج، وهل تبيع الشعوب أوطانها أصلا! حملات التخوين والسب والبذاءات لم تتوقف في حقهم، إذ لم يفرق بين مشروعية معتقداتهم وحق الاختلاف معهم في مطالبهم، لم تعد القضية سياسية، هناك طائفة في هذا البلد تشعر بأن لا وجود لها في موطنها، كل الاحتقارات والازدراءات مورست في حق متطرفيها ومعتدليها، سياسييها ومسئوليها وكوادرها وبسطائها كلهم في كفة الخونة وبائعو الوطن.
عن أي كأس نحدثهم! عن أكثر من 2500 عامل مفصول بمعدل 12 الف أسرة بلا مورد أو دخل من كوادر تعليمية وطبية وقانونية وعمال بسطاء، أو عن أكثر من 35 ضحية سقطت، أو عن معتقلين قرأنا عن آهاتهم في السجون، عزاؤهم الوحيد تقرير محايد من لجنة عقدوا آمالهم عليها نحو الحقيقة والإنصاف والعدالة.
قبل 14 فبراير كان متنفس الراديكالين أطفال ومراهقون في الطرقات، كم أدنا واستنكرنا، أما الآن فبات المتنفس شباب محبطون متعطشون لتغيير واقعهم، كرنفالات ليلية تعبر عن امتعاض وإحباط وإصرار، ولم يعد بالإمكان الاستنكار تحت حصار العقاب الجماعي ورفض إعادة الدفة إلى مسارها وتجاهل حقيقة حجم الأزمة، فهؤلاء الشباب لا يرون إلا التغيير حلا لأزمتهم، لأن الواقع خانق لا كأس مملوءة وفراغ قاتل.
تقول الحكمة لا تكن لين فتداس ولا صلب فتكسر، فهل من الصعب عليكم التأسيس للجنة أو هيئة للإنصاف والمصالحة وإنصاف من انتهكت حقوقهم كخطوة ابتدائية، وهل استعصى عليكم عقد مصالحة وطنية بين أطراف النزاع والتأسيس لدولة مدنية حقيقة ركائزها مجتمع مدني قوى ومتماسك يكون الخلاص من ذلك الانشقاق الطائفي البغيض، وهل من المستحيل الخروج من دولة القبيلة والولاءات الفردية إلى دولة المؤسسات التي تحفظ حقوق الشعب وحق العائلة الحاكمة وكرامتها كأي دولة حضارية متمدنة! إذا أردنا الحفاظ على القليل المتبقي من الكثير المسكوب، فذلك ليس مستحيلا، المستحيل هو بقاء الحال كما كان قبل 17 مارس، فلا الحل الامني في صالح البحرين ولا صالحكم، ولا قطع وريد اللحمة الوطنية ولا سياسية "اضرب المربوط يخاف المنفلت" تنفع فالمنفلت البحريني كسر حاجز الخوف، ولا أي من الحلول الترقيعية التي تدار حاليا ستنفع.
الواقع يفرض معطياته وما كان مباح بالأمس أصبح منتهي الصلاحية اليوم، وحماية هذا المجتمع من حرب تضع أركانها بين مكوناته تعالج عبر مصالحة وإصلاح، فالشحن الطائفي وصل مداه ولا مجال للمجاملات، نريد أن نعيش على أرض الوطن لا رماد الوطن، فلن ترحلوا ولن يرحل نصف الشعب فاعطوا كل ذي حق حقه.
للحديث بقية ...
*كاتبة بحرينية