كن موالياً للنظام واقذف الشيعة بما تشاء، وكن معارضاً وسنقذفك بتهمة الإساءة والتحريض
2014-08-30 - 5:03 ص
مرآة البحرين ( خاص): ما الذي يحدّد موقف النظام البحريني من خطابات الكراهية والتحريض الطائفي والقذف العلني والسب والشتم والإهانة للمعتقدات الدينية؟ ومتى يقول النظام عن خطاب ما إنه كذلك؟ ومتى يتخّذ إجراءه لمعاقبة من يتّهمه بذلك؟ وما هي الحالات التي يقوم فيها بتوقيف أو اعتقال أو محاكمة من ينسب إليه هذه التهمة؟ ومتى يتركه حراً طليقاً بلا محاكمة أو عقاب؟
(1)
في 24 يوليو 2014، رفعت المحامية فاطمة الحواج دعوى قضائية ضد طارق العامر، الكاتب في صحيفة البلاد، بتهمة الازدراء والتعدي بطرق العلانية على الطائفة الشيعية، بعد أن سخر الأخير عبر مقال له في صحيفة رسمية وبشكل علني من الطائفة الشيعية، ونال من الإمام الثاني عشر ومعتقد الشيعة الذين يمثلون الغالبية في البحرين، واصفاً إياها بالتخاريف المعشعشة في الرؤوس. لكن، حتى ساعة كتابة هذا التقرير، لم نسمع عن أي تحريك لهذه الدعوى من قبل النيابة العامة أو أي إجراء أتخذ بناء عليها.
وعلى العكس من ذلك، تم بسرعة البرق، تحريك الشكوى التي تقدم بها شخص يدعى "خالد بورشيد" ضد المدون نادر عبد الإمام في 26 أغسطس 2014 لما أسماه "إساءته للصحابي الجليل خالد بن الوليد". كان عبد الإمام قد كتب تغريدة قبلها بيوم قال فيها "لم يعلموني في حصة الدين أن خالد بن الوليد قتل الصحابي مالك بن النويرة وقطع رأسه ووضع رأسه في قدر للشواء واغتصب زوجته! بل قالوا صحابي جليل"، قبل أن يقوم بمسحها.
الغريب أن التعريف الذي يضعه بورشيد عن نفسه على صفحته، هو تهمة في حد ذاتها، فهو تعريف ينضح بالكراهية والطائفية ويعد لوحدة إساءة علنية لطائفة دينية كاملة: "ضيف حلقات برنامج مرصد الأحداث وجرائم الشيعة على قناة صفا الفضائية وبرنامج عملاء ايران"!!
النيابة العامة، وفي اليوم التالي مباشرة، أي في 27 أغسطس أُرسلت إحضارية استدعاء عاجلة لعبد الإمام، مثُل على إثرها للتحقيق قبل أن تقرر توقيفه سبعة أيام على ذمة التحقيق بتهمة الإساءة لخالد بن الوليد.
ربما لن يكون صعباً تمييز أن الأول (سُني) محسوب للنظام البحريني، وأن الثاني (شيعي) معارض.
(2)
أضف إلى ذلك، أنه في اليوم نفسه الذي تم التحقيق فيه مع عبد الإمام على خلفية التغريدة، كانت النيابة العامة قد صرّحت بأنها انتهت من التحقيق مع أحد المتهمين (الضابط السابق في المخابرات عادل فليفل) بتهمة التعدي علانية على إحدى الملل وتحقير شعائرها وأمرت بإحالته الى المحكمة الصغرى الجنائية الثالثة وحددت جلسة 8 سبتمبر 2014 لنظر الدعوى. المعروف أن فليفل أقدم على نشر وإذاعة تسجيل فيديو في مواقع التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت تعدى فيه على الطائفة الشيعية ووصفها ب"الكفر" وحقر من شعائرها قبل أن يتوعد زعيمها الروحي الشيخ عيسى قاسم بالقتل. ورغم التحقير والتكفير والتهديد بالقتل إلا أن النيابة العامة لم تجد ما يستدعي توقيف فليفل كما فعلت مع عبد الإمام الذي لم يكفّر أحد ولم يهدد بالقتل، بل استحضر معلومة تاريخية مشهورة ومثبتة في صحاح المسلمين مهما اُختلف على جدوى استحضارها في مثل هذا الوضع المتأزم طائفياً.
لن يكون صعباً هنا أيضاً تمييز أن فليفل هو (سنّى تكفيري داعشي) محسوب على النظام البحريني.
(3)
وفي17 يونيو 2014، تم اعتقال شاب بحريني بتهمة إدارة حساب (تكروز)، وهو حساب معروف على موقع التواصل الاجتماعي في تويتر بمعارضته للنظام البحريني بطريقة ساخرة ولاذعة.
وجهت له تهمة الشتم والبذاءة والتحريض على الكراهية من قبل إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية، ولا يزال الشاب المتهم حتى الآن يقبع في السجن دون محاكمة مع تجديد الحبس 45 يوما إضافيين.
في الوقت نفسه، تم التحقيق مع صاحب حساب منرفزهم المعروف، وهو محمد بن سلمان بن صقر الخليفة، تم التحقيق معه على ذمّة أربع قضايا مرفوعة ضدّه ومنظورة أمام المحكمة، قبل الافراج عنه بكفاله مادية. ولا يزال الأخير حراً طليقاً دون اتخاذ أي إجراء قانوني ضده رغم اشتهاره بالقذف والتحريض العلني على الكراهية ضد الطائفة الشيعية تحديداً، نضع هنا إحدى تغريداته التي كتبها في ذكرى أربعين استشهاد الحسين ابن بنت الرسول (ص)، وهي مناسبة يحييها الشيعة بالرثاء والعزاء. التغريدة استحضرها مدونون كنموذج لإهانته العلنية للطائفة الشيعية ووصفه سبط الرسول بالخنزير، يقول: "استنفار أمني كثيف داخل المنامة الآن تحسباً لخروج الكلاب الضالة من محاجرها في ذكرى الأربعين لوفاة خنزير من خنازيرهم".
لن يكون صعباً هنا أيضاً، تمييز أن تكروز (شيعي) معارض، في حين منرفزهم (سنّي) موال للنظام البحريني.
(4)
وسائل التواصل الاجتماعي، وكرد فعل مباشر على اعتقال المدون عبد الإمام، استحضرت مخزوناً واسعاً من التغريدات والتصريحات التي تضمّنت إهانات صريحة للطائفة الشيعية وقذف علني لرموزها الدينين والاستخفاف بمقدساتهم، تم ضخّها في رد فعل مقارن، يكشف عن وجه النظام البحريني الطائفي البغيض. وإظهار تبنيه الصريح والعلني لأصوات الكراهية والتكفير، وحمايته الشخصيات المعروفة بخطاباتها التحريضية والطائفية، ما دامت تسبّح باسم السلطة.
من أمثال هذا المحزون ما ورد على لسان النائب السلفي جاسم السعيدي من وصف الطائفة الشيعية ب"النغول"، وما تكرر وروده على لسان النائب الاخواني محمد خالد من وصف الشيعة بـ" الرافضة المجوس عملاء إيران والخونة وأولاد المتعة"، وما ورد على لسان طارق العامر من استهزاء بالمهدي الامام الثاني عشر عند الشيعة، وغيرها. كذلك تم استحضار مخزون آخر من التغريدات التي تنال بشكل وقح وعلني من الشيعة، من بينها تغريدة سابقة للمتحدث باسم الجيش البحريني خالد البوعينين وهو يقول واصفاً الشيعة: ربهم بشر ومعصومهم إله وعمائمهم تزني وأطفالهم بلا نسب وطقوسهم شرك"، وتغريدة لمحمد الشروقي (مقدم برامج طائفية في قناة صفا) يقول فيها: يتصور الرافضة الصفوية بأنهم سوف يخيفونني بأنني ذكرت مهديهم بسوء واحتقرت مذهبهم. نعم كل المسلمين يحتقرون مهديكم المجرم وكل المسلمين يلعنونكم"، وغيرها من التغريدات التي تتنافس في وقاحتها وتطاولها على الطائفة الشيعية في البلاد دون أن يتم اتخاذ أي إجراء مع أصحابها من قبل السلطة.
هذه الأصوات رغم انتشار تسجيلاتها وتغريداتها واستمرارها في تكرار حقدها ذاته في أكثر من محفل وموقع ومكان، ورغم رفع دعاوى قضائية على عدد منها، إلا أنها لا تزال حرّة طليقة ولم يتم تحريك أي من الدعاوى القضائية ضدها، ولا تزال حتى اليوم تكرر سبابها وإهاناتها وتكفيرها للطائفة الشيعية وتحريضها على قتلهم علانية.
لن يكون صعباً هنا أيضاً تمييز أن أصحاب هذه الكراهيات هم (سنّة) موالين للنظام البحريني.
(5)
وكانت مواطنة تدعى "نوال محمد" قد تقدمت مع زوجها بشكوى "قذف وإثارة للفتنة الطائفية" ضد النائب السلفي جاسم السعيدي منذ 6 فبراير 2010، إثر خطبة ألقاها يوم الجمعة في جامع بمدينة عيسى، وصف فيها الشيعة بـ"عبدة القبور والقماش الأخضر"، ومنذ ذلك التاريخ لم يتم اتخاذ أي إجراء رسمي ضد الأخير المعروف بتكفيره العلني للشيعة والإساءة الصريحة لهم.
وفي 21 ديسمبر 2011 رفعت المحامية فاطمة الحواج شكوى جنائية ضد العضو بجمعية المنبر الإسلامي (إخوان) الشيخ محمد خالد بسبب خطابه المفعم بالكراهية والتحريضي ضد فئة من المواطنين، تم التحقيق معه على إثرها، وخرج متفاخراً بعد التحقيق، دون اتخاذ زي إجراء ضده، مستمراً في خطاباته المشحونة بالكراهية والازدراء والتكفير.
كما أعلنت الحواج في 3 سبتمبر 2012 أنها تقدمت بشكوى ضد السلفي سعودي الأصل يدعى شارخ الدوسري إلى النائب العام، إثر تغريدة قدم فيها عرضاً مالياً للشيعة مقابل تسننهم. متهمة إياه بارتكاب جريمة الازدراء بالطائفتين السنية والشيعية على حد سواء، مشيرة إلى أنها تنتظر تصرف النائب العام في الشكوى، دون أن نسمع عن أي إجراء تم اتخاذه في حق هذا الأخير حتى الآن.
هل يكفي هذا لتتأكّد الصورة؟