بي بي سي: شيوخ ساندهيرست: لماذا يقبل حكام الخليج على التدريب العسكري في بريطانيا؟
2014-08-26 - 11:34 م
بي بي سي: العديد من ملوك وأمراء الشرق الأوسط الحاليين والسابقين تخرجوا من أكاديمية ساندهيرست العسكرية البريطانية.
أجيال من العائلات المالكة في دول العالم، خاصة من منطقة الشرق الأوسط، تعلموا كيف يكونوا قادة عسكريين في أكاديمية ساندهيرست لتدريب الضباط في بريطانيا، لكن هل مازالت هذه فكرة جيدة، تساؤل طرحه ماثيو تيلر.
فمنذ عام 1812، كانت أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية، على حدود مقاطعتي ساري مع بيركشاير جنوبي انجلترا، مركز تدريب ضباط الجيش البريطاني.
وتستغرق دورة اختبارات المهارات البدنية والعقلية للطلبة الضباط القاسية 44 أسبوعا، ويتعلم خلالها الطلاب على قيم الجيش البريطاني.
وبجانب الطلاب البريطانيين، تعتمد ساندهيرست تقليدا بقبول طلاب من مختلف دول العالم.
غالبية العائلات العريقة في الشرق الأوسط ترسل أبناءها وبناتها إلى الأكاديمية العسكرية، ويعد ملك الأردن الراحل الحسين بن طلال أبرز خريجي ساندهيرست.
ومن بين الحكام العرب الحاليين يوجد أربعة من خريجي الأكاديمية والكليات التابعة لها، وهم :ملك الأردن عبدالله بن الحسين، وملك البحرين حمد بن عيسى، والسلطان العماني قابوس بن سعيد، وأمير قطر تميم بن حمد.
ومن الحكام السابقين الشيح سعد العبدالله الصباح أمير الكويت، وأمير قطر السابق حمد بن خليفة.
وعلاقة الخليج بأكاديمة ساندهيرست ممتدة منذ أن كانت بريطانيا قوة استعمارية كبرى في منطقة الخليج.
وتقول حبيبة حامد، مستشارة السياسة الخارجية السابقة لحكام دبي وأبوظبي "البريطانيون كانوا بارعين في شيء واحد وهو تدعيم حكمهم عن طريق استعراض العظمة، الاحتفال ومظاهر القوة العسكرية بالإضافة إلى الصدمة والرعب، وكل هذا ينبع من العلاقة العسكرية البريطانية."
ويرى مايكل ستيفنز، نائب مدير المعهد الملكي للخدمات المتحدة بقطر، أن ساندهيرست هي المكان الذي يتعرف فيه حكام المستقبل على بعضهم البعض، كما أنها تمنح بريطانيا تأثيرا في الخليج.
وقال "تجذب بريطانيا نوع من اهتمام النخب السياسية الخليجية، وهو ما لا يتوافر لأي دولة أخرى في حجمنا مثل فرنسا، وهو ما يمنحنا نفوذا وقوة أكبر."
وأضاف "هناك أشخاصا قضوا وقتا في بريطانيا وهم على علاقة بزملائهم ومعلميهم، والألفة في السياسة مفيدة جدا في الحالة الخليجية."
بينما قال العميد سينكوك، ملحق الدفاع السابق في المملكة العربية السعودية، "إنه بالنسبة للمواطنين البريطانيين الذين يجوبون العالم، مثلما فعلت عندما كنت عسكريا، تقابل أشخاصا ممن درسوا في ساندهيرست وتبدأ الصلة معهم فورا، أعتقد هذا مفيد جدا، على سبيل المثال في مجال المبيعات العسكرية."
لكن العواطف لا تجدي دائما. في 2013، على الرغم من التدخل الشخصي لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، فقد رفضت الإمارات العربية المتحدة شراء طائرات تايفون البريطانية المقاتلة.
ومع هذا فإن اتباع المشاعر يؤتي ثماره في نواحي أخرى.
وتشير جان كينينمونت، نائب رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد تشاثام هاوس، أن إمارات الخليج أصبحت مصدرا هاما لرؤوس الأموال.
وقالت "لذلك ترى أن أطول مبنى في لندن مولته قطر، كما أن الإمارات تمول عمليات تطوير البنية التحتية وآبار النفط في بريطانيا، توجد رغبة ربما تبدو أحيانا يائسة، للإبقاء عليهم بالداخل لأسباب تجارية."
وتوضح كريستيان كوتس أولريكسون، من معهد باكر في هيوستن بتكساس، أن السياسة البريطانية في الخليج تجارية في المقام الأول، ثم يأتي القلق حول حقوق الإنسان والإصلاح في مرتبة ثانوية.
وقبلت ساندهيرست منحة مالية بقيمة 15 مليون استرليني من الإمارات، عام 2013، لبناء مجمع إقامة حمل اسم "مبنى زايد"، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي مارس/آذار العام الماضي، أعيد افتتاح المركز الرياضي بالأكاديمة "مونس هول" صالة مونس (نسبة الى المعركة الشهيرة في الحرب العالمية الاولى)، باسم كنج حمد هول (صالة الملك حمد)، بعد تبرع ملك البحرين حمد بن عيسي، الذي درس في كليات تابعة للأكاديمية، بمبلغ 3 مليون استرليني لتشييدها.
وكانت إعادة تسمية المركز مثيرا للجدل، بسبب الاهتمام الضئيل بحوالي 1600 بريطاني سقطوا ضحايا في معركة مونس في أغسطس 1914، وفي جانب آخر بسبب تعامل الملك حمد وحكومته مع الاحتجاجات السياسية في البحرين خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
ويمكن ملاحظة النقد في إطار الشرط الثالث في دورة تكليف الضباط بالأكاديمية، والذي يهتم بتكتيكات مكافحة التمرد وطرق إدارة الاضطرابات العامة.
ومنذ اشتعال الاحتجاجات بين الأغلبية الشيعية والأقلية السنية الحاكمة في البحرين عام 2011، توفى أكثر من 80 مدنيا على يد قوات الأمن، وفقا لتقديرات المعارضة، ورغم تشكيك الحكومة في الأرقام.
كما لقي 30 شرطيا حتفهم أيضا في المواجهات بين الجانبين.
ويقول العميد سينكوك، رئيس جمعية البحرين التي تروج للصداقة بين بريطانيا والبحرين، أن الملك حمد دائما ما شعر بأن ساندهيرست مكانا رائعا، "وهناك 20 من أفراد عائلته يدرسون في الأكاديمية، وهو لم يفهم حقا سبب كل هذا الغضب."
ومن جانبه قال كريسبن بلاك، خريج ساندهيرست ومعلم سابق بها :"لا يجب أن تتلقى الأكاديمية أموالا، فكل مكان هنا يمثل تذكارا لشئ ما، فكل مبنى أو لوحة طريق يأخذك مباشرة إلى قلب تاريخ الجيش البريطاني. وإطلاق اسم الملك حمد على هذه القاعة لن يحقق هذا الأمر."
وقدمت الأكاديمية ردا مكتوبا على الانتقادات التي وجهت لها، جاء فيه :"كل الهبات التي تحصل عليها ساندهيرست تتوافق مع الإلتزمات القانونية المحلية والدولية لبريطانيا ومع قيمنا كأمة، وكل التبرعات خلال الأعوام الماضية وفرت لدافع الضرائب البريطاني مبلغ كبير من المال."
لكن ماذا يحدث عندما يتحول أصدقاء ساندهيرست إلى أعداء؟
في عام 2001، زار توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت، دمشق في إشارة إلى دفء العلاقات بين بريطانيا وسوريا.
وبعد فترة قصيرة وتحديدا عام 2003 كانت الأكاديمية تدرب ضباطا من القوات المسلحة السورية، لكن الآن بالتأكيد أصبحت سوريا منبوذة دوليا.
وكتب الصحفي مايكل كوكريل عن الفترة التي قضاها "الديكتاتور الليبي" معمر القذافي في مدسة تعليم الجيش في بيكونزفيلد عام 1966.
"بعد ثلاثة أعوام اتبع القذافي تقليد الضباط الأجانب الذين تدربوا على يد الجيش البريطاني. واستغل الأشياء الجديدة التي تعلمها في الإستيلاء على السلطة في بلده."
وشهدت نهاية التسعينيات تحركا من حكومة توني بلير في ذلك الوقت لإنهاء تدريب الطلاب العسكريين من دول العالم.
ووصف الجنرال آرثر دينارو، مستشار وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط والقائد بأكاديمية ساندهيرست في نهاية التسعينيات، الفكرة بأنها جزء من "السياسة الخارجية الأخلاقية"، والتي دافع عنها روبين كوك وزير الخارجية وقتها.
لكن يبدو أن جنازة الملك حسين عاهل الأردن، في عام 1999، أفشلت هذه الخطة.
وقال دينارو "حضر هذه الجنازة كل زعماء العالم تقريبا، وكذلك رئيس الوزراء توني بلير، وكان سعيدا عندما رآني أتحدث إلى زعماء الدول ومنهم سلطان بروناي وسلطان عمان وإلى بحرينيين وسعوديين، وسألني كيف تعرفت إلى كل هؤلاء، وأجبت لأنهم تتلمذوا في ساندهيرست."
واليوم يتدرب في ساندهيرست عدد كبير من الطلاب الإماراتيين، أكثر من أي دولة أخرى، بخلاف بريطانيا، وضمت من قبلتهم الأكاديمية مايو/آيار 2014 حوالي 72 طالبا من خارج بريطانيا، من بينهم 40 في المائة من الشرق الأوسط.
وقالت مريم الخواجة، قائم بأعمال رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان "في المستقبل سوف ينظر الناس للوراء وكيف عبثت بريطانيا كثيرا في الشرق الأوسط، لأنها أرادت بيع المزيد من طائرات تايفون للبحرين، بدلا من دعم قيم حقوق الإنسان والديمقراطية."
وشرحت حبيبة حامد "إنها (الأكاديمية) تقول شيئا واحدا وهو أننا نغرس قيما حميدة، لكن هذا لا يحدث، ساندهيرست من بقايا الماضي الاستعماري، إنهم لا يعلمون القيم المدينة، علينا إيجاد قادة منتخبين مدنيا."
ربما تكون ساندهيرست رائعة لبريطانيا، البلد التي يخضع فيها الجيش للحكومة، لكنها أيضا تقدم تدريبا عسكريا لضباط من إمارات الشرق الأوسط، والتي غالبا ما تعمل جيوشها لحماية الأسرة الحاكمة وليس لحماية الأمة.
ومن أبرز خريجي ساندهيرست في بريطانيا الأميرين وليام وهاري أبناء ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز، وهناك أيضا السير وينستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا إبان الحرب العالمية الثانية.
وإيان فليمنج، كاتب شخصية جيمس بوند، لكنه لم يكمل التدريب، وكاتي هوبكنز بطلة تليفزيون الواقع.