» تقارير
الأخوان ضيف: في زفة الذين لا ينسَون أسراهم
2011-09-08 - 9:50 ص
مرآة البحرين (خاص): في المعتقل السياسي، أنت لا تعرف ماذا ينتظرك في الداخل، فضلاً عما يمكن أن ينتظرك بالخارج. هناك أنت في عتمة من الناس والضوء والخيال. ليس سوى العتمة التي ترسم لك الأسوأ الذي قد يأتيك على يد جلادك، وربما ترسم لك في أفضل حالاتها خروج ينقذك من هاويتها القاتلة. لكنك لا تعرف ما الذي يرسمه لك ضوء الخارج. لا تعرف كيف أن آلامك التي تعيشها هناك، هي همّ الناس الذي يهزهم كل الوقت، وأنهم يعيشون لحظاتك وكأنها لحظاتهم، وأنهم منفرطون من الحزن والغضب من أجلك، لأنهم يعلمون أنك تنال ذلك من أجلهم، أنهم يبذلون كل وسائلهم من أجل إطلاق سراحك، لأنهم لا ينسون أسراهم الذين ضحوا من أجلهم. وأن خروجك عيدهم.
في منطقة سند، حيث يقع بيتا كل من باسم وغسان ضيف المتلاصقان، اكتظت الشوارع بالسيارات التي لم تجد لها مكاناً تقف فيه ليلة البارحة، ما استدعى ركنها على بعد مسافة، والترجل مشياً نحو البيت. عند مدخل البيت ستجد مئات الرجال والنساء المتجمهرين بكل حب، وبكل امتنان، وبكل تقدير، وبكل فرح، في انتظار وصول الأخوين ضيف من سجن الحوض الجاف، ينتظرون وصولهما بأحر من الجمر.
يأتي الخبر أنهما قد وصلا أخيراً، قريباً من الساعة الثامنة وخمس وأربعين دقيقة، لا أحد ينتظر أن تصل السيارات التي للتو تعبر عند أول الشارع، بل يتكتلون عندها من فورهم، تتوقف السيارات، يخرج الأخوان للناس، يتفاجآن بالعدد الكبير الذي لم يكونا يتصوراه، ماذا نرى؟ الصورة الآن تختلف، ليست صورة العتمة والموت، ليست صورة المذلة المتعمدة والإهانة، ليست صورة المُعذب والجلاد، ليست صورة القاضي العسكري الذي يُسكت صوت شكواهما، إنها صورة أخرى، صورة تفيض بالناس التي تعلم شكواك قبل أن تبوح بها، وتنام ليلها على وجل أحزانك، وتستقبلك اليوم استقبال البطل المشرف الذي يستحق التكريم والتقدير والشكر والعرفان. هل كانا يتخيلان كل هذه الحفاوة بعد كل تلك المهانة؟ هذا الاستقبال هو الدهشة الأكبر التي يتلقاها كل من يخرج من مهانة الجلاد إلى حفاوة الناس. ففي داخل المعتقل ستنسى أنك إنسان، وحين تخرج سيدهشك أنك بطل.
شكراً لكم.. شكراً لكم.. شكراً لكم.. شكراً لكم
منصورين والناصر الله..
هلا بيك هلا وبجيتك هلا..
العبارات الأولى التي رفعت غسان فوق الأيدي (1)، باسم امتنع عن أن يحمل أولاً، لكنه سيستسلم لأيدي الشباب فيما بعد، لن تكف الأيدي عن حملهم فرحاً، ستنزلهم قليلاً لترفعهم كثيراً، ولن تكف الدهشة أن تجعلهما يبكيان في عجز واضح عن الكلام، (الزفة) المهللة تقطع الشارع نحو البيت، الأحضان والعناقات تنتظرهما عند أول نزول على الأرض، ينزلان وسط تصفيق الناس وتهليلهم وأناشيد فرحهم، هتافات تناديهما بأسمائهما وتخبرهما بمدى فخر الشارع بهما، تخبرهما أن الشارع يحتفظ لهما بفضلهما، وأنه مدين لهما بما أنقذنا من أرواح الناس، وما فضحا من جرائم السلطة.
تم استقبالهما بنثر عشرات الدنانير عليهما من قبل الأقارب والأصدقاء، ونثر الحلويات، كانت دموع غسان لا تتوقف، وابتسامة باسم لا تتوقف أيضاً، والدهشة لا تتوقف، وهتافات الناس كذلك، وبكاء النسوة التي رحن يحتضن بعضهن غير مصدقات ويتبادلن التهاني وسط الدموع. بقى المتجمهرون من أهالي سند والمهنئين يهتفون عند خارج البيت الذي امتلأ بالناس، وفي حديقة البيت تتكدس مجموعة أخرى تهتف أيضاً، وفي باحة البيت من الداخل كانت مجموعة ثالثة تحمل الأخوين وتهتف أيضاً: شكراً لكم .. شكراً لكم..سيُحضر فيما بعد خروف ويذبح أمام بيتهما، فيما يبدو أنه نذر من نذور العودة..
سيظل الناس يتوافدون حتى ساعة متأخرة من الليل، سيظل الليل في بيتهما طويلاً أيضاً هذه الليلة، تماماً مثل كل ليلة، لكنه ليل لا يشبه كل ليالي الشهور الخمسة، بل يمسح ما تركته هذه الشهور في قلوب هذه العائلة..