"رويترز": أمريكا تتعثر في الشرق الأوسط مع تضاؤل الحلفاء وتراجع النفوذ
2014-08-03 - 4:36 م
واشنطن (رويترز): يعكس فشل الولايات المتحدة في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة رغم مساع دبلوماسية مكثفة على مدى اسبوعين حدوث تغيرات إقليمية وظهور آليات جديدة في المنطقة مع تضاؤل نفوذ أكبر قوة في العالم وتقلص عدد حلفائها.
وعندما غادر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري واشنطن في 21 يوليو/ تموز في مسعى لوقف الحرب بين الإسرائيليين والفلسطينيين كان عدد القتلى الفلسطينيين قد بلغ 400 قتيل معظمهم مدنيون إلى جانب 20 إسرائيليا بينهم 18 جنديا.
وبعد ذلك بنحو اسبوعين وفي أعقاب جهود دبلوماسية محمومة شملت مقابلات في القاهرة والقدس ورام الله وتل أبيب وباريس وعشرات من المكالمات الهاتفية ارتفع عدد القتلى بواقع ثلاثة أمثال وانهارت هدنتان واستعر القتال.
وأعلنت إسرائيل انهيار هدنة مدتها 72 ساعة في غزة بعد ساعات من بدئها قائلة ان نشطاء حركة المقاومة الإسلامية (حماس) انتهكوا الهدنة وانهم أسروا ضابطا إسرائيليا فيما يبدو وقتلوا اثنين آخرين.
وقال مسؤولون في مستشفى إن تجدد القصف الإسرائيلي تسبب في مقتل أكثر من 70 فلسطينيا وإصابة نحو 220 وحذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حركة حماس وغيرها من الجماعات بانها "ستتحمل عواقب أفعالها."
وبعيدا عن العداء بين الجانبين - وحيث لا يظهر أن أيا منهما قريب من تحقيق أهدافه - يبدو ان التحدي الدبلوماسي أمام واشنطن يزداد تعقيدا في ظل تراجع نفوذها في الشرق الأوسط.
ومن بين العوامل التي ساهمت في ذلك وجود توتر بين بعض الدول العربية الكبرى التي ترى في الصراع حربا بالوكالة ضد حماس وحلفائها الإسلاميين وبعض المساعي الدبلوماسية الأمريكية الخرقاء بالإضافة إلى التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
ويقول دانييل كيرتزر وهو سفير أمريكي سابق في إسرائيل ومصر ويعمل حاليا بجامعة برينستون "ما من شك في أن النفوذ الأمريكي تراجع" في العالم العربي.
كما تقوضت مصداقية الولايات المتحدة بسبب عدم استعدادها للتدخل في الحرب الأهلية السورية وفشل مساعي كيري في أبريل نيسان في إبرام اتفاق سلام أشمل بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى جانب الاضطرابات في العراق رغم التدخل الأمريكي الهائل على مدى عشر سنوات.
كما أججت المفاوضات الأمريكية مع إيران بشأن برنامجها النووي مخاوف العرب من تقارب بين طهران وواشنطن.
وقال كيرتزر "يبدو الأمر وكأن الولايات المتحدة لا تدرك بشكل كامل مدى تعقيد الأوضاع في المنطقة" مشيرا إلى أن "هناك فكرة بدأت تترسخ لدى بعض الدول في المنطقة وهي أن بإمكانها تحدي الولايات المتحدة دون أن تدفع الثمن".
وفي حادث له دلاله وانتهاك غير عادي للبروتوكول جرى تفتيش كيري ومساعديه الكبار بأجهزة الكشف عن المعادن أثناء وصولهم لاجتماع مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة يوم 22 يوليو تموز.
وفي إسرائيل هاجمت تقارير إعلامية -أذكاها مسؤولون إسرائيليون فيما يبدو- كيري بشدة لدى مغادرته للمنطقة.
وقال بين كاسبيت وهو كاتب عمود ينتمي لتيار الوسط في صحيفة معاريف الإسرائيلية "جون كيري مصدر دائم للإحراج يشبه كرة الثلج. كلما تدحرج زاد الإحراج."
ويقول عدد من المحللين إن جانبي الصراع لم يكونا على استعداد لوقف القتال عندما بدأ كيري مساعيه الدبلوماسية المكوكية في تلميح إلى أنه لم يختر التوقيت المناسب. وليس من الواضح الآن متىسيعود كيري إلى المنطقة إن كان سيعود أصلا.
ودافع الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن كيري يوم الجمعة رغم سخريته من فكرة أن الولايات المتحدة خسرت نفوذها أو أن باستطاعها حل كل المشاكل.
وقال أوباما للصحفيين "من الواضح أن الناس نسوا أن أمريكا كأقوى دولة على وجه الأرض مازالت لا تتحكم في كل ما يجري في أنحاء العالم".
وأضاف "مساعينا الدبلوماسية كثيرا ما تستغرق وقتا. وكثيرا ما نشهد تقدما ثم تراجعا. هذه طبيعة الشؤون الدولية. ليست منظمة ولا سلسة".
وزاد تعقيد المهمة الأمريكية بسبب الانقسام في العالم العربي بين القوى الإسلامية مثل حماس وجماعة الإخوان المسلمين في مصر والقوى التقليدية التي تعتبرهما تهديدا مباشرا.
ومصر مثال واضح. فالسيسي الذي كان قائدا للجيش وصل للسلطة بعد أن عزل الجيش المصري الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين التي تربطها صلات وثيقة بحماس.
وقال روب دانين وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأمريكية ويعمل الآن في مركز أبحاث مجلس العلاقات الخارجية "دور مصر تغير من كونها وسيطا إلى طرف بعد أن أصبحت مصالحها على المحك وفي ظل وجود عداء أو على الأقل خلاف مع حماس".
ونتيجة لذلك اتجه كيري إلى قطر وتركيا - البلدين اللذين يتعاطف حكامهما بقدر أكبر مع حماس - للتأثير على الحركة الفلسطينية من أجل دعم وقف إطلاق النار.
وفي باريس انضم كيري يوم السبت الماضي إلى وزراء خارجية قطر وتركيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ليوجه نداء مشتركا لمد هدنة كانت مدتها آنذاك 12 ساعة. وفي نهاية المطاف انهارت هذه الهدنة أيضا.
ولم يحضر هذا الاجتماع أي مندوب عن السلطة الفلسطينية أو القوى العربية التقليدية مثل مصر والسعودية أو حلفاء واشنطن من الخليج.
وقال غيث العمري المدير التنفيذي لمؤسسة (أمريكان تاسك فورس أون بالاستاين) ومقرها واشنطن "الرأي العام المتشكك بالفعل في الخليج والعالم العربي ينظر لما يحدث باعتباره ترسيخا لأسوأ مخاوفه".
وزادت المخاطر بالنسبة للجانبين منذ بدأت إسرائيل هجومها الجوي والبحري على غزة يوم الثامن من يوليو تموز في مسعى لوقف إطلاق الصواريخ من القطاع الساحلي ثم أعقبته بعدها بعشرة أيام بغزو بري محدود.
وبسبب حجم الخسائر - 1669 قتيلا فلسطينيا معظمهم مدنيون و63 جنديا وثلاثة مدنيين إسرائيليين - يبدو من الصعب الآن على أي من الجانبين الانسحاب دون تقديم أي شيء مقابل إراقة الدماء.
ولا يبدو أن أيا من الجانبين حقق أهدافه.. فحماس تسعى لرفع الحصار عن غزة بينما تحاول إسرائيل تقليص القدرة العسكرية للحركة -والتي تشمل الصواريخ والأنفاق - وردعها عن تنفيذ هجمات في المستقبل.
وبينما ضغطت واشنطن على إسرائيل بشدة يوم الخميس لبذل مزيد من الجهد لتفادي سقوط مزيد من المدنيين الفلسطينيين فإنها خففت موقفها فيما يبدو يوم الجمعة بعد ورود أنباء عن خطف جندي إسرائيلي.
وفي كلمة للصحفيين تحدث أوباما عن "المعضلة" الأمريكية.
وقال "من ناحية .. إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها باستهداف تلك الصواريخ وشبكات الانفاق". لكن المدنيين يتضررون من ناحية أخرى لأن حماس تطلق هذه الصواريخ من مناطق يسكنها مدنيون".