ملف القضاء في البحرين: قانون الإرهاب البحريني وشبكة صيد السمك الفضفاضة (4)
2014-07-06 - 12:25 ص
مرآة البحرين (خاص): "تعريف الإرهاب جاء فضفاضاً كشباك جر السمك، يصطاد أيما يشاء من سمك كبير أم صغير"
العبارة السابقة ليس لمعارض سياسي في البحرين، بل وردت في تقرير اللجنة الدولية للحقوقيين (الأمم المتحدة)، حول قانون الإرهاب في مملكة البحرين وتحديداً المادة رقم (1) من قانون رقم 58 لسنة 2006 بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية.
****
الشيخ (علي المسترشد) هو المتهم رقم 3 في القضية المعروفة "بخلية قطر". بدأت بوقوع خلاف بين مواطنين بحرينيين مع رجال الجمارك في الدوحة في نوفمبر 2012، لتقوم الأخيرة بتسليهم للأمن البحريني، وليفاجأ الجميع بإعلان الداخلية عن خلية تابعة للحرس الثوري الإيراني خططت للقيام بأعمال تفجير واستهداف شخصيات سياسية!!
كان ذلك عقب صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق التي وثّقت: "لا دليل على تورط إيران في البحرين". وبعد استنفار السلطة وعلى رأسها الملك، وتأكيد الأخير أنه يملك الكثير من الدلائل لإثبات التدخل الايراني المباشر في أحداث البحرين.
التهم التي وجهت لمتهمي خلية قطر هي التالي:
1. التخابر مع دولة أجنبية (مسئولي الحرس الثوري في إيران) للقيام بأعمال عدائية ضد مملكة البحرين كاستهداف المنشآت الحيوية والحساسة وضرب مقر وزارة الداخلية، وجسر الملك فهد، ومبنى سفارة المملكة العربية السعودية بالمملكة.
2. تشكيل تنظيم سري الغرض منه الدعوة إلى تغيير النظام السياسي في الدولة بالقوة وتعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع السلطات العامة من ممارسة أعمالها والاعتداء على الحريات الشخصية والحقوق العامة والخاصة.
ما هي الأدلة التي توصلت إليها تحريات النيابة العامة لتثبيت قائمة التهم السابقة على الشيخ المسترشد؟
هل ضبط متلبساً بعمل إجرامي إرهابي وفق النحو المذكور في قائمة الاتهام؟ لا
هل تم ضبط سلاح أو متفجرات معه؟ لا
هل وجدت بحوزته مراسلات استخباراتية؟ لا
هل ضبطت مكالمات هاتفية أو رسائل نصية أو إيميلات أو أي نوع من وسائل التواصل الاجتماعي تتضمّن إثبات الأعداد أو التخطيط لأي من الأغراض المشارة في لائحة الاتهام؟ لا..
عجزت التحريات عن إثبات الركن المادي للاتهام بأي طريقة، بل على العكس أثبتت التقارير الفنية عدم صلة المسترشد بموضوع الاتهام جملة وتفصيلاً، فتقرير أجهزة المسترشد لم يقدم دليلا على حدوث اتصال بأي جهات خارجية ولا وجود لأي اتصالات من خلالها. إذاً ما دليل الإثبات التي استندت إليه النيابة واطمأن لها القضاء فيما بعد؟
كل ما وجده التقرير الفني وجهود التحريات هي عملات إيرانية لدى المتهم الثالث وهي عبارة عن مبلغ "50 ألف تومان" أي ما لا يتجاوز "10 دنانير بحرينية"!!!
ورغم تأكيد المسترشد نفيه للاتهامات المسندة إليه وعدم صلته بموضوع الاتهام، تمت محاكمته تحت قانون الإرهاب، وإصدرت المحكمة في 27 مايو 2012 الحكم بالسجن 15 عاماً دون أن تطلع على دفاع المتهمين أو تقرأ مذكرة الدفاع.
قبل إصدار الحكم، وتحديداً في 15 ابريل 2011، تقدّم المحامي "محمد الجشي" إلى المحكمة الكبرى الجنائية الأولى عن موكله المسترشد، بمذكرة شارحة تدفع بعدم دستورية قانون الإرهاب البحريني، استند فيها إلى تقرير لجنة الحقوقيين في الأمم المتحدة الذي أشرنا إليه في بداية حلقتنا، وإلى تفاسير آخرين من خبراء القانون، وكان يهدف بهذه المذكرة الدفع ببطلان قانون الإرهاب البحريني بصورته الحالية، وبطلان المحاكمات الواردة تحته. لكن الحكم القضائي كان يعرف أي جهة يريد الذهاب إليها.
*******
ما هو تعريف الإرهاب في المادة رقم (1) من قانون رقم 58 لسنة 2006 بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية؟ وما مدى دستوريته؟ وكيف جرت صياغة نصّه بحيث يكون مثل شبكة جر السمك التي تصطاد أيما شاءت من سمك كبير أو صغير؟
يعرّف المشرّع في القانون البحريني الإرهاب بأنه: "استخدام للقوة أو التهديد باستخدامها أو أي وسيلة أخرى غير مشروعة تشكل جريمة معاقب عليها قانوناً، يلجأ إليها الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، بغرض الإخلال بالنظام العام، أو تعريض سلامة المملكة وأمنها للخطر أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو أمن المجتمع الدولي، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص وبث الرعب بينهم وترويعهم وتعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو الصحة العامة أو الاقتصاد الوطني أو المرافق أو المنشآت أو الممتلكات العامة أو الاستيلاء عليها وعرقلة أدائها لأعمالها، أو منع أو عرقلة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم عن ممارسة أعمالها".
لن يكون صعباً أن يجد القارئ العادي كم أن هذا التعريف الغامض والفضفاض لا يعدو أن يكون مجرّد شبكة صيد كبيرة، وأن ضحايا هذه الشبكة هي الأسماك بكل الأنواع والأحجام التي يريدها (الصيّاد). اللعبة في نصب هذه الشبكة لغوية بحتة، لكنها ليست ذكية بما يكفي لتخفي هشاشة خيوطها. تناول كل من تقرير لجنة حقوقي الأمم المتحدة، والمذكرة التي تقدم بها المحامي الجشي عن موكله هذه التعابير بالدحض الدستوري، سنلخّص أهمها ثم سنحللها عبر خيوط شبكة صيد السمك.
لماذا هذا التعريف غير دستوري؟
تنص (المادة 20/أ من الدستور) على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون. يترتب على ذلك أن تكون النصوص العقابية واضحة البيان محددة الأركان. " فالهدف من مبدأ الشرعية هو ضمان إخطار الجمهور بما يعد جريمة وبالعقاب المترتب عليها وبالقيود الواردة على الحرية، وهو ما يسلتزم وضوح قصد الشارع. وكل غموض في النص من شأنه أن يؤدي الى التحكم القضائي الخطر" (الدكتور فتحي سرور- القانون الجنائي الدستوري، ص91)
الأصل في النصوص العقابية أن تصاغ فى حدود ضيقة narrowly tailored تعريفا بالأفعال التي جرمها المشرع، وتحديدا لماهيتها، لضمان أن لا يكون التجهيل بها، مكاناً للإخلال بحقوق كفلها الدستور للمواطنين. فيما غموض النص العقابي يؤدي إلى جهل الجمهور بالأفعال موضع التجريم، فلا يكون بيانها جليا، ولا تحديدها قاطعا أو فهمها مستقيما، بل مبهما خافيا، ومن ثم يلتبس معناها على الناس.
قائمة صيد السمك باستخدام نصّ تعريف قانون الإرهاب:
لماذا هو شبكة صيد؟ | نصّ تعريف الإرهاب في القانون البحريني |
لم يبين الخط الفاصل بين جرائم الإرهاب وجرائم المساس بأمن الدولة المنصوص عليها في قانون العقوبات | النصّ كاملاً |
استخدام القوة لا تخصّ الإرهاب فقط بل تكون في معظم الجرائم الواقعة على الأشخاص. | "استخدام القوة أو التهديد باستخدامها" |
كيف نميز بين الجريمة لغرض إرهابي أو غير إرهابي؟ | "أو أي وسيلة أخرى غير مشروعة تشكل جريمة معاقب عليها قانوناً" |
التعبير ينصرف إلى كافة صور النشاط التي تحتاج إلى جهود منظمة لتحقيق غرض معين. تعبير "المشروع" أقرب لتعبيرات القانون التجاري، وغير واضح في قانون العقوبات. كيف نميز تعلق الجريمة بهذا المشروع الفردي أو الجماعي؟ |
"يلجأ إليها الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي" |
الغرض هو أن ينصرف الجاني إلى تحقيق واقعة معينة، لا بد من تحديدها. الأغراض المشار إليها لا تعد من الوقائع المحددة التي تصلح لأن تشكل قصداً جنائياً خاصاً بجرائم الإرهاب. تعبيرات تتسم بالمرونة والاتساع والغموض وتستعصي على التحديد. كيف يمكن إثبات أن المتهم استهدف بفعله الإخلال بأمن وسلامة المجتمع أو أنه أخل بنظامه العام؟ تندرج تحتها الكثير من الجرائم العادية مثل التظاهرات والسطو المسلح على المحال والبنوك. |
"بغرض الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المملكة وأمنها للخطر أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو أمن المجتمع الدولي......." |
الرعب والترويع يتم تحديده وفق الأثر النفسي الذي أصاب المجني عليه. مدلولها يختلف من شخص لآخر ومن العسير استخلاصها وبيانها. جميع هذه التعبيرات تنطبق على الجرائم العادية مثل التظاهرات أو السطو المسلّح على المحال والبنوك |
"بث الرعب بين الأشخاص وترويعهم وتعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر" |
نصوص التشريع يجب أن تبتعد عن التعابير المكررة والمترادفات وتصاغ في حدود ضيقة ومقيدّة. | حشد مترادفات مكررة مثل "القوة أو العنف" ، "التهديد أو الترويع" |
بهذا يمكن لـ "قانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية" أن يبسط سلطانه على كافة الجرائم العادية التي يستخدم فيها العنف أو التهديد، كجرائم السطو المسلح أو قطع الطرق من عصابات مسلحة أو التظاهر للمطالبة بحق من الحقوق أو الإضراب احتجاجاً على أوضاع سيئة للعمل وغيرها من جرائم عادية.
وباختصار، فإن العمومية التي اتسمت بها كتابة النصّ التعريفي للإرهاب، إما تكشف عن عدم قدرة (المشرّع) على تقييم الحد الفاصل بين فعل الإرهاب وغيره من أعمال، أو أنه أراد بهذا التمويه أن يكون شبكة صيد واسعة وفضفاضة عمداً.
بالعودة إلى قضية "خلية المسترشد"، كان الـ(قصد) الإرهابي الذي ألبسته النيابة للمتهمين، هو ما حوكموا عليه. في حين لم يكن هناك فعل (جريمة)، ولم يتم ضبط أية أسلحة أو أدلة مادية تشير إلى هذا القصد، لم يكن لدى المحكومين غير تذاكر سفر لإيران وحواسيب وبضع تومانات. النيابة العامة وضعت القصد الإرهابي بالمقياس الذي يوّفر لها عقوبة مغلّظة وفق قانون الإرهاب. أعلنت: عن تشكيل خلية "بقصد إنشاء تنظيم للقيام بعمليات إرهابية مسلحة بالبحرين ضد بعض المنشآت الحيوية والأشخاص".
لكن الغريب أن النيابة أخفت ملف القضية الذي زودتها به دولة قطر، والذي تضمّن التحقيق مع المتهمين. والسؤال لماذا؟ يقول المحامي محمد الجشي: أنه ووفق تصريح الداخلية عبر التعاون الأمني قامت قطر بتزويد البحرين بكل المعلومات، في حين أن النيابة لم تقدم في ملف القضية أي ورقة بشأن الإجراءات التي تم اتخاذها تجاه المتهمين وبالتالي جزء كبير من القضية مفقود يتمثل في أهم الإجراءات بخصوص القبض والتفتيش معهم في دولة قطر".
في الحلقة القادمة: عن المحكمة الجنائية الكبرى الرابعة....
- 2014-09-11القاضي إبراهيم الزايد: الأقصى في العقوبة ضد السياسيين، الأقصى في التبرئة لصالح الجلادين (9)
- 2014-09-09ما قبل حلقة القاضي ابراهيم الزايد: قضاء يُمعن في إهانة المحامين (8)
- 2014-07-21 ملف القضاء في البحرين: القاضي علي بن خليفة الظهراني: الأحمق الحموس (7)
- 2014-07-14ملف القضاء في البحرين، الجنائية الرابعة: على خطى محاكم السلامة الوطنية (6)
- 2014-07-10ملف القضاء في البحرين، المحكمة الجنائية الرابعة: مشنقة المُشرّع (5)