المرزوق: من الاعتقال إلى المحاكمة ... كيف سقطت أجندة الديوان الملكي!
2014-06-27 - 3:36 ص
مرآة البحرين (خاص): تفاجأ الجميع بحكم البراءة الذي صدر يوم أمس بحق القيادي الأول في جمعية الوفاق خليل المرزوق، بعد أن كان مرجّحا أن تدينه المحكمة، كما فعلت مع ناشطين عدة، حتى مع زيف الأدلة وركاكة الادعاء.
"مرآة البحرين" نقلت عن مصادر، هي في الواقع مصادر قريبة من جمعية الوفاق، معلومات قالت إن شخصية تمثل الحكم أبلغت القاضي بصياغة حيثيات حكم تبرر حبس المرزوق 3 سنوات. لكن ذلك لم يحدث!
بالطبع، لم يتغيّر الحكم بين ليلة وضحاها، ولا أحد يعرف على وجه التحديد ما الذي أنهى هذه المسرحية السياسية بهذه الطريقة. ولكن ثمّة معلومات أخرى وردت من مصادر قريبة من جمعية الوفاق أيضا، قالت إن الحكم كان قد صدر فعلا، وإن المحامين أنفسهم قالوا للوفاق إنه لا يمكن أن يوقف ذلك إلا تحرك سياسي على أعلى المستويات.
لم تكن بعيدة عن هذا السياق، تصريحات المحامي الشملاوي على تويتر وتوقّعه علنا بأن يحكم المرزوق بالسجن. وكذلك هي تصريحات المحامية جليلة السيد التي قالت هي الأخرى إن "الجو السياسي العام لا ينبئ بقرار يتجه نحو براءة المرزوق من التهم الموجهة إليه".
قبل الجلسة بيوم واحد، نشرت هيئة الدفاع علنا شكواها ضد النيابة العامة واتّهامها بتزوير خطاب المرزوق في التفريغ الذي قدّمته كدليل إدانة إلى المحكمة، وقالت هيئة الدفاع إن النيابة والمحكمة تجاهلا هذه الشكوى خلال الجلسات، وبيّنت أن النيابة اقتطعت جميع عبارات السلمية من خطبة المرزوق، وأضافت على المحضر ما لم يرد في التسجيل!
كل هذه المؤشّرات، بالإضافة إلى ما ورد عن مصادر جمعية الوفاق، جعلت قيادات المعارضة في قلق شديد من صدور حكم يدين المرزوق فعلا. ولذلك كانت هذه التحركات حملة سياسية وقانونية جدية لمواجهة الأمر، والمصادر تؤكّد أن كل ذلك لعب دورا ما في تغيير الأمور.
ولكن، وبحسب المصادر الوفاقية ذاتها، فإن حملة هيئة الدفاع العلنية، ترافقت مع تدخّلات دبلوماسية مكثّفة استمرت حتى اللحظات الأخيرة، وكانت تريد أن تقود إلى تأجيل النطق بالحكم على أقل تقدير. هذه التدخّلات جاءت تحديدا بسبب إثبات هيئة الدفاع قيام النيابة العامة بتزييف وتحريف الأدلة، وهو ما وفّر دليلا مادّيا على كيدية المحاكمة وتزييفها، ما دفع بعض الدول والمنظّمات إلى أن تزيد من ضغطها على السلطات، وترفع من مستوى تدخّلها.
اجتماع المعارضة مع ولي العهد البحريني في يناير 2014 |
المصادر القريبة من جمعية الوفاق، قالت إن الخارجية الأمريكية والبريطانية، ومفوضة الاتحاد الأوربي كاثرين أشتون، هي الجهات التي عملت بقوة على تغيير أي حكم يمكن أن يصدر بإدانة المرزوق. وقالت أيضا إن أحد الدبلوماسيين الأمريكيين كان على اتصال بالديوان الملكي مباشرة في هذا الموضوع.
ما يؤكّد حقيقة التدخّلات الدولية، هو إصدار الخارجية الأمريكية بيانا خاصا حول الحكم، في ظرف ساعات من صدوره، بالإضافة إلى ربطه بالعملية السياسية، واستخدام لغة جديدة فيه من قبيل: التوصل إلى اتفاق، وتشكيل حكومة شاملة (وهي العبارات التي تستخدمها الدبلوماسية الأمريكية حول العراق الآن)، تلا ذلك أيضا إصدار الاتحاد الأوروبي بيانا مماثلا.
حكم البراءة، ليس مناسبة لمناقشة صحة معلومات ما، وردت من مصادر لها ثقلها السياسي والقانوني، وإن رفضت ذكر اسمها. حكم البراءة، غير العادي هذا، يعني أن عدد القياديين الذين استهدفوا من جمعية الوفاق هو صفر، ويعني أن أجندة الديوان الملكي، قد فشلت!
نعم لقد سقطت أجندة الديوان الملكي، على الأقل حين اقتربت إلى هذا الحد من المساس بالوفاق. توقفت. لقد كانت هذه الأجندة هي وحدها ما يعمل طوال فترة السلامة الوطنية، دون أن يكون بالإمكان إيقافها ولو لحظة. كان المشير هو القائد المفوّض، الذي يرأس المحاكم العسكرية، والنيابة العامة العسكرية، وكل الأجهزة الأمنية، ويتدخّل بمعية أخيه، وزير الديوان، في كل عمل الحكومة، بما فيها العمل الدبلوماسي. كانت النتيجة أن سلطته الوهمية التي بسطها لم تكمل عمرها الشرعي، وصار لا بد من الرجوع خلف الكواليس، لإكمال المشروع.
لقد رأينا في الوقت الذي اعتقل فيه المرزوق تعجّب الوزير السابق مجيد العلوي من توقيت الاعتقال "كلما اقتربنا من حل سياسي يحدث أمر يعيدنا لمربع الحل الأمني". أليست هذه أجندة الديوان الملكي؟ أليست هذه أجندة خالد بن أحمد آل خليفة وأخيه المشير.
في مرآة البحرين، كتبنا أيضا بعد اعتقال المرزوق، ونقلا عن مصادر سياسية، هذه الرواية "جمع خالد بن أحمد زعيم القبيلة كبار العائلة، عرض تسجيلاً لخطاب إحدى الشخصيات المعارضة الذي ينتقد فيه حكم القبيلة. أقفل التسجيل وراح يحرّض كبار شخصيات القبيلة على ضرورة معاقبة الشخصية السياسية ومن تسوّل له نفسه الجرأة على التعريض بالقبيلة أو انتقادها".
هذه الشخصية هي خليل المرزوق، وهذا الخطاب هو خطابه في سار 6 سبتمبر/أيلول 2013 الذي قال فيه "ولو قرر آل خليفة اليوم وھم في الزبارة أن ﯾأتوا إلى البحرﯾن غزاة لن ﯾتمكنوا، ﻷن النظام العالمي تغير والمنظومات تغيرت، بعد 230 سنة العقل الغازي ﻻ زال يسيطر على طرﯾقة التعاطي مع ھذا الشعب، 230 سنة لم تستطع العائلة الخليفية أن تندمج مع ھذا الشعب".
لماذا يحبس المرزوق في سجن الرفاع تحديدا؟ لما تقول جمعية الوفاق علنا، بعد يوم واحد من اعتقال المرزوق، إن اعتقاله جاء بقرار سياسي من النظام؟ لماذا تعلّق المعارضة مشاركتها في جلسات الحوار (المماطلة) التي عمرها كان سيصل إلى عام كامل دون أدنى تقدّم؟ أليست هذه أيضا جزءا من أجندة الديوان؟
قبل أن تسقط أجندة الديوان كليا، سقطت حين وقف خليل المرزوق أمام المحكمة وأرسل خطابا سياسا آخر، مؤكدا أنه يقف إلى جانب الاحتجاجات لفرض تنازلات سياسية من حكام البلاد، وأنّه حين رفع علم ائتلاف 14 فبراير، يعمل ما عجزت الدول أن تفعله رغم أنه من مسئوليتها، وهو احتواء هذه الفئة من الشباب واحتضانهم.
لقد سقطت حين وصف المرزوق النيابة العامة، وهو في المحكمة، بأنها ليست حيادية، لقد سقطت حين لم تجد النيابة مخرجا من مأزقها سوى أن تقول إنه يستخدم السلمية ذريعة لدعوته للعنف، ما وصفه المرزوق داخل المحكمة بأنه (محاكمة للنوايا). لقد سقطت حين بلغت وقاحة ممثلي النيابة العامة أن يسبّوا المرزوق وهم غاضبين داخل المحكمة ويتّهمونه بالكذب والافتراء وأن كلامه لا يصدر عن "مسلم"، حتى أن القاضي نفسه رفض هذه الألفاظ!
لقد سقطت هذه الأجندة حين حضرت البعثات الدبلوماسية من الولايات المتحدة، ومن بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا جلسات محاكمة المرزوق، بدلا من أن تكون في اجتماعات مع مسئولي النظام حول "العلاقات بين البلدين"!
وقد واجهت هذه الأجندة في يناير أكبر التحديات، فرغم انهيار خطة الحوار 2 نهاية العام 2013، اضطرّ النظام لفتح الحوار 3 في منتصف يناير/كانون الثاني 2014، وذلك عبر لقاء علني هو الأول من نوعه بين ولي العهد وقادة المعارضة. والأدهى أن ذلك أدّى في 21 يناير/كانون الثاني إلى أن يفتح الديوان الملكي نفسه أبوابه لخليل المرزوق، الذي كان يرأس وفد المعارضة. نعم، بكل ضيق صدر، وبصبر نافد، اضطر وزير الديوان الملكي أن يجتمع وجها بوجه بخليل المرزوق، الذي أرسله قبل عدة أشهر إلى السجن، حانقا عليه!
لقد سقطت هذه الأجندة حين بدا التناقض في المشهد واضحا جدا، بين جلاد متسلّط يريد معاقبة كل من يقف في وجهه، لكنّه يظهر بمظهر المتسامح، السائر إلى طريق المصالحة. فبعد 5 أيام من استضافة الديوان له، كان المرزوق يحضر المحكمة مرة أخرى.
عندما نقول إن أجندة الديوان قد فشلت، فنحن نعني ذلك. لأن الخطاب الذي استفز وزير الديوان وأخاه المشير، ليثيروا كل هذه المسرحية، انقلب عليهم تماما، وأحدث آثارا معكوسة، حين اضطرّت المحكمة في تفسيرها الذي صدر حول الحكم أن تبرئ ساحة الخطاب بالتفصيل الممل، وأن تشرعنه وتبيحه وتؤكد حرفيا، وبما لا يدع مجالا للشك، أنه خطاب سلمي خالص، كما تؤكّد حرفيا أنه ليس إلا جزءا من حرية التعبير.
"محتوى ما ورد بالتسجيلات المرفقة يندرج تحت وصف الآراء السياسية والتعبيرات السياسية ولا تخرج عن كونه تعبيراً عن الرأي، الذي حمته كافة الدساتير والمواثيق والمعاهدات الدولية، ولاسيما وأنها كانت تحتمي بسياج السلمية التي كان يبدأ وينتهي بها، ويدعو إلى تلك الآراء من خلالها، ولم تحمل في طياتها، إذا أخذت في سياقها الكامل، ثمة تحريض أو ترويج لارتكاب جرائم إرهابية، إذ أنه لم يثبت للمحكمة من خلال اطلاعها على كافة التسجيلات وجود عبارات تمثل بشكل مباشر الحث على العنف بل على العكس، وقد ثبت للمحكمة في مواضع شتى في بعض الخطب أن المداخلات كانت تميل إلى العنف وتحثه على البعد عن انتهاج مبدأ السلمية، لكنه كان يأبى ذلك التوجه ويدعوهم لضبط النفس والبعد عن الهيجان غير المنضبط، وعدم الخروج عن الإطار السلمي"
(حكم المحكمة الجنائية الكبرى الصادر ضد خليل المرزوق بتاريخ 25 يونيو/حزيران 2014، برئاسة القاضي إبراهيم الزايد، وعضوية القاضيين وجيه الشاعر وبدر العبدالله)
نستطيع اليوم أن نكرر كل ما قاله المرزوق بالحرف الواحد، أو نقوله علنا في تويتر، حاملين معنا الحكم القضائي الذي يجب أن يحمينا من أي مساءلة قانونية، لأنه يبيح ويشرعن لنا أن نقول... "إن العقل الغازي ﻻ زال يسيطر على طرﯾقة التعاطي مع ھذا الشعب، 230 سنة لم تستطع العائلة الخليفية أن تندمج مع ھذا الشعب".