مع خليل المرزوق.... داخل مقر الوفاق الجديد!
2014-06-25 - 12:21 ص
مرآة البحرين (خاص): على شارع الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، الشارع السريع المؤدي من جهة إلى جسر السعودية، ومن الجهة الأخرى إلى القاعدة الأمريكية ومطار البحرين، يقع المقر الجديد لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية، على بعد أمتار من مقرها السابق، الذي أخرجت منه بشكل مفاجئ مؤخرا، برغبة من المؤجر!
على هذا الشارع الذي يستقبل آلافا من القادمين إلى البحرين عبر الجسر أو عبر المطار، والذي ترتاده عشرات الآلاف من السيارات يوميا، ما زال يمكن للجميع بوضوح أن يروا علم البحرين يرفرف إلى جانب علم الوفاق، في أعلى المبنى الجديد لأكبر الجمعيات السياسية المعارضة في البلاد.
داخل المقر، تلتفت امرأة مكلومة، ورجل مسن، يدخلان مقر الجمعية لأول مرة، إلى إشارة تدل على مكتب التوثيق، المختص بتوثيق الانتهاكات والاعتداءات التي ترتكبها قوات النظام بحق المواطنين البحرينيين، على خلفية الاحتجاجات السياسية التي ما تزال تشهدها البلاد بشكل يومي.
هنا، تستمر الوفاق في استقبال البعثات الدبلوماسية الأجنبية، موفدي النظام، الحلفاء السياسيين، والمواطنين الذين يحملون شكاواهم وقضاياهم ويطلبون من الوفاق دعمها ومساندتها.
يرتسم هذا المشهد كتحد آخر للنظام، الذي لم يعد يزعجه شيء مثل وجود هذا التنظيم السياسي الذي أدار بنجاح جوانب كثيرة في الثورة طوال السنوات الثلاث الماضية.
تأسست جمعية الوفاق رسميا في العام 2001، كوريث شرعي للمجموعة السياسية التي قادت انتفاضة التسعينات. تلاوين مختلفة من التيارات الدينية الشيعية (بما فيها التيار الشيرازي) كانت بين الأعضاء المؤسسين والناشطين، ورغم توجّه التيار الشيرازي إلى تأسيس جميعة سياسية رسمية منفصلة (جمعية أمل، تم حلّها رسميا بحكم قضائي العام الماضي)، وانشقاق جماعات سياسية معارضة عن الجمعية بعد قرارها المشاركة في الانتخابات (حركة حق، وتيار الوفاء الإسلامي)، إلا أن الوفاق، ظلّت المكوّن الرئيس والجامع والممثّل الأبرز للغالبية الشيعية في البحرين، رغم تكرار رفضها الأدبي أن تعرّف على هذا النحو.
عملت الوفاق على تشكيل تحالف سياسي منذ اليوم الأول لبدء العملية السياسية فيما بعد ميثاق العمل الوطني، لتعزيز رؤيتها في تكامل العمل السياسي رغم اختلاف التوجّهات التي فرضتها الخلفيات الدينية والفكرية. في البداية، ضمّ التحالف جمعيات من الوسط الإسلامي السني، مثل جمعية المنبر الوطني الإسلامي، التي كان يترأّسها الوزير الحالي صلاح علي، كما ضمّ التحالف جمعيات قومية وعلمانية أبرزها جمعية العمل الوطني الديمقراطي، التي تزعّمها المناضل الراحل عبد الرحمن النعيمي، ويرأسها حاليا إبراهيم شريف، المعتقل السياسي السنّي الوحيد في سجون النظام.
في العام 2006، كان ينتظر الوفاق تحوّل جديد لعب دورا كبيرا في اتجاهاتها ومواقفها وآلية عملها السياسية، وهو المشاركة في الانتخابات البرلمانية رغم كل المعوقات التي عرقلت خوضها التجربة البرلمانية في العام 2002. حصدت الوفاق 17 مقعدا داخل البرلمان لتكون أكبر كتلة برلمانية، لكنّها لم تحظ بأي تمثيل على مستوى المناصب القيادية داخل المجلس، بسبب الغلبة السياسية المخطّط لها للتيارات السنّية الموالية للنظام، من خلال توزيع الدوائر الانتخابية.
وفي العام 2010، خاضت الوفاق الانتخابات مجددا، وفازت بـ 18 مقعدا. تزعّم الكتلة الوفاقية داخل المجلس القيادي عبد الجليل خليل، في حين رشّحت الكتلة القيادي خليل المرزوق ليكون النائب الأول لرئيس مجلس النواب، وهو أول منصب تشريعي في المجلس يحظى به التنظيم منذ تأسيسه.
وبسبب المشهد السياسي المعقّد، الذي فرضته ثورة 14 فبراير/شباط 2011، غادرت الوفاق البرلمان، ليظل المواطنون الشيعة دون تمثيل رسمي في جميع سلطات الدولة منذ ذلك الحين.
لن يكون هناك وجه شبه بين وضع الوفاق في 2002 ونظيره في 2014. الوفاق التي دخلت البرلمان حوالي 5 سنوات، ستكون اليوم مختلفة جدا. بفعل ثورة فبراير لم تعد الانتخابات هي المحك ولا المعيار، ولم يعد البرلمان محل النشاط السياسي الممكن، ولن تخلق المقاطعة حالة جمود سياسي.
فدوليا صار بوسع الوفاق أن تمثّل أتباعها في العالم أجمع، من خلال مقراتها داخل البلاد، ومندوبيها في الخارج، وحلفائها من التنظيمات السياسية والحقوقية الأخرى. ومحليا صارت الوفاق أشبه بـ"حكومة ظل"، عبر العديد من فرق العمل الضخمة التي تشتغل في رعاية قضايا الناس ومتابعة كل تفاصيلها، فضلا عن متابعة تحركات السلطة وبرامجها وإجراءاتها. تبدو الوفاق وكأنّها تنتظر اللحظة التي تنتقل فيها بمكاتبها إلى مقرات السلطة التنفيذية والتشريعية، لتشارك في صنع القرار.
ربما من الصحيح أن برنامج الوفاق والمعارضة الآن هو برنامج ثوري، لكنّ برنامج الحكم والتشريع هو دائما نصب عينيها. مشروعها السياسي الذي تشترك فيه مع قوى المعارضة الأخرى ليس مبنيا على ثورة دون أمد، ولا يبدو أنها عازمة على البقاء إلى الأبد، داخل أروقة المكاتب الحزبية.
هذا ما تبدّى لنا ونحن نزور مقر الجميعة للقاء المعاون السياسي لأمينها العام، نائب رئيس البرلمان المستقيل، خليل المرزوق، والذي تصدر محكمة بحرينية غدا حكمها بحقه في قضية سياسية ملفّقة، تحت دعوى التحريض على العنف والإرهاب.
في الوقت الذي التقينا فيه المرزوق، وفي إحدى قاعات الجمعية في الأسفل، كان ممثلو قوى المعارضة يعقدون مؤتمرهم الصحفي حول "ترسانة التشريعات" الأخيرة التي سنّته السلطات، عبر البرلمان. باختصار، رأت المعارضة ما يحدث أنه "إغلاق لكل سبل الحل السياسي"!
إلى داخل مقر الوفاق، حملنا أسئلتنا الكثيرة، التي تأتي وسط مشهد سياسي محلي وإقليمي حام، ووضعناها على طاولة المرزوق، آملين أن لا يكون هذا هو اللقاء الأخير!