حكاية بحرينية: 45 يوماً في قريتي
2014-06-07 - 7:58 ص
مرآة البحرين (خاص): أنا شاب من منطقة عالي الواقعة غربي العاصمة المنامة، أنقل لكم حكاية بحرينية، هي حكاية قريتي، وحكاية كل القرى البحرينية. ليست حكايتي إلا نموذجاً. تتشابه القرى البحرينية في يومياتها وأيامها ولياليها، تتشابه في العسف الأمني الذي يخنق بيئتها ويتهدّد سلامها ونومها وتفاصيل حياتها اليومية، بعض هذه القرى بالزيادة وبعضها بالنقصان، لكنها بالقدر نفسه من الصمود.
قدّمت قريتي بين يدي الثورة شهيدين، وهو عدد قليل بالنسبة لقرى أخرى. الشهيد (جعفر معيوف) سقط في 16 مارس 2011 متأثرا برصاص حي في المنطقة الواقعة بين منطقتي السنابس والديه على يد الجيش، والشهيد (عبدالنبي كاظم العاقل) استشهد بعد عملية دهس متعمدة في 23 نوفمبر 2011. بلغ عدد معتقلي قريتي منذ السلامة الوطنية حتى الآن أكثر من 200. قرابة 20 منهم أتمّوا مدة محكوميتهم، وبقى منهم 47 بين محكوم وموقوف.
منذ 2011 والليل في قريتي ليس للنوم، بل للمداهمات. وصل الأمر أن ينام أصحاب البيوت ويتركوا أبوابهم مفتوحة كي لا تُكسر حين تدُاهَم. صار الليل نهار الشباب الذين لا يعرفون أين يلوذون بساعة نوم غير مهدّدة. لكن الأمر اختلف الآن، صارت المداهمات مفتوحة طوال اليوم: فجرا، ظهرا، عصرا، مساء، وفي منتصف الليل.
"هارب في وطني" عبارة أُطلقت على حملة المداهمات الواسعة التي تعرضت لها قريتي، كان حصيلتها اعتقال 29 بحرينيا على مدار 45 يوماً. منذ 14 إبريل وحتى 29 مايو، لم تعرف قريتي ليلها من نهارها. يكاد لا يمر يوم واحد من دون أن تغزو فيه المصفحات والآليات أرض عالي، ناشرة عساكرها ومستعرضة جحافلها. نقاط التفتيش المنتشرة بشكل واسع في طرقات عالي، تركزت في منحنى مسجد (عين رستان) ودوار (الفخارة) تقتنص الشباب المارين دخولاً وخروجاً. ورغم كل هذا الاستعراض الحديدي لقوات النظام، فإن أهالي المنطقة ما يزالون يواصلون مسيراتهم الاحتجاجية الليلية. لن أضع هنا يوميات ما حدث في القرية طيلة ال45 يوماً، فذلك يحتاج إلى كتاب كامل، لكنني سأتطرق إلى لمحة مختصرة لأبرز وأهم اليوميات التي عاشتها قريتي خلال تلك الفترة.
في 14 إبريل، شهدت القرية عملية تمشيط واسعة بدأت منذ ساعات الفجر الأولى، شملت عدداً كبيراً من أحياء المنطقة، امتدت من حي الجبيلية إلى حي السادة والديرة وأمير محمد وحي أبو لومي وإسكان المنطقة، تمت مداهمة 30 بيتاً، فتح أطفال القرية أعينهم على ضجيج قوات الشغب التي راحت تعيث في البيوت رعباً، وكذلك النساء وكبار السن، عاشت القرية بأكملها روع المداهمات، ألقي القبض على 12 شاباً، أفرج لاحقاً عن أحدهم فقط.
في 16 ابريل، اقتحمت قوات النظام منطقة المقبرة صباحاً، وجابت الطرقات بأعداد كبيرة من مركبات الشرطة تجاوزت 20 جيب، وباصين كوستر، وسيارتين لمسرح الجريمة ومدرعتين. تمت محاصرة المقبرة وأحد المباني القريبة، حاصرت القوات المنطقة أكثر من 7 ساعات، مع استفزاز استعراضي جاب المنطقة بأكملها، فرق شغب كاملة تجوب أزقة المنطقة راجلة، وسيارات الشرطة تتحرك بطريقة جنونية داخل الطرقات والشوارع الفرعية، وطلقات وهمية دون وجود أي مواجهات.
في 23 إبريل، قامت قوات النظام بمداهمة منزلين برفقة عدد من المدنيين، تم العبث بمحتويات البيوت وتخريبها، ثم انطلقوا في حملة تفتيش في حي الديرة، ليشهد عصر هذا اليوم - بعد ازالة الحواجز - اعتقال فتاتين. إفراج عنهما لاحقاً.
في قلب ليل 24 إبريل، نصبت قوات النظام بصحبة عدد كبير من الميليشيات، كميناً غادراً لاعتقال عدد من الشباب، تمت ملاحقتهم في حي السادة، تمكن الشباب من الفرار. وفي اليوم ذاته اقتحمت المقبرة من جديد، وسط ظل استنفار أمني كبير، لم يسلم حتى الأطفال الصغار الذين تم توقيف عدد منهم واستجوابهم.
في 8 مايو، حدثت مواجهات داخل القرية، قامت على إثرها قوات النظام مدعومة بقوات الكمندوز إغلاق شارع 36، تحسباً لمنع امتداد الاحتجاجات وخروجها عن حدود القرية، باعتباره شارع 36 محاذ لمنطقة الفصل بين منطقة عالي ومنطقة جري الشيخ.
في 12 مايو، شهدت القرية حملة مداهمات جديدة في منطقة اسكان عالي، انتشرت قوات النظام فيها وخرجت المداهمات بحصيلة سبع منازل، واعتقال ثلاثة لاعبين هم الشاب حسين مهدي وأحمد الشرع وعلي فريخ، تمت محاصرتهم في مجمع (انصار جاليري) واعتقالهم، ومن خلال الاجهزة الخلوية، اعتقلوا في اليوم الثاني 5 من الشباب الذين لهم علاقة باللاعبين، وآخرين تمكنوا من الإفلات.
تزامن ذلك مع استدعاءات كثيرة من قبل مكتب التحقيقات رقم 99 سيء الصيت، بغية الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات وتجنيد من يمكن تجنيده، وقد نجحت المحاولات في تجنيد عدد من الأشخاص، قاموا بدورهم بتزويد التحقيقات بأسماء من يتواجد في الفعاليات المناهضة للنظام.
في قلب ليل 15 مايو، قامت قوات النظام بمحاصرة حي (أبو لومي) وإرهاب عدد كبير من المنازل تجاوز الثمانية، صاحب ذلك التحليق الجوي لمروحية وزارة الداخلية، تضمّنت المداهمات تحطيم لعدد من الممتلكات الخاصة، وبعد مغادرة الموقع اتجهت قوات النظام الى حي الديرة ولاحقوا مجموعة من الشباب قرب المأتم الشمالي، وحاصروا عددا من المنازل خلف جامع عالي الكبير قبل أن يتم اعتقال ستة مواطنين أفرج عن أحدهم لاحقاً.
لا تتوقف المداهمات ولم تحتجب يوماً، تكرار كتابة هذا الفعل في أجندة أيام قريتي قد يبعث على ملل القارئ. لا شىيء جديد يتحرّك في أفق هذه القرية غير انتظار المداهمات وترقبها كل ساعة وكل ليلة. تستمر الحكاية بحلقاتها اللامنتهية في حي (الجبيلية) وحي (أمير محمد)، وبعد المغادرة، تم التوجه باتجاه الإسكان بهدف اقتحام ثلاثة منازل أخرى. اقتحمت القرية مجدداً في عصر الواحد 21 مايو.
في 26 مايو، استيقظت القرية صباحاً على جملة مداهمات جديدة، انقسمت قوات النظام إلى عدة فرق، توجهت أحدها لاقتحام مزرعة وبناية ومنزلين في حي (الجبيلية)، غادرت بعد أن نصبت كمينا استخباراتياً خبيثاً، أوقع بين يديها أحد الشباب. الدوريات المدنية التابعة للتحقيقات الجنائية تم تكثيف انتشارها على طول القرية وعرضها، تقوم بتوقيف العديد من السيارات وتفتيشها والتأكد من هويات العابرين. سيكتشف بعض الشباب أنهم ضمن (المطلوبين) دون أن يكونوا قد علموا بذلك مسبقاً، وسيتم اعتقالهم.
في 28 مايو، اقتحمت قوات النظام المعزّزة بالكلاب البوليسية القرية، تمركزت عند دوار الشهيد جعفر معيوف، وهو دوار في وسط القرية أطلق عليه أهل المنطقة هذا الاسم تكريما للشهيد معيوف، وبذلك أغلق المسار على الداخلين الى القرية.
استعانت قوات النظام بالعملاء في رصد سيارات بعض الشباب المستهدفين والحصول على أرقام هواتفهم، وذلك بعد فشل هؤلاء في الوصول إلى أماكن تواجدهم. في 3 فبراير قام جهاز الأمن الوطني بمراقبة أجهزة الاتصال لعدد من الشباب المستهدفين، قبل محاصرتهم في منطقة بوري، واعتقال 3 منهم هم حسن كاظم وحسين أحمد كاظم وجعفر عبدالله الشغل.
في 14 ابريل، تم اقتحام القرية بأربع مجموعات من قوات النظام، ثلاث منها مكون من سبع سيارات رباعية الدفع ومدرعة وباص مع دعم مروحي لاعتقال الشباب المستهدف.
قد يكون هذا مرور مجحف ومختصر جداً لما تعيشه قريتي، ارتأيت أن أضعكم في صورته خلال 45 يوماً، هي ليست الأيام الأسوأ أو الأصعب التي مرّت علينا منذ 3 سنوات، لكنها نموذج اليومي الذي نعيشه. وضعت لكم حكاية قريتي هنا، وكل القرى تشبهنا، لعلّكم ترتلون معي آية الوطن الكسير، وتبحثون عني في حرجه، أنا الهارب في قلب وطني.