» رأي
قاصمة الثقافة العربية
محمد نجم - 2011-07-22 - 8:39 ص
صورة نادرة لرئيس الوزراء بال"موبايل"
*محمد نجم
أليس من المفارق والعار على جامعة الدول العربية أن يأتي احتفاؤها بالمنامة عاصمة للثقافة العربية 2012 \" وسط أجواء المكارثية السلفية التي تتعقب كل من يشتبه بأنه انتصر لحركة 14 فبراير قولا أو فعلا أو صمتا في حملة ملاحقة للأرزاق والأعناق لم توفر طبيبا أو مهندسا أو شاعرا أو كاتبا. فعن أية ثقافة وأية عاصمة وأية عروبة يتحدث هذا النظام؟ في ليلة المحاكمة التليفزيونية لأسرة الأدباء بتاريخ 1 مايو جلست مذيعة مبتدئة ترفع قائمة بالموقعين على بيان المثقفين الداعم لحركة 14 فبراير وتحاكم شاعرين هما علي خليفة وابراهيم بوهندي بتهمة صمتهما مع أنهما غير موقعين على البيان.
وزيرة الثقافة مي الخليفة كان يعول عليها في تمثيل الاستنارة في الأسرة المالكة بلحاظ كتاباتها المبكرة التي مثلت حساسية مميزة تجاه تعددية مكونات شعب البحرين لكنها برعت الآن بعد التوزير في تلميع فاقع لصورة البحرين المغبشة من خلال زياراتها التي لا تنقطع لعواصم العالم حتى أصبحت أكثر الوزراء سفرا أو بيوتات الثقافة التي يتداخل فيها مال الله بمال قيصر، فلا تعرف أين تنتهي حدود الدولة وتبدأ حدود الوزيرة أو الاستضافات التي تقتصر على ضيوف من بلاد الشرق والغرب وتتجاهل المبدعين البحرينيين، حتى أصبح الشعراء يتندرون على عدد البحرينيين الذين كتب لهم أن يقرأوا في رحاب "بيت الشعر" فوجدوا لا يتعدون العشرة فاقترح أحدهم أن يكتب على واجهة بيت الشعر "لا يدخله إلا المطهرون".
وإذا ما ذكرنا التطهير نأسى على هذا البلد الذي تبنى جائزة قيمتها 100 ألف دولار لحرية الصحافة فاز بها كاتب العمود المصري خالد منتصر في مايو 2010، وإذا بهذا البلد اليوم يسجن الصحفيين والشعراء ويعذبهم ويحاكمهم لآرائهم، كما حصل لآيات القرمزي ويمارس التطهير السياسي والطائفي حين يفصل ويوقف عن العمل عددا من المثقفين العاملين بوزارات الثقافة والإعلام والتربية على خلفية رأيهم السياسي، من بينهم د.حسن مدن الذي كان للمفارقة رئيس لجنة تحكيم جائزة حرية الصحافة المذكورة، وهو مثقف بارز ورئيس المنبر التقدمي. كما حصدت آلة الفصل والوقف من العمل بسبب المشاركة في مسيرة أسرة الأدباء والكتاب بتاريخ 26 فبراير عددا من المثقفين من بينهم الكاتبة نعيمة السماك والكاتب فهد حسين والكاتب يوسف مكي والمخرج ياسر سيف والكاتب علي القميش والكاتب ابراهيم سند والموسيقي خليفة زيمان والموسيقي أحمد غانم والفنانة هدى عبد الله والمصمم موسى حسين، علاوة على فصل العشرات من بسطاء العاملين بوزارة الإعلام على خلفية المسيرة أو الانتماء الإثني. كما أصدر التليفزيون قائمة سرية سوداء بعدد كبير من الكتاب والمثقفين الذين يمنع استضافتهم إعلاميا أو تغطية فعالياتهم أو التعاون معهم.
ويأتي فصل الموظفين الدواريين "نسبة إلى دوار اللؤلؤة" كمقايضة واضحة تقدمها مي آل خليفة للسلفيين ليوقفوا هجومهم على بذخ الوزيرة وفساد وزارتها المالي والإداري وعلى برنامج صيف البحرين وربيع الثقافة ومشروع طريق اللؤلؤ الذي يكشف دأب الحكومة على تنفيذه وترويجه عن ما يسمى بالاستبدال الرمزي إذ يحل لؤلؤ الحكومة محل لؤلؤ الثورة وينتقل "دوار اللؤلؤ" ذهنيا إلى "طريق اللؤلؤ". وحكومة البحرين بارعة في هذا الاستبدال الرمزي الذي يلعب على الأذهان فخلال الانتخابات النيابية الأخيرة زجت بمغمورين اثنين باسم ابراهيم شريف وغازي الحمر وهما نفس اسمي مرشحين للمعارضة الليبرالية لتضليل الناخبين.
و بينما لعب أحد مثقفي التفتيش خالد الرويعي والذي بالمناسبة استقر أخيرا على إنتاج الردح في شتم المعارضة بعد حيرة طويلة في اختيار نوعه الإبداعي لعب دورا في فصل زملائه بوزارة الثقافة، لعب مثقف تفتيش آخر هو الإعلامي يوسف الحمدان مسئول الأنشطة في إدارة أسرة الأدباء الجديدة دورا في فصل موظفي التربية والإعلام وقام بإنشاء قائمة "خونة" تضم الفنانين الخليجيين من الذين شاركوا في حضور الدوار أو المسيرات المعارضة وزعت على شركات الإنتاج الدرامي الخليجية لوقف التعامل معهم.
أما عن التراث المادي فيكفي ازدراء لهذا التراث قيام النظام بإزالة نصب اللؤلؤة الذي كان رمزا "لاند مارك" للبلاد من على وجه الأرض، ثم إلغاء العملة المعدنية التي تحمل صورته والطلب من كل مؤسسة تحمل هذا الرمز بما في ذلك المدارس الخاصة ورياض الأطفال والمؤسسات التجارية إزالته من شعاراتها، واستبدال مسمى المكان "بتقاطع الفاروق" سعيا من النظام لإسباغ لقب أهم الخلفاء الراشدين زهدا وتجديدا وعدلا على أبشع عملية قمع إضافة إلى تدمير بعض المساجد التراثية العريقة.
وأما عن التاريخ والتراث والإبداع الإنساني، فالبحرين على صغرها من أروع البلدان تعددا في مكونات تراثها فحواضرها الساحلية وعلى رأسها المحرق فيها تشكيلة من فنون الموسيقى البحرية الأصيلة وحواضرها الداخلية من القرى والحواري في المنامة (العاصمة المفترضة للثقافة العربية 2012) فيها موزاييك رائع من فنون الموالد والمراثي يمتزج فيها الدين بالفلكلور ويمكن إعادة إنتاجها وعصرنتها لتخرج في صورة فن شعبي إنساني راق يتجاوز البعد الديني الخاص ولا يقل عن احتفالات الشعوب المدهشة بأفراحها، لكن كل تراث مادي أو إنساني أصبح اليوم عرضة لاختباره سياسيا وطائفيا ليسقط من قائمة الموروث الوطني طالما تعارض مع توجهات النظام.
ولذلك لا يوجد اليوم غير تراث الرفاع وهو رقصة العرضة التي يرفع فيها الشيوخ سيوفهم وبنادقهم ملوحين بعقيدة القتل السعودية ضد كل من تسول له نفسه المناداة بتغيير النظام.
وعشية لقائه بالجالية اللبنانية شعر الملك وكأنه أخطأ حين قال إن البحرينيين واللبنانيين يعودون لأصل واحد هو الفينيقيين، وهم شعب البحرين القدماء، فاستدرك قائلا إنه لا يعني البحرين الحالية والتي يجب حسب عقيدة النظام ألا يكون فيها من أحد سبق أصالة وجود العائلة المالكة.
ويذكر هنا ما حصل لباحث مرموق هو الدكتور عبد الله يتيم والذي في لقاء تليفزيوني بتاريخ 25 مايو يدافع عن كونه انتربولوجيا وطنيا قسم هويات شعب البحرين إثنيا إلى أعراق لا إلى طوائف قائلا: "ليس في البحرين سنة وشيعة بل عرب وفدوا إلى البحرين من الحواضر المجاورة وبحارنة سموا بهذا الاسم لأنهم كانوا سكانها"، ظنا منه أنه يقدم مساعدة ثقافية للنظام، لكنه حصل بالمقابل على وجبة سخية من التوبيخ كادت أن تطيح برأسه في الحكومة كوكيل مساعد في الثقافة.
في ظل عقيدة التفتيش الثقافي هذه شكلت الوزيرة لجنة "عاصمة الثقافة العربية 2012 " من عناصر مختارة من طيف واحد فقط واستبعدت أي دور للمؤسسات الأهلية والمثقفين الوطنيين خشية خروج أي صوت على النص الرسمي.
ألا يدعو ذلك جامعة الدول العربية اليوم لتعيد النظر في هذا الترشيح غير المستحق للبحرين ما لم تغير الدولة من اتجاهها الدكتاتوري وتنصت إلى أغاني الربيع العربي، وهي تردد لحن الحرية العظيم القادم من عمق المحيط إلى ضفاف الخليج؟
*كاتب بحريني