الـ«جهادان» الحبشي والسميع: أصغر متهم بالإرهاب، وأصغر مثقف سياسي

من داخل غرفة الطفل المعتقل جهاد الحبشي
من داخل غرفة الطفل المعتقل جهاد الحبشي

2014-03-11 - 6:12 ص

مرآة البحرين (خاص): الطفلان «الجهادان»؛ جهاد الحبشي (17 عاما) وجهاد السميع (10 سنوات)، الأول محكوم بالسجن لمدة 10 سنوات، والآخر ينتظر صدور حكمه في إبريل المقبل. يشتركان في الاسم الأول فقط، ولهما من اشتقاقه نصيب كبير، ويشتركان في أن النظام فرّغ طفولتهما من كونها «اجتهاد» بريء في طلب الحياة والاستمتاع بها، إلى «جَهَد» مميت.

الجَهَد مفردة تتضمن الجُهد والمشقة والتعب والغم والهم والألم والمعاناة. وفي الحديث: أَعوذ بالله من (جَهْد) البلاء؛ قيل: إِنها الحالة الشاقة التي تأْتي على الرجل يختار عليها الموت.

قانون الإرهاب سرق (جهاد الحبشي) من طفولته وعائلته، وتنتظره 10 سنوات من السجن سيغادر خلالها طفولته نحو الشباب، لكنه سيخرج محملاً بإرث لا يغتفر تجاه السلطة. و(جهاد السميع) الذي اشتهر بصورته المؤلمة وهو يخفي رأسه بين يديه متأثراً بالحكم الصادر بحقه في استمرار السجن بتهمة أن (ثقافته سياسية)، وينتظر محاكمة مقبلة، لن ينسى للنظام الوحشي لجمه البربري لبراءة اجتهاده في التعبير عن ثقافته تلك، ولن يغفر.

جهاد الحبشي/ سجن الكبار لا يصلح للصغار

بيت الطفل "جهاد الحبشي" صار واحداً من البيوت الكثيرة في البحرين التي فقدت زهوة أطفالها، البيت خلا من صوت جهاد، من ضحكته، من نشاطه الصاخب وروحه المرحة. غرفته، كتبه، ملابسه، كلها تحن إليه وتفتقده، عشر سنوات هي مدة الحكم التي صدرت في حق براءة جهاد. اعتقل في يوليو 2012، اتهم بحرق مدرعة، أول طفل يحاكم بقانون الإرهاب، عذب منذ لحظة اعتقاله، كُسر طقم التدعيم لأسنانه، حرم من إكمال دراسته، صدر الحكم عليه في أبريل 2013 بعشر سنوات، يقضي حكمه منذ حينها في سجن جو.

والدة (جهاد) تفتح قلبها لـ«مرآة البحرين» بعد أكثر من عام ونصف على اعتقال ابنها. كلمتان اختصرت معاناتها: "ضيعني جهاد"!!.

تحدثت الأم بألم حول افتقادها لابنها، كيف طغت العتمة على حياتهم بعد تغييب جهاد في السجن، مرورها على مدرسته كل صباح يشعل قلبها حزنا، تبحث عنه بين الطلبة، تتخيل صورته في كل طالب، لطالما عاشت معه أحلامه، رسمت معه مستقبله، لكن النظام سرق أحلامها وأحلامه.

انتظار نتائج المدرسة صار غصة في قلب أم جهاد، وفرحة التخرج باتت سرابا، حرمت من أجمل اللحظات التي انتظرتها سنين، كان هذا هو عامه الأخير في المدرسة، وعامها الأول لترى ابنها يكبر وينضج ويخط قدمه في الحياة. 

والد جهاد ما زال غير مستوعب من محاكمة ابنه بتهم تتعلق بالإرهاب، فهو أول طفل يحاكم بقانون الإرهاب ليزج به في السجن ويحكم بعشر سنوات، وبالرغم من صدور الإدانات الدولية إلا أن السلطة في البحرين لم تعر أي منها أدنى اهتمام، كما تجاهلت اتفاقية حقوق الطفل التي وقعت عليها وحاكمت جهاد بالرغم من أنه طفل.

وقد أطلقت منظمة العفو الدولية في مايو/أيار 2013 حملة تحت عنوان "سجن الكبار لا يصلح للصغار" ضمنتها ملصقا يحمل رسما للطفلين إبراهيم المقداد وجهاد الحبيشي، اللذين يواجهان حكما بالسجن لمدة 10 سنوات بموجب "قانون الإرهاب"!

يذكر والد جهاد بأنه عندما نقل ابنه وإبراهيم المقداد إلى سجن "جو" أخذا للشخص المسؤول عن خياطة الزي الخاص بالسجناء، تحيّر الخيّاط من أمرهما، كيف يجد لهما ملابس بمقاسهما، هو تعوّد على مقاسات الرجال لا الأطفال، وبالنهاية ألبسهما ملابس الرجال على أن يخيط لهما ملابس بقياسهما.

جهاد ضمن الأطفال الذين تعرضوا للتعذيب في سجن جو وشهد تعذيبهما نبيل رجب، وعلى إثر ذلك أدخل بالسجن الإنفرادي مدة أسبوعين، كما حرم من الاتصال بعائلته، وعندما استفسر والده عن سبب منع الزيارة ادعوا وجود شجار داخلي بين السجناء حرمتهم من الزيارة.

جهاد السميع

الطفل جهاد السميع

جهاد السميع/ خمس جلسات محاكمة مع تمديد الحبس

اعتقل جهاد السميع في 16 ديسمبر 2013 وأفرج عنه في 27 يناير، قضى 42 يوماً في السجن كأصغر معتقل سياسي في العالم. تهمته أن ثقافته سياسية.

بدت بصمات السجن والتعذيب واضحة على سلوك جهاد بعد الإفراج عنه، الخوف والقلق يلازمانه، معاناته في السجن الانفرادي انعكست على شخصيته، صار يفضل الصمت على الكلام، والهروب عن المواجهة.

الهلع المسيطر على السميع جعله يختار أسفل السرير ليحمتي فيه خوفا من مقابلة «مرآة البحرين»، استطاعت والدته بصعوبة إقناعه أن من جاء لمقابلته لن يؤذيه ولن يعتقله، جهاد يؤمن بأنه سيظل مراقبا من قبل الشرطة فلن يتركوه، كما أن كلمات القاضي ما زالت في أذنه: لن نتركك، سنظل نلاحقك!!

طوال وقت جلوسه مع «مرآة البحرين»، لم يرفع جهاد رأسه سوى ثوان. يداه متشابكتان وكأنه كان يقرر بين نفسه ما سيقوله لنا، إجاباته مختصرة لا تتعدى كلمة أو اثنتين، ورغم تشجيع والده إلا أن جهاد ظل كما هو، فالخوف من الرجوع إلى سطوة الجلادين قد سيطر عليه.

بصوت خافت متكسر سرد جهاد ما حدث يوم اعتقاله: كنت بالقرب من بيت جدي في جدحفص، عندما داهمت القوات الأمنية المكان بحثا عن المتظاهرين، خفت من أعدادهم الكبيرة جدا، بعضهم كان بالسيارة والبعض الآخر كان ماشيا، لجأت إلى المقبرة القريبة من بيت جدي لكنهم لاحقوني واعتقلوني وبدؤا بضربي منذ لحظة اعتقالي.

وبكلمات متقطعة يكمل جهاد حديثه: أركبوني سيارة الشرطة وأخذوني إلى (بيوت الشباب)، هناك تعرضت للتهديد بالصعق الكهربائي، سألوني : أين هي الإطارات؟ وما هو مكان الطفايات؟ أجبتهم بأني لا أعلم شيئا عنهم مع ذلك لم يصدقوني فأرسلوني إلى مركز الخميس.

في مركز الخميس تم التحقيق معي وكانت إجاباتي كسابقتها، أنا لا أعلم شيئا عما يسألون عنه، لكنهم قرروا تحويلي على النيابة العامة لمحاكمتي.

في 18 ديسمبر تم التحقيق مع جهاد في النيابة، وبعدها مباشرة أرسلوه إلى المحكمة، يقول جهاد: هناك سألني القاضي: ما هي قضيتك؟ ، فأجبت بأني فقط كنت عند بيت جدي، ومع ذلك حكم القاضي بأسبوع، وتكررت هذه المحاكمات لخمس مرات تقريبا، في كل مرة يجدد القاضي  حبسي على ذمة القضية.

جهاد الطفل ذاق مرارة السجن الانفرادي مدة يومين في مركز الأحداث، وضع في غرفة لا يوجد فيها ما يلتهي به عن غربته ووحشة المكان، لم يسمحوا له بالخروج سوى للطعام أو الحمام، الاتصال بوالديه ممنوع أيضا، وخصصت له 15 دقيقة فقط للزيارة العائليه لمرة واحدة في الأسبوع.

يحكي جهاد بأنه ذات مرة تقطعت " الفانيلة" التي كان يرتديها عندما سحبته الرائدة في مركز الأحداث من خلفه، ونتيجة لذلك عوقب وحرم من كل شيء، واتهم بأنه هو من تسبب في تمزق ملابسه، فصار متهما مرة أخرى وصارت الضحية هو السجان!!

لم يتوان سجانوه عن تعذيبه وإيذائه نفسيا وأجبروه على حلق شعر رأسه قبل يوم واحد من إطلاق سراحه، أثّر تغير شكل وجه كثيرا عليه، وصار يلجأ لإخفاء شعره خجلا من الناس التي جاءت لاستقباله بعد إطلاق سراحه.

تعب والداه كثيرا حتى استطاعا إيصال الكتب لابنهما بعدما أنهت المدارس امتحاناتها لنهاية الفصل، شُتما أمام ولدهما بسبب تدني تحصيل ابنه في الاختبارات المقدمة من قبل مركز الأحداث، وألقوا عليهم اللوّم بسبب نشر قضية ابنهم ومعاناته للمنظمات والصحافة.

جهاد ينتظر محاكمته في 17 أبريل 2014 وحتى يحين الموعد، سيظل قلقا خائفا مما ينتظره، فما دامت لديه «الثقافة السياسة» كما يقول القاضي فهو مذنب بنظر النظام وعليه يجب أن تكال عليه التهم: تجمهر، أعمال شغب، الاعتداء على رجال الأمن، وقلب حاويات القمامة وغيرها من التهم التي باتت محفوظة في ذهن الجميع.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus