مأزق الأمير خليفة بن سلمان
عباس المرشد - 2014-01-22 - 7:59 ص
عباس المرشد*
بدايةً لا يجب التعويل كثيرًا على جولة ولي العهد البحريني في تقديم حزمة حلول مقنعة، مع أنها هي الأكثر جدية منذ توقف المفاوضات بين ولي العهد والمعارضة في مارس 2011، فالخطوة الراهنة قد تحمل معها انقلابًا مكررًا، أو تمديدًا للوقت، حسب فرضيات المفاوضات المتداولة. ومع هذا الحذر من عقم جولة المفاوضات هذه، يمكن إعادة النظر إليها وفق ثلاث معادلات تفرض نفسها منذ مدة قصيرة وهي:
المعادلة الأولى: العمر الافتراضي للأزمة
حيث إن دخول الأزمة السياسية في عامها الرابع يقربها من اكتمال العمر الافتراضي للأزمات في البحرين، والتي يقدر حسب التراكم التاريخي ما بين ثلاث إلى أربع سنوات، بعدها يصبح النظام في أزمة مضاعفة تتوالد فيها الخلافات داخل النخبة الحاكمة، ويقوم الطرف الأضعف سياسيًا والأقوى قانونيًا بالاستعانة بالجناح الشعبي في عملية استقواء لحل الصراع الداخلي. معنى ذلك أن استمرار الأزمة السياسية، وانعدام الأفق القريب لحلها، يسرع من وتيرة الخلافات الداخلية بين النخبة الحاكمة، خصوصًا في ظل فشل كافة السياسيات الملتوية والسياسيات الأمنية في إيقاف عجلة الثورة والحراك الشعبي.
المعادلة الثانية: فشل دبلوماسية الأخطبوط السعودية
فعلى غرار الصعود القطري السريع، ومن ثم انكفائه السريع أيضًا، بحكم كون ذاك الصعود لم يكن صعودًا حقيقيا بقدر ما كان استغلالًا لمعادلات إقليمية معقدة، ومن ثم فإن الحجم الطبيعي لقطر هو ما عليه هي الآن، على غرار هذا النموذج كانت الدبلوماسية السعودية تحاول أن تصارع وهم القوة والنفوذ القطريين، وقد نشطت دبلوماسية الأخطبوط السعودية بعد سقوط ذراعيها النافذين؛ زين العابدين وحسني مبارك الأمر، الذي جعل من خصمها السوري والليبي في مواقع متقدمة، فعملت الدبلوماسية السعودية على إصدار قرارات من مجلس الأمن تقضي بسحق النظام الليبي، وكان دورها في الأزمة السورية واضحًا منذ البداية. مقابل هذا التدخل غير المباشر استطاعت السعودية أن تفرض هيبة مؤقتة على كل من اليمن والبحرين وغيرها من دول المنطقة، في ظل تراجع أداء الدور الأمريكي والأوربي، وحاجتهم الملحة للتمويل المالي والنفطي. أيًا يكن، فقد وصلت الدبلوماسية السعودية إلى حيث انتهت الدبلوماسية القطرية، وبالتالي سمح هذا الوضع بتمرد عمان والإمارات العربية المتحدة والكويت على رغبة الأخ الأكبر. خلال هذه الفترة كان الدعم السعودي يتوجه لرئيس الوزراء البحريني، باعتباره يمثل البقية الباقية من شيوخ المنطقة الكبار حسب التسلسل القبلي. الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي كان الإبرة التي فجرت (النفاخة) السعودية، وبالتالي فإن إمكانية الخروج على الهيمنة السعودية يصبح الخيار الأمثل حاليًا بالنسبة لطرف مغمور من أطراف النخبة الحاكمة المتصارعة في البحرين.
المعادلة الثالثة: عودة النفوذ الأمريكي
خلال فترة الربيع العربي تراجع الدور الأمريكي لصالح النفوذ السعودي والقطري، إلا ان تعاظم المحور الإيراني الروسي، وتوصل المباحثات النووية لاتفاق أولي، وتزامن كل ذلك مع التراجع الطبيعي للدور القطري والسعودي، أعاد النفوذ الأمريكي للواجهة من جديد، وسمح لها أن تفرض نفسها باعتبارها شرطي المنطقة، خصوصًا مع تزايد الحديث داخل وسط النخبة الأمريكية بنقل الأسطول الخامس من المنامة في حالة الإصرار على بقاء رئيس الوزراء والامتناع عن إدخال إصلاحات جدية على النظام البحريني. في الوقت نفسه فإن فشل النموذج الأمريكي في العراق أوجد مساحة جديدة لتسويق نموذج إصلاح سياسي في البحرين، من خلال إعادة الاعتبار لحليفها الداخلي، ولي العهد البحريني، بالتنسيق مع الدور البريطاني.
السؤال الدائر حاليًا وبشكل متكرر قد يصل لحد الملل هو: هل ستنتج مبادرة ولي العهد البحريني الأخيرة وضعا مختلفا عن الوضعية المعقدة منذ 14 فبراير 2011؟ المبادرة المشار إليها ربما فاجأت الكثيرين، وبالأخص قوى الموالاة التي لم تستوعب الأوامر التي صدرت لهم بالانسحاب من الحوار المعلق، فقد فهمت تلك القوى أمر انسحابها على أنه نهاية للمشاهد الممسرحة، وبالتالي فقد يطلب منهم تأدية دور مشابه في عروض قادمة. الصدمة المؤلمة بالنسبة لقوى الموالاة أن العرض القادم لا يحمل في نصوصه دورًا بطوليًا كالذي أسند إليهم برعاية رئيس الوزراء والديوان الملكي، فعلى حين غرة بدأ المشهد الداخلي خاليًا من هيمنة رئيس الوزراء وعودة ولي العهد بصورة أقوى مما كانت عليه.
بالطبع ليس من بين أسباب امتعاض قوى الموالاة، -أو ما يسمى بائتلاف الفاتح،- من إعادة جدولة وصياغة الحوار الوطني الرغبة في قبول تسويات تصبح فيها قوى المعارضة في موقع متقدم سياسيًا، وعلى موازين القوة السائدة، فالامتعاض لديهم يرجع لمواقف سياسية شوفينية، مبنية على تكوين طائفي، ومصالح سياسية واقتصادية وفرتها لهم الثلاث سنوات الماضية. بالطبع ليس مهما البحث في قوة تلك الأطراف، أو ما الذي تحاول الوصول إليه، لكونها قوة كارتونية أو دمى مصنوعة من القش، وبالتالي فهي مسيّرة وغير مخيّرة أو مستقلة، حتى وإن علا صوتها وارتفعت عقيرتها، فالشواهد والسلوكيات التي أظهرتها قوى الموالاة لا تشير لوجود ما يدلل على مستوى من التفكير والاستقلالية السياسية المفترض وجود-ـ ولو مبادئهاـ عند أي طرف يعتبر نفسه طرفًا سياسيًا في لعبة وأزمة معقدة كأزمة البحرين. يضاف إلى كل ذلك ما يعرفه المتابعون للشأن البحريني من معطيات ومعلومات تؤكد أن جماعات المولاة في البحرين، رغم عدم اختلافها التكويني عن جماعات المولاة للأنظمة العربية، إلا أنها تأتي في درجات متأخرة جدًا مقارنة بجماعات المولاة الأخرى، خصوصا انعدام الأفق السياسي لدى كوادرها وأعضائها، وخضوعهم للضبط والدوزنة.
بدورها، فإن قوى المعارضة قد تكون اندهشت أيضًا من دعوة ولي العهد لكبار قياداتها، وبصورة مربكة لتصوراتها الأولية لمسار تتابع الأحداث، إلا أن تركيزها على قراءة المشهد الإقليمي قراءة معمّقة، ربما أسهم في تخفيف أثر المفاجأة. فوفقًا لبعض المباحثات، التي تزامنت مع انعقاد حوار المنامة في ديسمبر 2013، طرحت خارطة طريق تبدأ مع بدايات أبريل المقبل، كبداية للشروع في التوصل لحلول مقنعة للأزمة البحرينية، والعمل الجاد على إزالة عقدة الأزمة الممثلة في بقاء خليفة بن سلمان رئيسًا للوزراء، وما يتبعها من أكثر العُقَد تأزمًا، وهي مسألة تداول السلطة أو الحكومة المنتخبة. من وجهة نظر قوى المعارضة، فإن الظرف الإقليمي المستجد يؤكد على ضرورة استحقاق المجتمع البحريني حلًا طويل الأمد لأزمته السياسية الرابضة على قلبه منذ عقود، وهذا قد يفسر برود الأعصاب، وردة الفعل الهادئة التي أبدتها المعارضة لحملة القمع الأمني التي أطلقها رئيس الوزراء في أغسطس 2013، وخطاب الكراهية الذي رافقها، والصورة الإعلامية التي تم الترويج لها من أن رئيس الوزراء ليس خطًا أحمر بتعبير الإعلام الشعبوي فقط، بل كرس الإعلام الرسمي والشعبوي صورة رئيس الوزراء فاتحًا وبطلًا وطنيًا. فقد كانت قوى المعارضة ترى في تلك الحملة الشرسة والعنيفة علامات الاحتضار والموت السياسي المقبل لرئيس الوزراء وسياسته الأمنية القامعة.
التحدي الأبرز أمام هذه الجولة من المفاوضات هو التوصل لصيغة الخروج الآمن لرئيس الوزراء من أجل التوصل لحل العقدة الأساسية وهي تداول السلطة، وحدود وشكل الحكومة المنتخبة، أو الممثلة شعبيًا، فخلف كل مصطلح من هذه المصطلحات وغيرها تقع شياطين الانقلاب والعفن السياسي. أما المسائل الأخرى فلا تمثل للنظام أي أهمية، خصوصًا وأن صيغ الحلول بإمكانها أن تضمن التفوق السياسي للنظام في حال لم تحل عقدة الحكومة التمثيلية.
*كاتب بحريني.