وإذ يحتضن "الفاتح" الحوار
عباس بوصفوان - 2011-06-28 - 10:37 ص
عباس بوصفوان
يشي المكان الذي ستعقد فيه اجتماعات "حوار التوافق الوطني" إلى الرسالة التي تود السلطة توجيهها إلى مختلف أطراف اللعبة السياسية في البلد، حيث يلتئم المدعوون، لا المتحاورون، في مركز الشيخ عيسى الثقافي، الملاصق لمسجد الفاتح، وهو المكان (الساحة) عينها الذي تجمّع فيها أنصار الحكومة في 19 فبراير/ شباط الماضي، معبرين عن رفضهم لتطلعات المشاركين في اعتصامات دوار اللؤلؤة في الديمقراطية والإصلاح. على اعتبار أن ذلك قد يكون بداية للمساواة بين المواطنين، التي يرفضها تجمع الفاتح، إذا ما كانت طريقا نحو خسارة أعضائه موقعهم كمواطنين مقدمين على غيرهم.
لقد جاء تجمع الفاتح كأول تجربة لقياس مدى نجاح "تقرير البندر" في جعل الطائفة السنية خصما معلنا لمطالب الجماعات المعارضة، بأغلبيتها الشيعية، وأظن أن الحكومة نجحت في ذلك إلى حد بعيد. (ولهذا قصة ثانية، يمكن الولوج لها مرة أخرى لتوضيح الاستراتيجيات الحكومية التي اتبعت لتحقيق ذلك).
بيد أن جملة من المخاوف الكلاسيكية والجدية يجدر التعاطي معها على نحو يتفهم سلوك الجماعات التي تمثل أقلية عددية، من ناحية، لكنها ذات نفوذ واسع في البلد ومدعومة إقليميا من ناحية اخرى. والتي قد تتخذ سلوكا عدوانيا قد يصل إلى تدمير البلد، وليس فقط تدمير الخصوم، إذا كان المسار التغييري يتجه نحو حصول تبدل عميق في طبيعة معادلة الحكم القائمة.
ولأسباب عدة، بعضها صحيح وبعضها غير ذلك، شعرت الجماعات الموالية بأن العائلة الحاكمة قد تخسر المعركة أمام اندفاعات ثورة 14 فبراير المستوحاة من التجربة المصرية والتونسية، وستكون (العائلة الحاكمة) مضطرة لتقديم تنازلات قد تكون جوهرية، وتؤدي إلى إعادة هكيلة مؤسسة الحكم لصالح الأغلبية الشيعية.
جاء رد الفعل الموالي عنيفا جدا، وقد يفسر ذلك مساهمتهم، عموما، في التحريض على العنف، وكذا تلذذهم وتشفيهم بسفك الدم الشيعي والفظاعات التي تمارس ضدهم، ولا زالت.
ولأسباب عدة، من بينها كون الجماعات المعارضة غير مسلحة وهي مسالمة تقليديا، فيما قيادتها ترفض الانجرار للحرب الأهلية، تفادت البحرين هذا المنزلق، ولنتذكر هنا ما قاله ولي العهد "صحيح أن الشيعة غالبية في البحرين، لكن السنة يملكون السلاح" (راجع وثائق ويكيليكس، صحيفة الأخبار اللبناينة).
إنها معادلة يجدر أخذها بالاعتبار. والدرس الذي يجدر بالجماعات الشيعية خصوصا والمعارضة عموما فهمه هنا، أن التوافق بين أطياف البلد سيكون ضرورة لتقليل الخسائر في السير نحو الإصلاح الجوهري، لكن العائلة المالكة والجماعات الحليفة لها لن تقدم تنازلات إلا من خلال المرور بتجربة الدوار بالضرورة: هذا ما يعلمنا إياه التاريخ.
إذاً، معاني المكان جلية، إنها رسالة المكان الحميم للجماعات الموالية للحكم، والشعارات التي رفعت هنا (الفاتح) في فبراير/ شباط الماضي ستستمر: ضد الملكية الدستورية، وضد إزاحة رئيس الوزراء (الشعب يريد خليفة بن سلمان)، وضد العدالة والمساواة، ونعم لإعطاء الجماعات الموالية الأولوية في التوظيف والترقي والبعثات والخدمات الصحية والاسكانية والتعليمية.
في الواقع فإن المكان وحده كفيل بحسم معركة الحوار، لأسباب أبعد من الإشكالات التاريخية المتعلقة باسمه فقط. في هذا المكان تم وصف أهل الدوار بالخيانة والتآمر والقتل والارهاب. وفيه سيستمر هذا الخطاب بوجود الوفاق أو غيابها. سيعاد تكرار ما قيل من بذاءات ضد قطاعات واسعة من الشعب، وضد جمعية الوفاق وجمهورها. وقد يكون وجود الوفاق مؤديا إلى زيادة نزعات الاستئصال الفاشية، وإذا ما قررت الوفاق المشاركة، فعليها أن تتحضّر نفسها لسماع سب علني لها ولرموزها ومذهبها وجمهورها، الذي تسحق كراماته على يد شركاء الوطن، وبواسطة آلة القمع الوحشية، وفي الإعلام الرسمي، وصفحات الجرائد، وعلى ألسنة كبار مسؤولي الدولة وصغارهم وخطباء الجمعة.
إن معاني المكان تقول صراحة للوفاق وللجمهور المعارض: نرحب بكم مواطنين من الدرجة الثالثة، لا شركاء في الوطن.. الوطن نحن: آل خليفة والموالون، أما أنتم فمكانكم مزابل التاريخ، كما تحدث أحد كبارهم.
وحين تناقش معاني رئاسة حوار التوافق الوطني يكتمل مشهد الاسئثار والظلم والتجني. إذ أنيطت الرئاسة بالسيد خليفة الظهراني، الملتزم حتى النخاع بالنهج الخليفي قولا وفعلا، ربما أكثر من بعض أفراد العائلة الحاكمة نفسها، وهي العائلة التي تريد الجماعات المعارضة تحويلها إلى عائلة ملكية، مما يصعب الحوار في وجود رئيس يعتبر الحديث حول صلاحيات الأسرة الخليفية خطا أحمرا.
الكفة في الحوار سائرة إذاً نحو استمرار سيطرة العائلة الخليفية على السلطة والثروة في البلد، وكذا تعزيز مكاسب الجماعات الموالية، التي تتعاطى على أنها إما عضو في الحزب الحاكم، أو قريب من الحزب الحاكم، أو مناصرة للحزب الحاكم، أو تابعة له أو مستفيدة منه.
ومع ذلك، وفي ظل السيناريوهات التي ترجح خروج الحوار بنتائج محدودة، فإن من بين السيناريوهات المتفائلة: خروج الحوار بتسوية سياسية يستحيل رفضها، ويصعب قبولها. وهو تركيز مقالي المقبل.