قضية الشهيد المدني، الرواية من منظور المعدوم (1-4)
2013-11-19 - 1:57 م
مرآة البحرين (خاص):كان التشييع مهيبًا فجيعاً، والجنازة تشق طريقها ليلاً إلى مقبرة جدحفص بشكل استثنائي، الطريق الذي ألف قافلة الموتى بدا مختلفًا في توقيته والحشود التي توافدت للمشاركة في التشييع، الصدمة لم تغادر وجوه المشيعين المفجوعين من الأهل والأحبة والأصدقاء وجموع المواطنين. لم يكن التشيع استثنائياً فقط بسبب المكانة الاجتماعية (الدينية والسياسية) للشهيد عبد الله المدني كونه أمين سر المجلس الوطني في العام 1974، ورئيس تحرير مجلة المواقف الأسبوعية ومؤسسها، بل بسبب الطريقة البشعة التي تم اغتياله فيها فجر 19 نوفمبر 1976 بينما كان يهيئ حقيبته ليلاً إلى الحج، فكان الإحرام واحد، واللقاء بالله واحد، لكن الطريقة ليست كالطريق. لم يكن المحمول على أيدي المفجوعين شخصاً عادياً، ولم يكن موته كذلك، ولا في الأحداث التي تبعته، زلزال اغتيال الشهيد المدني مازال مدوياً.
ليس مبالغة، أن جريمة اغتيال الشهيد المدني الغامضة، أحدثت زلزالاً في الشارع البحريني، تداعيات جريمة الاغتيال، تصدرت الصفحات الأولى من الصحف المحلية والإعلام مع بث مباشر لجلسات المحاكمات، شغلت الرأي العام وأحاديث الناس في الشوارع والمجالس والمقاهي، وفتحت باب الجدل والتحليل والتأويل حول الطرف المسؤول عن الجريمة البشعة. وُجهت تهمة القتل والتحريض إلى 6 متهمين، حكم على 3 منهم بالإعدام، وبرِّئ اثنان، بينما قضى واحد في السجن بطريقة غامضة.
3 سيناريوهات مختلفة، تصارعت فيما بينها حول قضية اغتيال الشهيد المدني. السيناريو الأول تبنته السلطة وأصدرت حكمها القضائي بناء عليه، وهو ما سننشر تفاصيله لاحقاً. الثاني هو ما تبنته أسرة المدني ومريدوه وأتباعه، تمّ توجيه الاتهامات إلى (الجبهة الشعبية) لخلافه المعروف مع اتجاه اليسار القومي الذي يُعبر عنه شعبياً (الشيوعيين)، والمقالات التي كان يكتبها آنذاك في الرد عليهم. أما السيناريو الثالث، وهو المطروح من قبل الجماعات الوطنية، فهو توجيه أصابع الاتهام للسلطة، لجر الشارع لفتنة شعبية بين الدينيين والقوى اليسارية، التي كانت محل إرباك السلطة وإزعاجها.
لسنا هنا في وارد الانتصار لسيناريو ضد آخر، فالقضية أكبر تعقيداً من الحسم، وكل واحد من السيناريوهات الثلاثة كان لديه مبرراته، وربما إثباتاته، التي يمتلكها. نحن هنا فقط لنقف عند الجانب الإنساني الذي لم يتح له أن يُسمع، والذي بقى يحمل غصة مقموعة عند المحكومين وأهاليهم، والثلاثة الذين تم إعدامهم خصوصاً، لم تتجاوز الفترة بين القبض عليهم وإصدار الحكم وإعدامهم أكثر من ثلاثة أشهر ونصف.
ليس دفاعاً عن أحد، لكن هؤلاء هم الوحيدون الذين لم يُتح لصوتهم أن يُسمع في ظل الزلزال الذي أحدثه اغتيال الشهيد المدني. ذهبوا سريعاً، وأهلهم حتى الآن، وبعد مرور أكثر من 37 عاماًَ على الحادث المحفور في الذاكرة البحرينية، ما يزالون يحملون الغصة في قلوبهم، والكلام المقموع في داخلهم. كذلك من تمت تبرئتهم وقضوا في السجن شهوراً بعد إصدار حكم البراءة. لا يزال هذا الملف الحساس والمحاط بالكثير من الأسلاك الشائكة محصوراً في رواية السلطة وحدها فقط.
في هذا التقرير نحاول فتح الكلام الذي بقى مخنوقاً طوال 37 عاماً، التقينا عوائل المعدومين الثلاثة، وأنصتنا لشجونهم، كما التقينا أحد من تمت تبرئتهم، ممن قضى في السجن أكثر من 7 سنوات. فعلنا ذلك، لا من أجل تبني الأحكام، بل من أجل السماح للتساؤلات أن تطرح نفسها، والسماح للحالات الإنسانية المؤلمة التي عايشها الأهالي والمحكومون، أن تعبّر عن عن نفسها للمرة الأولى.
أخيراً.. يبقى المجال مفتوحاً لدحض أي رواية مما ورد في داخل الملف أو إثبات عكسها، مع إبقاء حق الرد مكفولا إلى عائلة الشهيد المدني خصوصاً، أو أي صاحب صوت آخر لم يصل صوته كما ينبغي.