» تقارير
بروفايل - عباس المرشد: من رسالة الملك إلى سجن الملك
2011-06-27 - 7:13 ص
15مايو2005: يكتب المواطن عباس المرشد رسالة إلى ملك البحرين، عنوانها (الديمقراطية المؤجلة وخيار المواطنة)* يقول فيها: الكلمة الأخيرة التي سأقولها هنا، أنه لن يكون بمقدوري أن أتصور أن أحمل منفاي معي، وأنا أعيش في وطني، فوطنيتي تملي عليّ أن أعيد منفاي وشتاتي ومعاناتي إلى أرضي، وأرض أجدادي، فالأوضاع التي وصلت إليها البلاد، باتت لا تحتمل، وغير قابلة للتبرير.
29 يناير 2009: يتعرّض الكاتب عباس المرشد لطلقة مطاطيّة مباشرة في عينه، أثناء خروجه لقوات خاصة كانت تحاصر مكان عزاء العائلة طالبا منها السّماح للمعزّين بالخروج الآمن.
15 مايو 2011: يطلب مركز شرطة النّعيم من المرشد الحضور هناك لأجل التّحقيق. يختفي منذ ذلك اليوم عن السّمع وتنقطع أخباره.
27 يونيو 2011: يُحال المرشد لأوّل مرة إلى أول جلسات المحاكمة بعد التّحقيق. وتعرف، للمرة الأولى، التهم الموجهة اليه: التجمهر وكتابه في منتديات بغرض نشر الاشاعات والاكاذيب ..وتم تاجيل المحاكمة إلى يوم الخميس 7-7-2011
رسالة صادقة وثلاث محطّات مؤلمة، لكنها لا تختصر كلّ المحطات. فالكاتب عباس المرشد تعرّض للمضايقات أكثر مرّة بسبب آرائه. لكن علينا أن نكثّف الآن لحظة الوجع التي يعانيها كلّ صاحب رأي في البحرين. كان المرشد يمارس دوره الطّبيعي في الكتابة والتّعبير عن الرأي، ولم يضع لنفسه أية مسبقات، أو مخاوف مصطنعة. سيكون معروفا عنه أنّه الكاتب الذي لا تروق له التابوهات الموروثة، ومن أي فريق أو جماعة. سيقول كلامه مباشرةً، ولكن بلغة التّحليل، وبالاستفادة القصوى من المعطيات المتوافرة. تمرّس المرشد في الكتابة التحليليّة، واعتنى عناية خاصة بقراءة التاريخ السياسي للبحرين، موجّها أنظاره جهة المحرّكات المؤثرة في صناعة الحدث السياسي المحلّي.
أنتج سلسلة متنوّعة من المقالات الراهنة وجُمعت في "الديمقراطية والصولجان"، وله أبحاث مركّزة نال بعضها جوائز خاصة. إضافة إلى مجموعة من الأعمال المنشورة التي عُرف بها بوصفه باحثا في الحركة الإسلاميّة وجدالياتها في السياسة والتنظيم والمجتمع وبناء الدّولة. بحث في التيار الرسالي في البحرين وتشكّلاته الحزبية والأيديولوجية، وأنجز دراسة بعنوان "التنظيمات السياسية في البحرين"، وأخرى معنية ب"الظاهرة الحزبية في البحرين ومشروع التجديد السياسي".
لم تخلُ قراءته من نقدٍ موضوعي للإسلام السياسي الذي سيطر على الحركة السياسية في العقدين الأخيرين. بالنسبة إليه، فإنّ جزءاً مهماً من إنارة الطّريق نحو المستقبل، يتطلّب تسليط الضّوء على إخفاقات جماعات الإسلام السياسي، والكشْف عن الأخطاء التي ارتكبتها، وصولاً إلى الخلاصات اللازمة.
فكرة الدّولة والتعارضات والتشوّهات والاعتراضات التي تواجهها؛ هي لبّ الاشتغال الفكري للمرشد، وهو ذاته اشتغال الكتّاب والباحثين المحلّيين منذ عبد الهادي خلف، ومرورا بمحمد جابر الأنصاري وإبراهيم غلوم وباقر النجار، وليس انتهاء بنادر كاظم وعلي الدّيري. توكّل كلّ كاتب على منهاجية مختلفة، وأنتج جملة من المنظورات والمقولات الاجتهادية. كما اختلف البعض عن الآخر في موقع السلطة أو المعارضة أو بين بين. إلا أنّ "الكل، على خلاف من الانتماءات، يكتب في الدولة. والكل يريد أن يفهم هذا الكيان الجاذب إليه الاهتمام توا" كما كتب الصحافي حسين مرهون (صحيفة "الوقت"، 12 أكتوبر 2009)، مرهون نفسه يقترح أهم محدّدات الجديد الفكري للمرشد، حيث الحضور القوي لفضاء الدّولة، ولكنه يلتئم مع تأكيد مفهوم الدّولة الذي لم يُنجز بعد، متقاطعاً في ذلك مع أطروحة عبد الهادي خلف الشهيرة.
إلا أن المرشد – كما يرصد مرهون – يعود للحديث عن "فائض الدّولة"، ويفسّره ب"ممارسة الدولة عنفا و إكراها على المجال العمومي فائضا عن حاجتها"، ويتم ذلك في إطار حديثه عن "المجتمع الخليط" القائم على الروابط التقليدية (الولاء، والقرابة)، على حساب "المجتمع المركب" القائم على الروابط المدنية الحديثة. يخلص مرهون في تناوله للمرشد إلى أن "الروشتة التي ينتهي اليها (المرشد) أقرب الى أن تكون نموذجا مصاغا على تخوم أطروحة هابرماس في "المواطنة الدستورية" و عبد الهادي خلف في "الدولة غير المنجزة" إضافة الى أطروحة نادر كاظم بشأن "التوافق السياسي".
كتبَ المرشد في الحدث اليومي، ولكنه ظلّ لصيقاً بالجذور والتّاريخ الطّويل. يهتمّ بمراجعة محور الإشكالات، من غير أن يُغْفِل الإطلال على الظّرفي والرّاهن. اعتقال علي عبد الإمام، مؤسس موقع بحرين أون لاين، هو نافذة عند المرشد للإطلال على جوهر القضية: ذات الملك، والعرش الذي هزّه موقع إلكتروني. بموازاة ذلك معنويا؛ فإنّ قلعة الرّفاع تمايلت بإزاء ثورة الورود، بل سقطت.
29 يناير 2009: يتعرّض الكاتب عباس المرشد لطلقة مطاطيّة مباشرة في عينه، أثناء خروجه لقوات خاصة كانت تحاصر مكان عزاء العائلة طالبا منها السّماح للمعزّين بالخروج الآمن. |
سبقَ للمرشد أن كتب رسالة لملك البحرين، في 15 أكتوبر 2005م، داعياً إلى الدّخول السّريع في الديمقراطية الحقيقيّة، وواضعا رؤاه الحالمة بلا تزلّف أو مراوغة. قال: "إنني يا حضرة الملك، لا أتمنى أن يأتي اليوم الذي تجر فيها هذه البلاد، بسلاسل الحديد ناحية الديمقراطية، وإن كان ذلك خياراً مطروحاً وغير بعيد".
ذكّر المرشدُ الجميعَ بشروط الخروج من المأزق القديم/ الجديد. وذلك يتطلّب "التحلي بالشجاعة، والاعتراف بالخطأ، وتأكيد الرغبة الجادة في فصل المجال العام عن المصالح الشخصية، بما فيها مصالح العائلة الحاكمة".
أمّا الحوار، فقد رآه المرشد على غير محتواه الطبيعي، واعتبره في رسالته لعاهل البلاد بمثابة "حوار الصّم"، في حين أن المطلوب "حديث العقلاء والرجال"، وهو حين يكون كذلك، يُصبح كفيلا "بوضع البلاد على المسار الصّحيح، لبناء الدولة الحديثة، واحترام المواطن فيها، وحفظ كرامته".
أمّا خارطة الطّريق فهي واضحة أمام عينيه، ولم تشوّهها حركة الشّيخ عبداللطيف المحمود، الذي رآه المرشد منزلقاً في مطبّ خطير، ولن يسامحه التاريخ. يكرّر المرشد:"قلناها مرارا وسنعيد تكرارها: حوارنا هو دستور عقدي يكتبه شعب البحرين. أما أزمة الإسكان والخدمات والدعارة والربا فكلها قرارات سياسية تحل في غضون ساعات ولا تحتاج لحوار".
في بيانها التضامني، كتبت منظمة "مبادرة الإصلاح العربي" ما يمثّل تكثيفا لراهن المرشد وسياقه المُحاصر. تقول: "يعتبر عباس المرشد من معتقلي الرأي في البحرين، وضحية من ضحايا المعالجة الأمنية التي تتبناها السلطات البحرينية ضد المطالبين بالإصلاحات السياسية في البلاد. إن مواجهة النقد والفكر الحر بالآلة القمعية الأمنية إنما يدل على ضعف بنيوي في آلية العمل السياسي للدول التي تقاوم حتمية الإصلاح في ظل غياب دولة القانون والمحاكمة العادلة".
الاثنين 27 يونيو؛ تبدأ أولى محاكمات المرشد. لن يجدوا صعوبة في اقتناص الاتهامات، فأبوقيس كان واضحا بلا خوف. وجدَ الفكرة مليئة بالوضوح، فلم يجد بدا من تقديمها إلى النّاس كما هي، وتلك هي أمانة الكتابة التي يدفع المرشد – وأبناء شعبه – ثمنها الباهظ.
*رسالة الكاتب عباس المرشد إلى الملك، على موقع الحوار المتمدن