» تقارير
مطرقة الظهراني وغولة غونغو الحوار الوطني
2011-06-23 - 9:30 ص
مرآة البحرين (خاص): يتأهب المدعوون لجلسات "حوار التوافق الوطني" لتسليم مرئياتهم حول محاور أربعة رئيسة كتبها "رئيس الحوار" في موعد أقصاه "اليوم" الخميس الثالث والعشرين من يونيو الجاري، وقد تم تمديده للأحد، وإلاّ فلن تقبل بعد ذلك تلك التصوّرات التي طُلب منهم إعدادها منذ مساء الجمعة الماضي، ففترة الخمسة أيام –من السبت إلى الخميس- كانت كافية جداً جداً لأية مؤسسة سياسية كانت أو اجتماعية أو حتى ترفيهية دُعيت لحوار وطني تاريخي أن تصوغ تصوراتها "أحلامها" لبحرين المستقبل!!
كان مراسلو رئيس الحوار خليفة الظهراني يجوبون المناطق والطرقات مساء الجمعة الماضي، لتسليم 300 مؤسسة وشخصية دعوات حضور جلسات "التوافق"، في الوقت الذي كانت فيه المعارضة قد حشدت تجمعاً كبيراً في سترة وصف فيه أحد قادتها الشيخ علي سلمان الحوار بـ "حفلة اجتماعية".
لم يقرأ سلمان حينها نص الدعوة التي أرسلها الظهراني لجمعيته، والتي حدّد فيها أفق الحوار ومخرجاته، فالحوار –بحسب الظهراني- لا يستهدف سوى دفع عجلة الإصلاح الذي بدأ منذ عشر سنوات، وسيضطلع –أي الحوار- بتحقيق الإرادة الملكية –لا الشعبية- بالمضي بالمسيرة الوطنية نحو "حكومة أكثر كفاءة وتمثيلاً تشريعياً أكثر فعالية"، ولم تشر "الدعوة" لا تصريحاً ولا تلميحاً إلى مفردة "الانتخاب" التي تشكّل أساس وجوهر الديمقراطية، ولا للمبادئ السبعة التي أعلن عنها ولي العهد في فبراير الماضي
وكان منها "مجلس منتخب يمارس صلاحية التشريع، وسلطة تنفيذية تمثّل الإرادة الشعبية".
إنها النتيجة القصوى الممكن أن يخرج بها حوار يرعاه ويشرف عليه "الرئيس" الذي عُرف طوال السنوات العشر السابقة بـ "مطرقته" التي ما فتأت تهذب وتشذّب ألسنة زملائه النوّاب إذا ما استطالت تجاه عورات وإخفاقات السلطة التنفيذية، أو تجاه العاهة التي وُلد بها مجلس النوّاب فأحالته عاجزاً عن الفعل المفضي لتغيير عملي.
لم تكن مطرقةً لـ "الإدارة والتنظيم" تلك التي مارس بها "الظهراني" رئاسته بفردانية اكتوى منها حتى المنضوون تحت "بشت" الموالاة في مجلس النواب، فتلك المطرقة لم تكن كبقية "المطارق البرلمانية"، المطارق التي لا تتعامل مع النواب كـ "مسامير" تُدق أو تُخلخل أو تُشكّل وفق ما تروم، ولا بوصفهم "مارقين" يستحقّون التحطيم.
حضرت مطرقة "الظهراني" طوال سنوات رئاسته لمجلس النواب (منذ ديسمبر 2002م) بوصفها سلطة، وكأي سلطة تمارس دور حفظ النظام تحت غطاء تطبيق "اللائحة الداخلية" للمجلس، تلك اللائحة التي تنص مادتها الـ (65)على أنه في حال أبدى نائب "أقوالاً غير لائقة أو فيها إضرار بالمصلحة العليا للبلاد أو عرَّض بسوء نية بأعضاء الحكومة أو الهيئات النظامية أو وجَّه إلى أحد أولئك إهانة أو عبارة مثيرة أو تهديداً (...) منعه الرئيس من الاستمرار في الكلام". وهو ما كان يعني أن تمارس "المطرقة" سلطة المنع والحجب في إدارة الجلسات لأي مداخلة أو ممارسة تتوخى الخروج عن "تفسير المطرقة" لمفاهيم تلك المادة (65) ومحظوراتها، فهي –أي المطرقة- "سلطة"، والسلطة تنفّذ القانون، وترفض أيضاً تغيير "القانون" الذي يمنحها تلك الممارسة، حتى لو كان تغييراً شكلياً، كما جرى في التعديل الدستوري الأوّل في 2008م والذي توافقت عليه "المعارضة" و"الموالاة" عدا الظهراني الذي صوّت لإسقاط تلك التعديلات.
إنها ذات الطريقة التي تتعامل بها أي مطرقة "غير برلمانية" مع المسامير، بوصفهم كائنات سلبية خارجة عن الفعل تماماً، وبوصفها -أي المطرقة- صاحبة السلطة التي تتيح لها حذف عبارات النوّاب من مضابط الجلسات الأسبوعية إذا ما رأت تلك "السلطة" أن تلك العبارات غير لائقة، ورفع الجلسة في منتصف مناقشة حامية بشكل مفاجئ ، لأن تلك المناقشة خارج إطار جدول أعمال الجلسة أو مسيئة للبلد، وعدم إدراج أدوات رقابية على جداول أعمال الجلسات –كطلب استجواب الوزير عطيّة الله في 2007م وتعطيله لأسابيع بهدف إسقاطه، أوتعطيل إدراج طلب تشكيل لجنة تحقيق في ممارسات التمييز في 2008م - لأنها ضدّ مصالح البلاد العليا، ورفض إدراج توصية "إعادة الأراضي المنهوبة من الدولة في تقرير لجنة التحقيق في أملاك الدولة في العام 2010م لأن ذلك "ليس من شيم العرب".
ولن تقف "المطرقة" عند حدود "الجلسات الأسبوعية" العلنية، فنشاطها في الخفاء أكثر إمعاناً في الطرق والخلع والتثبيت والخلخلة، فالبيان الذي يتبناه المجلس بأغلبيته تأييداً لثورة الشعب المصري، سيصدر بإرادة الظهراني وحده بصيغة "دعوة الشعب المصري إلى الابتعاد عن كل ما يمزّق الأمّة والوحدة الوطنية"، والرسالة التي يقرّ النوّاب إرسالها للحكومة لطلب مخطط الأراضي من القيادة السياسية سيمتنع عن إرسالها، أما بيانات التأييد والتبريك التي تصدر بإرادة منه ودون علم النوّاب فحدّث ولا حرج، عدا تحكّمه الكامل والشخصي في عملية التوظيف في الأمانة العامّة، حتى أن جدلاً عنيفاً استمرّ لأسابيع بينه وبين كتلة "المعارضة" حول ضرورة وضع معايير للتوظيف وتثبيت إجراءات شفافة وعادلة، إلاّ أن الأمر انتهى بتصريح لعضو "المعارضة" خليل المرزوق آنذاك قال فيه "كل شيء في التوظيف مبهم، فكيف نفرض على المؤسسات الأخرى تصحيح أوضاعها؟! ولكن الرئيس كرر إن الأمر يعتبر من شأنه لوحده ولا يجوز لأحد أن ينازعه فيه".
لقد كان رجل ضبط إيقاع "البرلمان" وفق منظور السلطة، ورجل تثبيت السقف الذي حدّده دستور 2002 ولواحقه التشريعية للحراك السياسي البرلماني، فكان ممارساً للدور المرسوم له سلفاً عبر "مطرقته" وما تملكه من عدّة قانونية وفرّتها اللائحة الداخلية للمجلس، والتي سيقف الظهراني على الدوام ضدّ المساس بها.
ولأجل ذلك، فهو اليوم رجل الحوار ورئيسه، ومطرقته بجميع مفاهيمها ومبادئها ورغباتها المتماهية مع رغبات السلطة وأفقها وسقفها هي ذاتها "مطرقة جلسات الحوار الوطني"، وبصفته مسؤولاً عنه –أي الحوار- فقد حدّد الظهراني الشخصيات والمؤسسات الـ300 التي ستشارك في الحوار، وموقع كل شخصية أو مؤسسة في الحوار وحجمها، وحدّد في إعلانه اليوم "الأربعاء" مراحل الحوار الستّة، وأشار إلى نسبة مشاركة كل المؤسسات بتنوعاتها وفق ما حدّد هو، كما أنّه شكّل على صعيد "الإعداد اللوجستي" فريق عمل من عشرات الأفراد جلّهم من طيف ولون مذهبي واحد، ودون الإفصاح عن أية معايير أو أسس أو حتى نشر إعلان واحد في أية وسيلة إعلامية للترشّح لشغر تلك المواقع.
سوف يدير "الظهراني" الحوار بمطرقته بكفاءة واقتدار، وهو الذي قالت عنه وكالة أنباء البحرين "بنا" في قرار تعيينه رئيساً للحوار بأنه "رجل الحكمة والوسطية"، فالحكمة والوسطية في مطرقته تتمثل في التطويع، وحتى "المسامير" التي ستقاوم التطويع والسلبية وستشاكس المطرقة وسلطتها في الحوار، فإن (منظمات الغونغو)"* التي تفرض مقتضيات نجاح "الحوار" التوافق معها ستتكفّل بأمر تلك المسامير الخارجة عن القانون، فالحوار "حوار توافق"، والتوافق "توافق الجميع"، والجميع "جميع المدعوين بدون استثناء".
*الغونغوز بالإنجليزية
GNGOS: Government Operated Non-Governmental Organizations
منظمات غير حكومية تديرها الحكومات. هي تنظميات تتماهي وتبدو كأنها مؤسسات مجتمع مدني غير حكومية ولكنها أنشئت من قبل الحكومات غير الديمقراطية للتشويش على المنظمات غير حكومية الفاعلة التي تسعى إلى تعزيز الحريات العامة والديمقراطية في بلدانها.