» رأي
سؤال افتراضي لشيخة مي
علي شريف - 2011-06-23 - 8:01 ص
علي شريف*
حتى قبل 14 فبراير، حاول النظام أن يرسل بعض الرسائل لاحتواء الموقف. جاءت رسالة الألف دينار واضحة وفاضحة، فلا المناسبة كانت أهلاً لمثل هذه المكافآت، ولا العادة اقتضت هذا القدر من المكارم، إذ كان للتو رفضت زيادة علاوة الغلاء التي لن تكلف مقدار ما كلفته الألف دينار. لقد ضحك الناس وقتها وتندّروا على هذه المفاجأة بطريقة الفنان علي المفيدي في مسلسل درب الزلق: (بعض الناس خافوا على كراسيهم، قاموا خرخشوا مخابيهم)
لم تشفع هذه الرسالة الكاذبة أن تغير شيئاً من الموقف، بل زادته تعقيدا. الناس كل الناس صاروا ينظرون إلى النظام على مبدأ: كاد المريب أن يقول خذوني!
بعد 14 فبراير، توالت الرسائل، كان كثير منها من نوع متعدد الهدف، هي رسالة واحدة، لكن النظام أرادها أن تصل بأوجه مختلفة لكل جهة، يفهمها المعارضون بوجهها الحقيقي، ويفهمها الموالون بوجهها الحقيقي لكنهم يعملون بالمزيف، ويفهمها الخارج بوجهها المزيف فقط، إن أمكن.
قليلة هي المواقف، وكثيرة هي الرسائل التي ظهرت في وقت قياسي. بعد أن مالت الكفة إلى النظام بحملته الأمنية، ظهرت أكثر الرسائل مروقاً، هدم دوار اللؤلؤة وبثه على الهواء مباشرة.
كانت تلك أول علامة على حماقة النهج الجديد، وتضاربه، كانت سريعة، حتى أقطاب النظام لم يفهموا كيف يفسرونها، بعضهم ولأجل شيء من الاحترام قال بغباء (متوجها للخارج) إنه مشروع لتطوير حركة المرور في الشارع، وفهم الموالون أنه تلبية كريمة لرغبتهم التي رفعوها في تجمع الفاتح الثاني حين هتفوا: الشعب... يريد... إزالة
الدوار!
والحقيقة التي قصدها النظام (وسيأسف بشدة لو أنها لم تصل رغم أنه لا يستطيع الجهر بها) هي أنه يريد أن يكسر قلوب المعارضين ويمحو من ذاكرتهم كل ما علق بها من بقايا حرية وإرادة، هي رسالة إذلال وقهر وانتقام، وإعلان للنصر وبيان للقوة التي تتعالى فوق كل رمز وفوق حركة التاريخ وحتى الجغرافيا، هدم النصب يعني بالمعنى الدارج (سنهدها على رؤوسكم)!
اعترف وزير الخارجية أنها إزالة للذكريات السيئة. كم يكشف ذلك مستوى الجرح والعجز والمهانة التي أصابت النظام؟ لقد حاربوا التمثال لأنه بدا مصدر إزعاج مقلق، حين وجه لهم رسالة ممقوتة ومكروهة، باحتضانه الثورة من أجل الديمقراطية، وكان تدميره "غضبا أعمى يصل إلى حد تدمير الذات" كما يقول الكاتب الأمريكي فيليب كينيكوت.
كانت الرسالة إذن، ركناً من أركان عملية التطهير، تطهير ذاكرة النظام من أن أحداً هتف بإسقاطه ومحو وجوده المتسلط وإرساله لمزبلة التاريخ. صحيح أنه أسلوب سعودي أو "طالباني"، لكنه جاء على طريقة تحاكي هدم تماثيل المارقين والطغاة حين تسقط أنظمتهم، كأنها رسالة أخرى تقول: سنهدم تمثالكم بدل أن تهدموا تماثيلنا.
بعض الناس كان يبكي متأثراً، وكثير منهم سارعوا بالبحث عن عملة 500 فلس المعدنية، ليحتفظوا بالذكرى على طريقتهم. كانوا يبنون مجسمات جميلة للنصب، يضعونها في الطريق، وفوق أسطح المنازل، يرسمونها، يصورونها ويعلقونها، ولا زالوا يحلمون بها ليل نهار. اختفى تمثال اللؤلؤة البحريني، لكنه غدا "رمزاً فريداً غير مسبوق لحركة ديمقراطية قوية" بتعبير الواشنطن بوست.
لا أدري هل فات على النظام حقاً أن أثر هذه الرسالة سيكون عكسياً إلى درجة أنه لا يعرف متى سيخلي منطقة الدوار من مجنزراته، ويفتح التقاطع، لماذا ساهم في تحويل هذه المنطقة الخالية المنكوبة إلى محل نزاع، ومسألة وجود، قبلة مقدسة، من يدخلها قد يدرك الفتح؟
في هذه الأيام، تترأس وزيرة الثقافة البحرينية مي آل خليفة، اجتماعات الدورة 35 للجنة التراث العالمي في اليونسكو بباريس، ربما سيسألها كثيرون: لماذا دمرتم نصب اللؤلؤة التاريخي؟
ليست هناك ثمة إجابة ممكنة على هذا السؤال، فلا يعقل أن تسأل أحدا لماذا أنت غبي؟ لكن قد تسأله كيف تكون غبياً وتريد من العالم أن يكون غبياً مثلك؟
منذ أن هدم نصب اللؤلؤة وأنا أرى النظام لم يعد يأبه بما سيقول عنه الخارج أو حتى بما سيفعل، المهم لديه هو أن ينتقم لكبريائه الجريحة وكفى!