» تقارير
حروب القصور: محور الشر يهزم اقتصاد ولي العهد
2011-06-21 - 1:00 م
وزير الديوان الملكي(يمين) وولي العهد(يسار)، مسافة وأكثر بعد 14 فبراير
مرآة البحرين (خاص): في ظل سياسة المد والجزر بين ولي العهد وعمه الكبير وحرب المجالس والإعلام وانشغال الرأي العام بالجديد دوما بين الطرفين المتنافسين، كانت هناك في أروقة قصر الصافرية تكاد الدسائس المتربص بها الشيخ خالد بن أحمد وزير الديوان الملكي، يديرها وفق أجنداته المغايرة والطموحة والمهادنة لكلا الطرفين المتصارعين، لتبلغ نهايتها.
فعلى الرغم من انعدام التفاهم بين خالد بن احمد ورئيس الوزراء- أبناء العمومة- إلا أن شعرة معاوية بقيت معلقة بينهما، وفي الحقيقة هذه الشعرة كادت تقطع لمرات عدة، لولا أدراك رئيس الوزراء بحسه الحاذق ودهائه، بأن خالد بن أحمد خصم شرس وأكثر عنفا وقسوة من ولي العهد الذي يتبع سياسة اللين والمصالحة، فلم يفتح عليه جبهات صراع هو الخاسر فيها، بل كان يقربه في الموائد ويقلب عليهم في الإعلام، حيث الإعلام بكافة وسائله ضد سياسة التجنيس التي لم يكن مرحبا بها لدى رئيس الوزراء المدرك بأنها إنما ترمي إلى إقصائه وتحويل المملكة إلى حكم الفرع الثالث من العائلة الخليفية التي تصارعت على الحكم قبل سنين.
التوجس والريبة من عدم إخلاص الفرعين من الأسرة الحاكمة، كان السبب الكافي لعدم تقريب الشيخ خليفة بن سلمان لأي من أبناء عمومته، خالد وخليفة بن احمد آل خليفة، وأبناء محمد آل خليفة الذي لم تبق منه إلا الشيخة مي الخليفة، لم يعطهم أي منصب وزاري أو مناصب عليا طيلة الـ 30 عاما، حتى جاء الملك حمد ليقرب أبناء عمومته المبعدين.
في ظل الصراع بين قطبي الدولة، ولي العهد وعمه، كان وزير الديوان يحصي غنائم ما يستطيع بلوغه، حتى بات فعليا مع أخيه الحكام، فهم محور الشر في العائلة الحاكمة من بين العقلاء فيها والتقليديين وحتى المتشددين، ولم يكن أحد ليعرف مدى خطورتهم حتى انكشف أمر تقرير البندر، إذ تبين أنهم المشرفين والداعمين لكل ما جاء فيه.
بدت ثورة اللؤلؤة فرصة أكثر من ممتازة لمحور الشر بالعائلة الحاكمة، لتترجم توصيات تقريرهم بالتطبيق الفعلي، وأفضل من ذلك فقد عملت على توحيد أعداء الأمس، إذ اتحدت أهداف رئيس الوزراء مع أبناء عمومته مقابل ولي العهد الذي كان يؤمن بالمطالب الشرعية لشباب 14 فبراير، فتكالبوا عليه وانتصر الشر.
كان التوقيت والظروف مؤاتية لتنفيذ الخطة التنظيرية التي عمل عليها محور الشر، ونعني بهم كل من خالد بن أحمد وخليفة بن أحمد، وينفذها أحمد بن عطية الله"الرأس المدبر" لكل المخططات الرامية لتحويل المملكة إلى فرق حزبية ومذهبية وطائفية ليسهل السيطرة عليها، منذ العام 2005 وفق دراسة حملت اسم "النهوض بالوضع العام للطائفة السنية في مملكة البحرين" وهذه المرة بآليات قوية يدعمها الشيخ خليفة بن سلمان بنفسه، فالثورة الشبابية غير المسبوقة في تاريخ الدولة تطالب في الأساس بإنهاء عهده فكان لها بالمرصاد.
وجود رئيس الوزراء أعطى قوة لعمليات التنفيذ وبصلاحيات واسعة بالنظر لتملكه جميع الوزارات، واستعانته بالسعودية كغطاء لفعل ما يريد دون أن يوقفه أحد، الأمر الذي سرّع في تنفيذ مخطط الهيمنة السنية ذات الأبعاد الاقتصادية التي نعيشها اليوم، والتي فُرضت بأوامر أشبه بقانون"الغاب" بهدف تغليب طرف "الموالاة بصبغتها المذهبية" كبديل استراتيجي لمن سماهم بالخونة.
استطاع رئيس الوزراء عبر استعانته بفريق الشبكة السرية التي تحدث عنها صلاح البندر في تقريره"البحرين الخيار الديمقراطي وآليات الإقصاء" والمعروف محليا باسم "تقرير البندر" إذ عرّف الشبكة السرية بقيادة أحمد بن عطية الله، على أنها المتحكم خارج إطار الشرعية في سياسة الدولة، استطاع أن يترجم اقتراحات التقرير إلى أفعال متخذاً من قانون السلامة الوطنية ستارا، وكوّن فريقا نستطيع تسميته بـ" لجنة التطهير" التي تهدف "لتطهير البلاد من المجوس والخونة" بقيادة "المشير" خليفة بن أحمد وبمشاركة الإخطبوط "عطية الله"، وخلال شهر واحد فقط وبغير قواعد منطقية ولا قانونية وتحت ذريعة معاقبة الخونة، استباح البلاد والعباد تحت شعار (التطهير)، استطاع ذلك النظام المظفر بنصر وهمي أن يقود اقتصاد البلاد إلى هزيمة ملحوظة. عبر خطوات جرأ عليها من قبل ولكن بطريقة غير محسوسة ومن غير فجاجة وبتدرج. بأركان جيشه الذي لم بجربه على غير شعبه، هدم أركان الاقتصاد الفتي، عبر خطوات وصفها المراقبون بأنها غبية وعنصرية.
بدأها بعمليات فصل معدة مسبقا لإعادة هيكلة مناصب الوزارات، ذات الأكثرية الشيعية، كوزارة الصحة، إذ يستحوذ الشيعة فيها بحسب التقرير على 64 منصب مقابل 25 للسنة، والآن انعدم التمثيل الشيعي فيها بالطبع، كذلك هو الحال في وزارة الإسكان، في حين تستأثر الطائفة السنية بالمناصب في وزارة كالتربية والتعليم 47 منصبا مقابل 8 فقط للشيعة، واليوم تم فصلهم وتوقيفهم جميعا تقريبا، بقيادة وزيرها العسكري ماجد النعيمي، وباقي الوزارات كلها كشئون البلديات 16 منصبا سنيا مقابل 9 مناصب للشيعة تم تقليصها إلى النصف، وهكذا يبدو المشهد في باقي الوزارات بعد أن تم تفعيل مسرحيات التخوين كتغطية للحد من التواجد الشيعي.
لم يقتصر الأمر على القطاع العام، بل وصل إلى القطاع الخاص في أهم الشركات الكبرى، ونذكرها كما جاءت في التقرير "بابكو، ألبا، أسري، طيران الخليج، بتلكو"، فكانت فرصة أكثر من ممتازة لإحلال ما يسمى بالتوازن السني بديلا للشيعة في مناصب تستأثر بها النخب الشيعية، وبالفعل بلغ عدد المفصولين من الطائفة الشيعية في القطاعين حتى يومنا هذا (1991) موظفا، وبعضهم لم توجه لهم أي اتهامات سوى أنهم شيعة.
لم تتوقف ترهات الدولة عند هذه الأفعال، بل تم إعادة هيكلة النقابات العمالية والجمعيات وفصل كوادرها، وإبدالها بكوادر سنية، وفق مقترحات التقرير المذكور، كما لجم التجار الشيعة عبر مقاطعة منتجاتهم ومحالهم التجارية ومطاعمهم ومصانعهم باسم "مقاطعة منتجات الخونة"، وتم إعادة السيطرة على بيت التجار "غرفة تجارة وصناعة البحرين" وإبعاد أعضائها من الشيعة للحد من النفوذ الشيعي في الحركة التجارية، والحيلولة دون سيطرة الشيعة على صناعة القرار التجاري في المملكة وفق ما ذكره تقرير البندر، في عملية إقصاء للطائفة الشيعية لم تحدث بهذا النسق في دولة تفتخر بأنها دولة المؤسسات والقانون.
عبر وكلاء التطهير، تم تشجيع التجار وأصحاب الأعمال السنة لتوفير بدائل للشارع السني عن المقاطعة بالذات للمنتجات الغذائية التي يشتغل فيها الشيعة في البحرين كتوفير الخضروات والفواكه والمخابز والمواد الغذائية وتعبئة المياه، تحت يافطة تجمع الوحدة الوطنية لسوق الخضروات، في ما سمي بساحة الشرفاء في البسيتين.
لم يكن تجمع الوحدة الوطنية إلا من صنيع محور الشر و"لجنة التطهير" واتخذاه ذراعاً مساعداً للتستر على تنفيذ اقتراحات المحور، وليظهر بمظهر متخذ القرارات الجماهيرية، وها هو يكمل المسرحية عبر تحويله لجمعية تتحكم في العباد والبلاد، بوكالة من محور الشر. ولنا بقية.