3 حكايات كئيبة من داخل السجن: نفيسة، نادية، ريحانة

2013-08-16 - 10:14 م

مرآة البحرين (خاص): 3 من المعتقلات يقمن في زنزانة واحدة: نفيسة العصفور، ونادية علي يوسف، وريحانة الموسوي، تواجه كل واحدة منهن تهمة لم تتخيلها يوماً ولو علـى سبيل التندر، لكنهن فجأة وجدن أنفسهن هكذا، متهمات محاكمات بقضايا أمنية و(إرهابية).

للأمانة، لا تشتكي معتقلات مركز شرطة مدينة عيسى من سوء المعاملة داخل المعتقل. لكنهّن يعشن وضعاً نفسياً صعباً، يجعل بعضهن في انهيار شبه تام، يهدّد سلامتهن.

نفيسة العصفور

تعيش نفيسة منذ فترة حالة نفسية صعبة ومقلقة، حالة شبه مستمرة من العصبية، أقرب إلى الهياج، تكاد لا تتكلّم إلا صراخاً، توجه سيل من السباب والشتائم لكل شيء، حتى لزميلاتها في الغرفة أحياناً، وتتكرّر عندها حالات الإغماء.

تتحرّك نفيسة (31 عاماً) الآن بقدم مجبسة، كانت قد ركلت بعنف الخزانة الحديدية (اللوكر) أثناء نوبة من نوبات سخطها، تورّمت بشكل كبير، ورفضت الذهاب إلى طبيب القلعة، وبقت هكذا حتى زاد نفخها وألمها ولم تعد قادرة على الحركة بسببها، اتضح فيما بعد أن الركلة تسببت بشرخ في العظم. تمت معالجتها ووضعت لها جبيرة، لكن نفيسة كما يبدو ليست بحاجة لما يجبر عظم جسدها المشروخ، بل نفسيتها المشروخة قهراً.

نفيسة التي ذهبت لممارسة الاحتجاج السلمي عند حلبة الفورمولا في 18 ابريل 2013، ها هي تواجه اليوم تهمة الانتماء إلى خلية إرهابية بهدف قلب النظام، فكيف لا ينشرخ كل شيء فيها، وكيف لا تصاب حتى في عقلها، لا في أعصابها فقط.

كانت نفيسة قد تعالجت فيما سبق من ورم خبيث في الثدي، يبدو أن الحالة النفسية التي تعيشها مؤخراً قد أثّرت على صحتها بشكل عام، وبدأت تشعر ببوادر عودة للمرض. ترفض نفيسة الذهاب لأي طبيب من طرف الداخلية، وترفض الذهاب إلى عيادة القلعة، وتطلب عرضها على طبيب مختص في مستشفى السلمانية، ولا تزال إدارة السجن ترفض أخذها لهناك. وهذا ما يجعلها أكثر توتراً وأكثر عصبية داخل السجن، وثمة خوف من تعرضها لانهيار مجهولة عواقبه، مالم يتدرارك.

نادية علي يوسف

تعاني نادية من وضع إنساني منهك وثقيل. فهي تحمل جسداً أثقله الحمل الذي وصل أسابيعه الأخيرة، وقلباً يثقله غياب زوج قابع هو الآخر خلف القضبان. لا أحد قادر على أن يخفّف عنها أي من حمليها الثقيلين. لا تستطيع نادية التواصل مع زوجها وهي أحوج ما تكون إليه في هذه الفترة بالذات لو كانت في وضعها الطبيعي، فكيف بها في هذا الوضع الاستثنائي، لذلك هي تعيش أسوأ حالاتها النفسية، ولا تتصل بأهلها إلا قليلاً حسب ما تنقل رفيقات زنزانتها.

كأنها جانية بائسة، تنتظر نادية قريباً أن تضع مولودها في ظلمة السجن، تضعه بعيداً عن فرحة الأهل وحفاوة الأصدقاء، وفوق كل هذا، بعيداً عن عزوة الزوج. جريمتها النكراء، أنها مرت في 2 يونيو 2013، بنقطة تفتيش في منطقة بني جمرة، كانت محاصرة حينها بعد إعلان الداخلية انفجارا استهدف منتسبيها، وكانت نادية للتو قد علمت باعتقال زوجها (عبد علي يوسف صالح). عند نقطة التفتيش وجه أحدهم لها الإهانة وشتمها، فردت عليه، فما كان منه إلا أن استولى على بطاقة هويتها. عندما ذهبت لاستلام بطاقتها من مركز شرطة البديع احتوشتها شرطيتان وقامتا بضربها وشتمها ثم اعتقالها، قبل أن توجه لها النيابة العامة تهمة التعدي على قوات الأمن بالسب وركل ضابطة الأمن في بطنها (!). فيما أظهر فيديو نشر على مواقع التواصل الاجتماعي نادية وهي مكبلة الأيدي في مستشفى السلمانية، نقلت إليها بعد تردي حالتها الصحية.

تعيش نادية الآن كآبة تخيم عليها معظم الوقت، تنتابها حالات من الصراخ والإغماء، يخشى أن تتحول لكآبة مرضية، خاصة مع نهاية أشهر الحمل الثقيلة، وقلق اقتراب موعد الولادة، ووسط صمت حقوقي ثقيل، عن انتهاكات الإنسان المهدورة في البحرين.

ريحانة الموسوي

تبدو ريحانة الموسوي (37 سنة) هي الأكثر تحملاً بين رفيقاتها في الزنزانة، لكنها ليست أفضل وضعاً بالطبع. طبيعتها الهادئة تعينها على التأقلم مع الوضع الذي تعيشه بكثير من الألم المكتوم. تحاول التخفيف عن كآبة رفيقاتها لكنها لا تنجح في كثير من الأحيان، فهي ليست معالجة نفسية. تحاول أن تتواصل بشكل إيجابي مع الجميع داخل السجن وتحظى بمعاملة جيدة من السجانات، خاصة بعد انتشار قضية تعريتها والتحقيق معها حول ذلك.

لم تتوقع ريحانة عندما ذهبت مع نفيسة لحلبة الفورمولا، وتم اعتقالهما عند البوابة في الخارج بتهمة التجمهر، أن قضيتهما ستتطور، في لمح من البصر وغياب من الحقيقة، إلى قضية الانتماء إلى خلية إرهابية. لا تزال ريحانة لا تستوعب كيف تحوّل التجمهر لهذه التهمة الخيالية، وكيف يمكن لمن يراها ويعرف هدوءها أن ينسب لها تهمة لا تنسجم حتى مع شخصيتها، ولو على سبيل التلفيق.

على جسد ريحانة، ظهرت مؤخراً بثوراً مدببة حمراء، انتشرت في يديها ورجليها، لا أحد يعرف حتى الآن ما هي وما سببها، تم عرضها على الطبيب الذي عمل لها تحاليل، حتى الآن لم تصل النتيجة. الجو الكئيب الذي تعيشه ريحانة مع رفيقتيها، والذي يُخشى من كونه بداية كآبة مرضية، يؤثر سلبياً على نفسيتها، ويخشى من أن يصلها أيضاً.


ذلك جانب من حكايا نساء ثلاث، وجدن أنفسهن في المعتقل فجأة، ووجدن أنفسهن متهمات فجأة، وجدن أنفسهن جانيات فجأة، وينتظرن أحكاماً يُستثنى منها المجرمون، ويحاكم بها أصحاب الرأي وحدهم. هذه ليست فجأة.

 

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus