» رأي
رسالة مفتوحة إلى وليّ العهد
نادر المتروك - 2011-06-05 - 10:10 ص
نادر المتروك*
بعد التّحيّة؛
رسالتي إليك قد تكون صريحة بعض الشّيء، وأرجو منك أن تتقبّلها برحابة صدْر، وأن تعذرَ عدم التزامي بالبروتوكول، فأنا مواطنٌ عادي، ولم أخالط يوماً الدّواوين. وكلُّ توكّلي على ما رأيته فيك من استعدادٍ لسماع الآخر وتقبّل الاختلاف معه.
اسمحْ لي أن أبدأ رسالتي بواقعةٍ شخصيّة. في الأول من يونيو، يوم رفْع قانون السّلامة الوطنيّة، قرّرتُ أنْ أحملَ أولادي إلى نزْهةٍ خفيفة. توجّهتُ إلى مُجمّع تجاري يقعُ على أطراف منطقة الرّفاع، قاصداً حلاقاً خاصاً بالأطفال. عند دخول المنطقة، فوجئتُ بحاجز. حاولتُ أن أضبط المفاجأة، خصوصاً عندما اجتزتُ الحاجز دون تفتيش. انتهيتُ من حلاقة الأولاد، وخرجتُ مباشرة. كان هناك حاجز آخر عند الخروج. ظننتُ أنّه سيكون عاديّا، وسأمرُّ بسلام هذه المرّة أيضاً. ما جلعني أكون واثقاً أكثر هو أنّ أولادي كانوا يملأون المكان، وبالوناتهم تُعطي رسالةً واضحة بأنّ المركبة العابرة تعجّ بالبراءة.
السّيارات أمامي مرّت بسلام. شعرتُ بالاطمئنان. "إنها نهاية الطّوارئ، هذا حقيقي!"، قلتُ في نفسي. حين جاء دوري، رمقني الشّرطي بحدّة. طلب منّي التّوقف، وأن أرْكنَ السّيارة جانباً، واستدعى قوّةً خاصة ورائي. بغلاظة، سألني رجلٌ من القوّات الخاصة (من الأردن الشّقيق) عدّة أسئلة شخصيّة: اسمك، من أين، ولماذا جئت هنا؟ وبالشدّة نفسها، طلبَ بطاقتي، وأمرني بالنّزول من السّيارة، وفتْح الصّندوق. كانوا يُفتشون، والأسئلة لا تتوقّف. أولادي الصّغار، ظنّوا أباهم في وقفةِ "دردشة" مع أصحاب قدماء. ضحكاتهم، ومناداتي "بابا بابا"؛ لم يُغيّر من "سياسة" التّفتيش والأسئلة: أين تعمل؟ هل ذهبت إلى الدّوار؟، لم يجدوا شيئاً في السّيارة، وتركوني أرْحل. هذه تجربتي في الأول من يونيو.
وليّ العهد؛
ألم تسمح للنّاس بالذّهاب إلى الدّوار؟ ألم تقل في تلفزيون البحرين أنّك تحترم أولئك المعتصمين، ولهم الحرّية في الاعتصام والتّظاهر؟ لماذا أصبح ذلك فيما بعد تهمةً خطيرة، وبسببها يُحاكَم الناس عسكريا، ويُفصلون من أعمالهم، ويُخوّنهم إعلامُ الدّولة ليل نهار؟
ولي العهد؛
لماذا لم تتدخّل للدّفاع عن هؤلاء؟ أعرفُ كثيراً منهم كان يقول بأن "الأمل في وليّ العهد". عندما أناقشهم، كانوا يصرّون، ويؤكّدون أنّ "علينا أن نتمسّك بهذا الشّاب حتّى الرّمق الأخير". أعرفُ واحداً كان يُردِّد هذا الكلام تمّ التّحقيق معه بعد اعتقاله من مكان عمله، وإيقاف راتبه. التزمَ الصّمت بعدها، وكلّما رأيته يمرّ بجانبي، أرى عيونه الحيرى، وكأنه يريد أن يُرسِل إليك عتاباً.
وليّ العهد؛
اسمحْ لي أعاتبك. كنتَ أملاً لكثيرين، ولكنك لم تدافع عن خيارهم فيك. ستقولُ إنّهم "لم يتعاطوا بإيجابية سريعة مع الحوار، وتركوني مُحاصرا بين أصحاب الحسْم العسكري". هذه وجهة نظر، ولكنك تعلم أنّ الأخطاء لا يصحّ مواجهتها بكوارث. كان لزاماً عليكَ أن تقف في وجه العسكريين، وأنْ تحذّرهم من المأزق الذي يدفعون البلاد إليه. اسمحْ لي، لقد تخلّيتَ عن الميدان سريعاً، وكان من واجبك أن تصمدَ مع النّاس، وأن تُرَيهم أنّك باقٍ معهم في خيار الحوار. اسمحْ لي مرّة أخرى، لقد كان اختفاؤك المفاجيء من السّاحة سبباً في تحوّل كثيرين عن ظنونهم الطيبة فيك. أنتَ تعلمُ جيّداً أنّ شعبك عزيز، وبملك كرامةً عالية، وهو حسّاسٌ جداً في كلّ ما يتعلّق بالصّدق والوفاء بالكلمة.
وليّ العهد؛
في هذه الأيّام، الجُندُ يعلبون لعبةً أخرى. إنهم يخطفون حوارَك. يخطفون دورَك، أو يحاولون. أولئك الذين لازالوا يضعون الأمل فيك؛ يقولون لك: "هذه فرصة. تقدّمْ، لا تخذلنا مرّةً أخرى". عندما أثيرُ عليهم التساؤلات، يرفعون رؤوسهم، ويقولون لي: "لماذا لا نعطيه فرصة أخرى؟". لا أخفيكَ أنّني أملكُ طموحاً راديكاليّا، قريباً من خيار "الدّولة المدنيّة"، لكنّي حين أجادلُ المتمسّكين بك، يُساورني ضعفٌ خفيف، وأقعُ في احتمال أن تكون "الفارس الموعود". سأكونُ صادقاً معك، فأنا أظلّ مخلصاً لموقفي في الحلّ الوطني، وإنْ اختارَ الناسُ موقفاً آخر، ولذلك أعتذرُ حينما أصارحك بالقول أنّك لم تقدِّم شيئاً يجلعني أتمسّكُ بك فارساً منتظراً. هذا شعوري، وأتمنى ألا يُزعجك. ولكني سأكونُ سعيداً لو غيّرتَ شعوري، وجلعتَ أنصارك من أصحابي يتجمّعون حولي باسمين فرحين بانتصار خيارهم.
ولي العهد؛
أخيراً، لك التهنئة بإعادة اختيار البحرين لاستضافة سباقات الفورملا ون، لكني حزينٌ، ففي مثل هذا اليوم وقعتْ انتهاكاتٌ لأبناء شعبي أثناء تظاهرهم السّلمي، وسقط شهيدان. وحزينٌ أيضاً لأنّ أبناء آخرين من شعبي لازالوا يثيرون الاتهامات وينعتون النّاس بالضلال والبغض والعمالة والتخوين. حزينٌ لأنك لم تقف في وجههم، وتمنعهم من ذلك. حزينٌ جدّا، عليك ومنك ولأجلك. هذا ما لديّ، أرجو أن يصلك وأنت بخير، والسّلام.
* كاتب بحريني