تمرّد 14 أغسطس تهزم حكومة خليفة بن سلمان
عباس المرشد - 2013-07-18 - 3:30 ص
عباس المرشد*
كان على رئيس الوزراء البحريني خليفة بن سلمان أن يكون أكثر حصافة في إعلان مواجهته المبكرة لحركة التمرد، المقرر انطلاقها في يوم الاستقلال الوطني في 14 أغسطس. فرئيس الوزراء، الأقدم من بين سائر رؤساء الحكومات في العالم ( 1967-..)، ليس هو المعني من حملة تمرد 14 أغسطس، رغم فضيحة شريط الفيديو الذي انتشر له مؤخرًا، وهو يطمئن حلفاءه من زعماء القبائل بأن قانون الدولة، وسائر إعلانات العلاقات العامة، وعنوانين الصحف اليومية القاضية باحترام القانون وتطبيقه دون تمييز، كل ذلك لا ينطبق عليهم، فهم محكومون أساسًا بقاعدة العلاقات القبلية والاستراتيجيات الخفية التي تدير الدولة. فضيحة هذا التصريح كأنها لم تكن ولم تصدر من أعلى هرم الدولة، إذ نشرت الصحف المحلية تصريحات مكررة لرئيس الوزراء يؤكد فيها التزامه بالقانون، وأن الدولة تحكمها منظومة القوانين الدولية. وبعيدًا عن الجدال حول مفهوم القانون الذي يتحدث عنه رئيس الوزراء، وهل هو القانون الخفي الذي تحكم به البحرين، أم هو قانون القوة وفرض السيطرة واستغلال موارد الدولة لخدمة المصالح الشخصية، فإن القدر المتفق عليه أن الدولة لا تحكم من خلال مؤسسات وقوانيين واضحة ومتداولة، وهو البعد الذي أشار إليه فؤاد إسحاق الخوري في دراسته لنظام السلطة في البحرين، إذ توصل إلى أن الصراع بين النخبة الحاكمة وجموع المواطنين لا يخرج عن رغبة الناس في الاحتكام لقانون موحد متفق عليه.
حركة التمرد، التي يبدو أنها أزعجت النظام الحاكم، أكدّت في بياناتها الأولى أنّها معنية بحق تقرير المصير لأفراد الشعب، وأنها ليست جولة من الجولات التي يتصوّر النظام أنه اعتاد عليها منذ 2006، مرورًا بـ 14 فبراير 2011. فقبل أن تباشر حركة تمرد نشاطها، خرجت راعية العلاقات العامة في النظام (سميرة رجب) بمنظومة القمع القانونية، التي أعدتها الحكومة لمواجهة حركة تمرد، وذكّرت الرأي العام المحلي والعالمي بأنّ لدى الحكومة ترسانة هائلة وضخمة من العقوبات التي يمكن فرضها على حرية التعبير، ويصل مفعول هذه الترسانة لعقاب من يتحدّث ويتكلّم، أو يعلن عن تأييده للتمرد في 14 أغسطس، فنصوص قانون محافكة الإرهاب وقانون العقوبات، المعدلين حديثًا في مجلس النواب، تتحدّث عن إمكانية تطبيق العقوبات تحت عنوان التحريض، حتى ولو لم يُحدث أثرًا أو تأثيرًا على أرض الواقع. وكان أداة السلطة (عبد اللطيف المحمود) قد سبقها في حثّ الدولة وقواعدها الشعبية لمواجهة نشاط تمرّد 14 أغسطس، في خطبة صلاة يوم الجمعة الموافق 12 يوليو 2013. وبالمثل، فإن جوقة دعاة الكراهية ومؤصلي الاحتراب الطائفي في صحيفة الوطن (هشام الزياني، سوسن الشاعر، منى المطوع ..) باشروا استفزاز الكتلة السنية ومحاولة توتيرها طائفيًا كآلية رئيسية ضمن آليات المواجهة المرتقبة في ذكرى يوم الاستقلال.
وفق هذا الإيقاع فإن حركة تمرّد 14 أغسطس قد كسبت شرعيتها في مواجهة الاستبداد، واستطاعت أن تصبح لاعبًا نظريًا لحد الآن ضمن مجموعة اللاعبين في الحقل السياسي المحلي، بالإضافة إلى ذلك فإن تعدد حركات التمرّد المقرر انطلاقها في أكثر من بلد عربي (سوريا، تونس، السودان،..) يضيف إليها شرعية أخرى، هي شرعية الجماهير العربية. فأمام نجاح حركة التمرد المصرية، تلقّت ساحة الموالاة البحرينية صفعة قوية قادتها للانقسام على نفسها، وفرضت على أقطاب الموالاة العودة لمصالحهم الشخصية والحزبية، رغم تشديد الحكومة على الصحف المحلية بمنع إثارة النقاش المتعلق بالإخوان المسلمين، أو التأييد لهم، والسماح لبعض الكتاب بتأييد الموقف الرسمي، الذي اتخده مجلس التعاون الخليجي، باستثناء قطر، في دعم الحكومة المؤقتة حاليًا، ودعمها إعلاميًا بأكثر من 12 مليار دولار.
وإذا ما صحت قاعدة الصراخ بقدر الألم، فإن حلقات الاستبداد تبدو عالية الصراخ، ربما لشدّة ذعرها وعدم استيعابها لقانون المقاومة الشعبية، واعتقادهم بأنّ مفرزات فترة السلامة الوطنية كانت كفيلة لأن تعيد بناء جدار الخوف المهدوم في 14 فبراير 2011، وربما هي الصرخة الاستباقية التي تصاحب عملية الفرار والانكسار.
رغم ذلك فإن هذا الإنجازالذي حققته حركة تمرد 14 أغسطس لا يعني نهاية المطاف، إذ أن حجم التحديات وصعوبة الإنجاز الفعلي لا تزال قضايا بحاجة لمزيد من الحسم والمناقشة. فحتى تكون حركة التمرد فاعلة ومنجزة، كان عليها مواجهة التحديات التالية:
أولًا: تحقيق الإجماع الوطني على المطلب المقرّر طرحه كصيغة من صيغ الاحتجاج الجماهيري؛ هل هو البدء في إجراءات تنفيذ حق تقرير المصير، أم هو إسقاط النظام بشكله الحالي، أو هو مطابقة المطالب مع مطالب حراك الجمعيات الرسمية، وهو المملكة الدستورية الحقيقية، أو هو مطلب أكثر سيولة مثل المطالبة بمجلس تأسيسي لصياغة وضع دستوري جديد.
ثانيًا: التخلّص من تأثيرات الانقسام المذهبي الذي أحدثته قوى التأزيم والبلاطجة منذ 14 فبراير 2011، وهي عملية تقتضي بطيعتها تخليص الكتلة السنية من القيادات النفعية والمأجورة والقابلة لأن تبيع الوطن لصالح مصالحها. ومعنى ذلك تحديد خصوم الحركة بشكل واضح وغير قابل للمساوامة، إذ أنّ تجربة 14 فبراير 2011 أدت لأن يكون الخطاب الوحدوي فاقع جدًا، عجز عن مقاومة التدخل الخطير الذي مارسته قيادات تجمع الفاتح وتجمعات السلفية الجهادية والبلاطجة في أكثر من موقع.
ثالثًا: القدرة على تخطي المنع الأمني والحالة العسكرية، التي ستفرض قبل 14 أغسطس وما بعده، سواء في حجم العنف الممارس أو في منع الحراك من التفاعل المفترض، وبالتالي إمكانية الترحيل والمواصلة للتمرّد بشكل يستنزف القوة الأمنية لا القوة الشعبية.
رابعًا: قدرة حركة التمرد على إقناع الغالبية من القيادات والشخصيات بتبني الحراك بشكل شخصي، لمنع الانفراد الأمني بالقائمين عليه ميدانيًا، وهو الدرس الذي أقرته ثورة 14 فبراير 2011، حيث كلما كان الحراك ممثلًا بأوسع الفئات، عجزت الأجهزة الأمنية عن مقاومته، ولو قاومته فهي تضطر في النهاية للانكسار والانسحاب، كما فعلت مع أكثر من 6 آلاف معتقل في مارس 2011 وأكثر من 3 آلاف مفصول.
خامسًا: قدرة الحراك على الإبداع في الآليات السلمية والأدوات غير المتوقعة، بل وقدرة هذه الأدوات السلمية على توفير الغطاء الإعلامي والحقوقي والسياسي للحراك.
أما كيف استطاعت حركة التمرد في 14 أغسطس من التغلب على هذه التحديات أو كيف يمكنها فعل ذلك فهو ما سنراه في الجزء الثاني من هذه المقالة
*كاتب بحريني.