الانحباس السياسي في الخليج
علي داوود - 2011-05-30 - 12:15 م
علي داوود *
على غرار الانحباس الحراري، تواجه الأراضي الخليجية موجة من التسخين السياسي، بعضها مرئي وملموس، وبعضها خفي لكنه محفوف بالمخاوف. في كل بلد ما يشبه القنبلة الموقوتة التي تنتظر الظرف السياسي الملائم لتنفجر وليتدحرج بها اللاعبون السياسيون في هذه البلدان التي اختارت أن تختلف فيما بينها معظم الوقت، لكنها نذرت أن تتوحد في مخاوفها، لذلك تبدو الوحدة الخليجية وحدة مدخرة لساعات الخوف، وما عداها فساحة للنزاعات التقليدية. وفي التنازع على الحدود، والتباين في السياسيات الخارجية، والاختلاف حول توحيد العملة، وما يطفو على السطح بين وقت وآخر من خلافات شواهد على هذه الحال.
هذا الخوف لا يأتي من الخارج غالباً، على خلاف ما يجري تصويره في كل منعطف سياسي تمر به المنطقة، هو خوف يتولد تلقائياً من هشاشة الرصيد السياسي لهذه الحكومات، لأنها آثرت على نفسها أن تؤجل وعد بناء الدولة الحقيقية، دولة المواطنة التي يصبح فيها المواطنون شركاء في صناعة القرار السياسي، وفي رقابة الأداء الحكومي، وفضلت الإبقاء على صورة الرعايا الذين ينتظرون الهبات، ولا يحلمون بأبعد من ثورة من الأعلى تغير من واقعهم السياسي.
مصادرة خيارات المجتمع وجعله حكراً على فئة، هو ما يفتح الباب واسعاً أمام الكثير من المتغيرات المستقبلية، ويجعل من شأن الاستقرار السياسي عرضة لرياح التغيير في أي لحظة، فقبال هذا الاسئثارالفئوي للممارسة السياسية تنولد رغبات موازية لدى الفئات المهمشة والتي ستدفع باتجاه تعزيز علاقاتها الخاصة وجعلها تتقوى وتصبح مزاحمة للعلاقات السياسية الرسمية.
"تطييف الدولة" على حد تعبير برهان غليون، أي اخضاع الدولة لمصلحة طيف ما، هو ما يغذي العصبويات داخل المجتمع، عصبويات بديلة لمواجهة عصبوية الحكومات التسلطية، لذلك يقرر في كتابه "نظام الطائفية من الدولة إلى القبيلة" عدم اتصال الطائفية بالدين بالضرورة، وأنها قد تحدث داخل الأحزاب وداخل الجماعات متى ما تحققت فيها سمة الانغلاق على الذات.
هكذا تبدو الدول المستبدة هي من توفر الشروط الموضوعية لولادة الولاءات الفرعية، أو الساحات الموزاية التي تبحث عن دورها السياسي في مواجهة تشوهات الممارسة السياسية، فالطائفة في أصل وجودها ليست مبعث الطائفية، وإنما طبيعة التوظيف لهذا الانتماء ضمن شروط الواقع السياسي، وفي الخليج كانت المفارقة دائماً أن الدولة هي من تعيد إنتاج الطائفية بكل تجلياتها وليس المجتمع، وذلك ضمن خياراتها التكتيكية لصيانة تكوينها الهش، وكل إشارة في الإعلام الرخيص لوجود مخططات طائفية بالمنطقة هي بمثابة المحاولة لصرف النظر عن أفعالها على مستوى زراعة العصبيات في داخل المجتمع.
الطائفية لها محاذيرها، لكن الدول التي شاءت أن ترتهن في وجودها لفرد أو عائلة او فئة تخادعها الظنون فتذهب بعيداً في لعبة استقطاب، تستقطب فريقاً وتهمش آخر، ظنناً منها بأنه الطريق الأضمن للحفاظ على مصالحها وبقائها خارج سياق التحولات التي تعصف بالفضاء المحيط بها، وستصر على الاستثمار في النزاعات الاجتماعية حتى لا تتعزز في المجتمع روابط مدنية ضاغطة باتجاه التغيير الحقيقي.
والحاصل أنه لا يمكن تحقيق المواطنة في بلدان الخليج دون استكمال شروط المشاركة السياسية، ودون تجسيد حقيقي لهذه المشاركة عبر آليات تدوال السلطة، وهو الخط الأحمر المعلن حتى الآن والذي يحول دون منح المواطن الخليجي فرصة الانتخاب رئيس الحكومة، وطالما لم تعلن هذه الدول اكتفاءها من احتكار السلطة الطويل، فلن يعلن الناس تماهيهم المطلق مع هذه السلطات، وستبقى ديمومة الصراع حاضرة في كل مشهد بين ارادة مغيبة، وإرادة يراد لها أن تفرض بالقوة والإكراه.
* كاتب سعودي