البحرين: دعوة لقتل الأميركيين بـ«الأنثراكس».. وتمثال الجندي الأميركي دمية للنحر على اسم الله!
ملف الجهاديين البحرينيين «1-3»
2013-07-02 - 8:00 م
مرآة البحرين (خاص): في 2 فبراير/ شباط 2009 دعا كاتب إسلامي استُقدم للحديث عن التحولات في المنطقة، تنظيم «القاعدة» إلى استخدام غاز «الأنثراكس» لقتل 330 مواطناً أميركياً في ساعة واحدة. وقال في خطاب علني أذيع على القنوات التلفزية وأثار كثيراً من التعليقات «تكفي كمية بسيطة منه، 4 أرطال يتم تهريبها من جمهوريّة المكسيك المجاورة، كي تقتل هذا العدد من مواطني الولايات المتّحدة».
صدق أو لا تصدّق، هذه ليست واحدة من خطب القياديّ في «القاعدة» أيمن الظواهري التي اعتاد بثها عبر أشرطة الفيديو المهرّبة من مخبئه في أفغانستان. الكاتب المتشدد عبد الله النفيسي الذي صرّح أيضاً أنه «تكفيري»، حاثاً مستمعيه على أن يحذوا حذوه، كان يلقي خطبة علنية في جمعيّة مرخّصة من قبل السلطات البحرينية، شرق العاصمة «المنامة».
وفي 26 أبريل/ نيسان 2008 نظم إسلاميون متشددون احتجاجاً على مقربة من مقرّ القاعدة الأميركية. رفعوا خلاله رايات تنظيم «القاعدة» وصورا لزعيمها أسامة بن لادن، كما قاموا في طقس معبّأ بالدلالات، بحزّ نحر دمية تجسد تمثالاً لجندي أميركي. مرة أخرى، صدق أو لا تصدق، فأنت في البحرين.
فهل غدا حليف الولايات المتحدة الأميركية خارج حلف شمالي الأطلسي، ومقرّ أسطولها الخامس، مكاناً آمناً لتنظيم القاعدة وموطناً لتفريخ الإرهابيين؟ في الحقيقة، إنه يكاد أن يصبح كذلك فعلاً.
موسم الهجرة إلى سوريا
حتى أعوام قليلة خلت، لم تكن تحظ مثل هذه الإشارات بكثير من الاهتمام، أو الجديّة. وطالما نُظر إلى الجماعات السلفيّة في البحرين التي تمثل جمعيّة «الأصالة» الإسلامية واجهتهم الرئيسة، على أنها جماعات «مروّضة». يساعد على ذلك، ارتباطها بشبكة من المصالح مع السلطة، طوّرت بموجبها علاقة أكسبتها الكثير من المنافع بينها حقيبة وزارية. إضافة إلى نأيها عن النهج الذي تمثله الجهادية العالمية.
لكن في خلال الأسابيع القليلة الماضية فقط، قتل 5 جهاديين بحرينيين في صفوف جبهة «النصرة» التي قام مجلس الأمس والولايات المتحدة بإدراجها على قائمة الإرهاب الدولية، خلال عمليّات ضدّ الجيش النظاميّ بسوريا. وصرّح أحد منتسبي الجمعية، وهو الشيخ فيصل الغرير إنه استطاع بواسطة إحدى الحملات التي أشرف عليها وزميله النائب السلفي عبدالحليم مراد تحت شعار «تجهيز غازي» إعداد 1530 مقاتلاً تقدر كلفة تجهيزهم بحوالي 4 مليون دولار أميركي ودفعهم إلى الذهاب للجهاد في سوريا. فيما اعترفت إحدى الفصائل الجهادية التي تقاتل في سوريا إنها تلقت «مضادّات طائرات» من واسطة مموّلين بحرينيين.
وفي أغسطس/ آب 2012 خرق نوّاب بحرينيون من كتلة «الأصالة» السلفية، وهم النائب الشيخ عادل المعاودة والشيخ فيصل الغرير والنائب عبدالحليم مراد والنائب السابق حمد المهندي، بطريقة غير قانونية، الحدود السوريّة والتقوا داخل أراضٍ تسيطر عليها المعارضة، بجماعات سلفيّة راديكاليّة زعموا أنها من «الجيش الحر» وسلّموها مساعدات ماليّة. لكنّهم في الواقع، كذبوا بشأن ذلك، فهم لم يلتقوا غير جماعات جهاديّة قريبة من جبهة «النصرة». إذ تظهر جميع الفيديوهات التي قام بنشرها الوفد الزائر نفسه على شبكة الإنترنت، لقاءهم بكل من «صقور الشام» و«كتيبة داوود» التابعة لها، وهما جماعتان سلفيتان متطرّفتان، لا تظهر عمليّات البحث انتسابهم إلى الجيش الحر (انظر تفاصيل ذلك في الحلقة الثانية من هذا التحقيق).
بروز السلفية الجهادية
ترجع نشأة التيار السلفي في البحرين إلى العام 1978 حين أُسست «جمعية التربية الإسلامية» بدعم من «جمعية إحياء التراث» في الكويت. لم تظهر أدبياته الأولى وجود أي رغبة لديه في بناء نواة سياسية «حركيّة»، بقدر ما انصبّ تركيز قياداته على الدعوة وبناء الجماعة المؤمنة.
في الواقع، كانت ثمة موانع ذاتيّة تقف دون التفكير في ذلك، أبرزها هيمنة «السلفية التقليديّة» التي كانت تحرّم العمل الحزبي والسياسي وتمحض الطاعة المطلقة لوليّ الأمر. لكن مع حلول العام 2002، طوّر المشرّعون في البحرين بموجب تسوية سياسيّة بين الحكم وجماعات المعارضة، إطاراً قانونياً محدوداً للعمل السياسي استغلّته «جمعية التربية» لإنشاء ذراع سياسيّة لها، وهي «جمعيّة الأصالة الإسلامية».
تمثل «الأصالة» خطاً يُعرف بـ«السلفية الإصلاحيّة» داخل رحم السلفيّة التقليديّة. حيث قامت برفع المحظورات على العمل السياسيّ، بموجب قاعدة فقهيّة تقول «منكر يتم به رفع منكر أكبر». لكن ظلّت متمسكة بالموقف القديم القائل بتحريم الخروج على السلطة القائمة «وليّ الأمر»، والاستمرار في منحها الطاعة. لكن ثمّة انقسامين برزا خارج المظلة السلفيّة التي تمثلها «الأصالة». (انظر حول ذلك كتاب: القوة الصاعدة، ندى الوادي)
يمثل الشيخ فوزي الأثري الذي يدير نشاطه من منطقة قلالي، شرقيّ المنامة، واجهة للانقسام الأوّل. فقد حافظ على النسخة الأصيلة من «السلفية التقليدية»، رافضاً تشكيل أو الانضمام إلى أيّ جماعة أو الانخراط في أي ممارسة سياسية. وتحوي خطبه نقداً مبطناً إلى «الأصالة» كثيراً ما تحول إلى مادة للتراشق مع أتباعها.
فيما يمثل الشيخ عادل الحمد، خطيب جامع «النصف» بالرفاع، جنوبي المنامة، واجهة للانقسام الثاني. طوّر الحمد توفيقيّة سلفيّة تلتقي وتختلف في آن مع النسختين آنفتيّ الذكر، لكنها تصبّ في في النهاية، داخل وعاء نسخة ثالثة، هي ما يعرف اليوم بـ«السلفية الجهادية». متأثراً برؤى «السلفيّة التقليدية» أبقى على حرمة الانضواء في جماعات؛ إذ «السمع والطاعة لله ورسوله وليس للجماعات». وبـ«السلفية الإصلاحية»، لم يجد مانعاً من الإدلاء بآراء سياسيّة، مع تمييز نفسه بأخذ مسافة من السلطة. ويقول في خطبة مؤخراً «حكوماتنا تحاربنا لو طالبنا بدعم المجاهدين بالسلاح فكيف لو قلنا للناس جاهدوا في سبيل الله».
وقد واصل اجتراح نسخته السلفيّة الخاصة، لكن ببطء، أسقط بموجبها محظورين سابقين: العمل السياسي مشروع لكن ليس في إطار جماعة. والخروج على وليّ الأمر «الحكام» مسألة ممكنة.
«كاريسما» بديلة للسلفية «المطبّلة»
يمكن الزعم بأن الشيخ عادل الحمد يمثل اليوم مرجعيّة للتيار «الجهادي» البحريني الذي نمت نواته الأولى تحت تأثير السحر الذي أشاعته «البنلادنية» حول العالم. إذ لايُعرف له موقف واحد ناقد لزعيم «القاعدة» أسامة بن لادن أو مدرسته التي أسّسها في جبال «تورا بورا» بأفغانستان. وهو يتبنّى كامل القائمة «التكفيرية» التي تكفر الحكام واليهود والمسيح والشيعة والنصيرية والعلمانيين والشيوعيين، بل حتى من يطالبون بـ«الديمقراطية» وأفكار مثل «التعددية السياسية». وقد طالب الدولة بفرض نظام الجزية على «150 ألفاً من الكفار كاليهود والنصارى مقابل وجودهم في البحرين».
كما يأخذ المثال «الطالباني» - وليس السعوديّة! - مكان اليوتوبيا في دولته المنشودة. ويقول في خطبة حديثة «لم يحكم الإسلام في دولة إلا مع طالبان حين حكمت بالإسلام». فيما لا يكاد يخلو حديث له من الحثّ على الجهاد «الأمة مقبلة على جهاد أكبر يتمثل في قتال اليهود».
وتشكّل خطبه الأسبوعية التي يلقيها من جامع «النصف» ويحضر لاستماعها حوالي 3000 مصلّ - حسبما جاء في إحدى خطبه -، المظلة النظرية «المحلية» التي صار يحتمي بها الجيل الوليد المتحرّق صبوة إلى القتال في ساحات الجهاد العالمية، بمن فيهم أولئك العائدون من سجن «غوانتنامو» الذين أسّسوا لهم كياناً مرخصا، وهي «حركة العدالة الوطنية». لكن شيئاً فشيئاً، راح يستميل له أيضاً وجوهاً شابّة من جمعية «الأصالة» التي أعادت الثورة السوريّة صوغ بعض رؤاهم القديمة.
لقد منحته سياسة النأي عن الانخراط في آليات السياسة اليومية، واتخاذ مسافة من نظام المصالح الذي أقامته الأخيرة مع السلطة خلال السنوات العشر من العمل البرلماني، «كاريسما» خاصّة وسط الجيل السلفيّ الشاب. إذ صار ينظر إلى الحمد كمثال على الجرأة ونظافة اليد وعدم «التطبيل» للسلطة. في الوقت الذي كان نظراؤه في «الأصالة» يستمتعون بالمزايا من جرّاء التحالف معها، ما سبّبت عليهم السخط. ومكنت الحمد في المقابل، من استقطاب فئات جديدة، حتى من غير السلفيين.
في 28 مايو/ أيار 2013، قتل ابنه عبدالرحمن عادل الحمد (19 عاماً) خلال معارك بسوريا خاضها في صفوف جبهة «النصرة». وقد علق في تسجيل صورتي بأنه «نال ما تمناه». وأشار في كلمات ذات مغزى، إلى أنه «قام بحياكة مخازن الأسلحة وتلقي بعض التدريبات في البحرين» وفق ما صرّح.
لكنّ المغزى الأبرز، تركه ابنه عبدالرحمن نفسه في تعليق على صفحته @almooslm بشبكة التواصل الاجتماعي «تويتر» قبل أسابيع من مقتله. قال «أنا مع الثورة الخليجية المقبلة». وراح يدلي بمطالعات بيّنت مدى كرهه الشديد للعائلتين الحاكمتين في البحرين والسعودية. وهي إشارات تهمس، لكن بوضوح على إسقاط الموقف السلفيّ القديم الذي يوجب طاعة «وليّ الأمر»، وتبنّي رؤية مغايرة حدّ الخروج عليه، إن لم يكن تكفيره. فيما تزدحم صفحته بالمآثر المحفزة على الجهاد. ومثلت خطب والده الحيّز الأكبر منها، إضافة إلى المقتبسات المأخوذة من كبار قادة «السلفية الجهادية» كالشيخ عبدالله عزام وأحد قادة الجهاد الشيشاني «خطّاب».
مثلت الثورة السورية فرصة سانحة لتفريغ «المكبوت» عند الجماعات السلفية والذي كان يتم إخفاؤه سابقاً وراء التوريات، كنوع من «التقية السياسية» التي كانت تستوجبها موانع الأمن والحذر. فمع ازدياد «تورط» الدول الخليجيّة في الملف السوري، أزيلت التوريات وسقطت الموانع. وصار «المكبوت الجهاديّ» يعبّر عن نفسه بفصاحة كان من المتعذر رؤيتها في وقت سابق.
على لائحة الإرهاب الأميركية
خلال الأعوام التي تلت الحرب على أفغانستان (من 2002 إلى 2012)، أعلنت السلطات البحرينيّة على فترات إلقاءها القبض على 5 خلايا في الأقل للاشتباه في صلة أعضائها بتنظيم «القاعدة»، بينهم عدد من قدامى المجاهدين في أفغانستان. كما اعتقلت السلطات السعودية 4 والكويت 1 والإمارات 1، من حاملي الجنسية البحرينية، بموجب الاشتباه نفسه. واقتيد 6 بحرينيين إلى سجن «غوانتنامو» بكوبا (2001، 2002)، حيث قبعوا فيه لسنوات قبل أن تتمّ إعادتهم إلى البحرين.
وقد أصدرت المحاكم البحرينيّة أحكاماً بالإدانة في قضيتين على الأقل من القضايا التي عرضت عليها. ففي فبراير/ شباط 2009 قضت المحكمة الكبرى الجنائية بسجن مواطن بحريني اتهمته بتمويل تنظيم القاعدة لمدة سنة، كما قضت بحبس مرافقيه، أحدهما سوري، غيابيا لمدة 5 سنوات. وفي مارس/ آذار 2010 صدر عن المحكمة نفسها حكم بسجن متهمين، أحدهما أردني يحمل الجنسية البحرينية، والآخر بحريني يعمل موظفا في جهاز الجمارك والموانئ، لمدّة 5 سنوات. واتهمتهما بــ«محاولة استهداف القاعدة الأميركية في الجفير».
وأعلنت السلطات الأميركية على فترات مختلفة عن إدراج أسماء 2 من البحرينيين في قوائمها للإرهاب. ففي مايو/ أيار 2009 صرّح «البنتاغون» أن «المواطن البحريني عبدالله النعيمي السجين السابق في غوانتنامو قد عاد لممارسة النشاط الإرهابي». وفي يوليو/ تموز 2012 قالت وزارة الخارجية الأميركية إنها أدرجت اسم المواطن البحريني أحمد عبدالرحمن صاحب أحمد صاحب الملقب بعبدالرحمن الشرقي على القائمة السوداء للإرهابيين. ووجهت تهماً له بـ«الانتماء إلى تنظيم القاعدة» و«تدريب عناصر في القاعدة على التقنيات والمخططات الإرهابية».
فيما ما يزال السلفي البحريني عبدالرحيم المرباطي يقبع في السجون السعودية منذ العام 2003، حيث تحوم حوله شبهات بشأن صلته بـ«تفجيرات الرياض 7 يونيو/ حزيران 2003» و«التخطيط لتنفيذ تفجيرات في البحرين».
لكنّ أياً من المتورّطين في هذه الأعمال لم يثبت اتخاذه أسلوب النشاط العلني أو المشاركة في عمليّات مهمة ضد العالم الخارجي مثلما صار عليه الأمر الآن، مع ولادة مرحلة «الجهاد السوري».
خلال خطبته التي حوت دعوة صريحة لقتل الأميركيين بغاز «الأنثراكس»، حث الكاتب المتشدد عبدالله النفيسي، الحاضرين إلى ضرورة الحذر من الدعوات الغربية التي تصف نشطاء القاعدة بـ«الإرهابيين». قال «هؤلاء هم أصدقاؤكم.. الإرهابيون أتقى وأحسن ناس في العالم». وصرح «أنا تكفيري، وعداوتنا لليهود دائمة».
بعد 4 سنوات من إطلاق هذه الدعوة، يبدو أن المنامة صارت موطناً للكثير من «الأصدقاء»!
اقرأ في الحلقة المقبلة:
- الجيش الحر «ستار» للقاء بالتنظيمات الجهاديّة.. وتبرّعاتنا لمضادّات الطائرات وتجهيز الرجال للكتائب المقاتلة
- ظاهرة الشيخ عادل الحمد في اتساع وسط سخط من السلفيّة «المطبلة».. وكلمة «الجهاد» مفتاح السرّ للسّياحة الصيفيّة
- غزاتنا وصلوا 1530 في أربعة أشهر.. والكتائب المقاتلة: كل الدول العربيّة سواء و«البحرين» وشأنها
وصلات
النسخة الانجليزية للحلقة الأولى
الحليف الأميركي خارج «الأطلسي» مكان آمن لـ«القاعدة» «2-3»
ملاحق إضافية للحلقة الأولى:
1. ملحق رقم1: بالأرقام: موجز «القاعدة» في البحرين
2. ملحق رقم2: قرب «القاعدة»: يا أوباما يا أوباما.. كلنا اليوم أسامة!
3. ملحق رقم3: «عدالة» تحضن الجهاديين وتعادي «الشيطان الأكبر»